التضخم والتعامل مع كارثة الزلازل يدفعان الناخبين إلى الاصطفاف ضد أردوغان في الانتخابات الرئاسية

الانتخابات الرئاسية التركية ربما تكون الفرصة الأخيرة أمام الناخبين لمحاولة تحقيق تمثيل حقيقي في قيادتهم.
الأربعاء 2023/03/22
شعبية متراجعة

واشنطن - من المقرر إجراء أحد الانتخابات الأكثر أهمية في العالم في الرابع عشر من شهر مايو المقبل، فيما يواجه حكم الرئيس رجب طيب أردوغان تحديا نادرا، يتمثل في بحث الناخبين عن مخرج نهائي محتمل لاستعادة الديمقراطية في بلادهم.

وقال البروفيسور إيفان ساشا شيهان، العميد المشارك لكلية الشؤون العامة والدولية في جامعة بالتيمور الأميركية، "إذا كان التضخم الجامح وتكاليف المعيشة الآخذة في الارتفاع عاملين غير كافيين لدفع الناخبين إلى الاصطفاف ضد أردوغان، فإن تعامل الحكومة الأخرق وغير الكفء مع الزلازل الكارثية في السادس من فبراير الماضي لا يترك أي شك في أن سلطة عليا يمارسها شخص واحد لا تخدم مصالح عامة الشعب".

وعلى الجانب الآخر من الانتخابات رشحت كتلة جديدة مكونة من ستة أحزاب معارضة، بما في ذلك الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو زعيم الأخير، ليكون مرشحها لخوض الانتخابات الرئاسية. وتساءل شيهان عما يجب أن تتوقعه السلطات الأميركية والأوروبية وقوى عظمى أخرى في حالة فوزه فيما يتعلق بالتغيرات في السياسة الخارجية؟

إيفان ساشا شيهان: العلاقات بين أنقرة وحلفائها الغربيين هوت إلى مستويات منخفضة لم يسبق لها مثيل
إيفان ساشا شيهان: العلاقات بين أنقرة وحلفائها الغربيين هوت إلى مستويات منخفضة لم يسبق لها مثيل

ويوضح شيهان أن العلاقات بين أنقرة وحلفائها الغربيين هوت إلى مستويات منخفضة لم يسبق لها مثيل، حيث تظهر عداء متبادلا في كل مجال للتعاون تقريبا، وفي الكثير من الأحيان أدت إيماءات غير ضرورية وغير عقلانية إلى احتداد العداء.

وكانت عدة مناقشات خاصة بالعلاقات محدودة للغاية وقاصرة على نزاعات بشأن مبيعات طائرات أف 16،وتوسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والصراع في سوريا. ومع ذلك هناك العديد من المصالح المشتركة التي يمكن أن تعززها على الفور حكومة جديدة تقودها المعارضة.

وتقع تركيا، العضو في الناتو، في مفترق طرق عالمية مهمة بشكل غير عادي؛ حيث تعد جسرا بين الغرب والشرق، كما أن أهمية الموقع الجيوستراتيجي للبلاد قد زادت بعد  نشوب الحرب الروسية " الأوكرانية. وهناك مؤشرات على أنه إذا تولى تحالف للمعارضة السلطة فإن نمط العلاقات الدبلوماسية فيما يتعلق بأوكرانيا سوف يتغير.

وكانت ميرال اكشينار زعيمة الحزب الجيد، إضافة إلى كونها وزيرة داخلية سابقة ونائبة رئيس البرلمان، من بين السياسيين الأتراك الأوائل الذين شجبوا الاستفتاءات التي أجرتها روسيا وتم التلاعب بها شرقي أوكرانيا. ويحظى موقفها القوي بدعم واسع من جانب الشعب التركي الذي يتعاطف تاريخيا مع تتار القرم.

وكانت اكشينار قد ذكرت في وقت مبكر جدا أن سلوك روسيا يمثل "انتهاكا واضحا لحق السيادة الذي هو أساس القانون الدولي، وأن سلوك المغامرة من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يشكل تهديدا لأوكرانيا فحسب، بل أيضا لوحدة أراضي كل الدول في المنطقة”.

وحتى الآن لم تنضم تركيا إلى العقوبات الغربية ضد روسيا ولكنها قامت بدور مهم في التوسط في اتفاقيات ناجحة مثل مبادرة حبوب البحر الأسود. وأضاف شيهان أن هذا دليل على قيمة الآلية الإستراتيجية الأميركية – التركية.

ولأنه من المحتمل أن تقوم تركيا بدور حاسم في محادثات سلام محتملة مستقبلا، فإنه من المهم أن تعكس الإدارة المقبلة رفضا أقوى للغزو غير القانوني لأوكرانيا.

ويفضل معظم الناخبين الأتراك علاقات مع الحلفاء الغربيين مثمرة وليست عدائية. ويشعر الشعب التركي تاريخيا بالقلق من النزعة التوسعية الروسية التي تعود إلى الحروب الروسية – العثمانية.

كما أن الشعب التركي لم يتقبل محاولات الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين لانتهاك المعاهدة التركية – السوفيتية عام 1925 ومطالبته بإقامة قواعد عسكرية قرب مضيق البوسفور ومحاولاته لضم أراض مثل قارص وأرداهان وربما مناطق أرضروم وشرق البحر الأسود.

◙ موقفها القوي يحظى بدعم واسع من جانب الشعب التركي
◙ موقفها القوي يحظى بدعم واسع من جانب الشعب التركي

وبالتالي ينظر الشعب التركي بتشكك إزاء غزو موسكو غير المبرر لأراضي أوكرانيا. وأشار شيهان إلى أن العلاقات مع الصين قد تشهد أيضا بعض التغيرات.

واستضافت اكشينار مؤخرا زيارة قام بها عمر كانات، رئيس المؤتمر العالمي للإيغور، لمناقشة الكيفية التي يمكن أن تساعد بها تركيا في حماية هذا المجتمع المعرض لخطر الاضطهاد. وبالمثل أعرب زعماء معارضة آخرون عن اهتمام بحماية شعب الإيغور.

وإضافة إلى هذه المجالات للتعاون تقوم تركيا بدور رئيسي في توفير الاستقرار لأمن الطاقة الإقليمي وأمن الغذاء لأن البلاد تقع عند نقط العبور الأكثر أهمية بين اقتصادات الحبوب في البحر الأسود وتعتبر ممرا رئيسيا لموارد الطاقة إلى حوض آسيا الوسطى.

وتعد جائحة كورونا وحرب روسيا في أوكرانيا دليلا على أنه حتى أقل قدر من الاضطراب في هذه الأسواق يرسل موجات من الصدمات عبر الاقتصاد العالمي، حيث يمكن أن تسفر التغيرات في أسعار الوقود والغذاء عن استياء واسع النطاق ويمكن حتى أن تطيح بحكومات.

◙ الحكومة الحالية أهدرت العديد من الفرص لتطوير دور أكثر بروزا لتركيا في المنطقة لأنها تركز على المظهر وليس على الجوهر

وتركيا قريبة جدا إلى أكثر من نصف احتياطات العالم من النفط والغاز كما أنها في موقع جيد لأن تصبح ممرا رئيسيا لأمن الطاقة ويمكن أن تقوم بدور مهم في تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط.

وذكر شيهان أن الحكومة الحالية أهدرت العديد من الفرص لتطوير دور أكثر بروزا لتركيا في المنطقة لأنها تركز على المظهر وليس على الجوهر، وعلى الشعارات الشعبوية وليس على السياسات المدروسة بشكل جيد وعلى أساليب الخداع وليس على الحنكة الحقيقية في إدارة البلاد.

وإذا كانت تركيا ترغب بالفعل في أن تصل إلى مرحلة صفر مشاكل مع الدول المجاورة، فإنها تحتاج عندئذ إلى حكومة سوف تتعامل مع الدول المجاورة بحسن نية ولا تسعى لاستغلال الظروف لتحقيق مكاسب سياسية محلية وتكون ضد مصالح شعبها.

وفي البرنامج الانتخابي أقرت اكشينار والحزب الجيد بأهمية استعادة ما اعتاد أن يكون مجموعة ذات فاعلية كبيرة من العلاقات متعددة الجوانب مع حلفاء تركيا.

ولا يعني هذا أن كل الخلافات والاختلافات ستزول بين عشية وضحاها، ولكن هذا يعني أن فرص التعاون ستتسع بشكل كبير مما يسهم في استقرار ورفاهية تركيا والمنطقة وغيرهما.

ولهذه الأسباب مجتمعة تحتاج هذه الانتخابات بصفة خاصة إلى مراقبتها عن كثب. وربما تكون الفرصة الأخيرة أمام الناخبين الأتراك للسعي وراء تحقيق تمثيل حقيقي في قيادتهم.

6