التصعيد في غزة يضع بايدن أمام حتمية إعادة ترتيب أولويات سياسته

التصعيد الأخير بين الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس وإسرائيل سيرغم الرئيس الأميركي جو بايدن على تجديد الانخراط في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ما يعني إعادة ترتيب أولويات سياسة الإدارة الأميركية الجديدة بقيادته.
واشنطن - مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة يُتوقع أن يتجه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إعادة ترتيب أولويات سياسته، التي انصبت منذ توليه منصبه في يناير على مكافحة جائحة فايروس كورونا والتراجع الاقتصادي في الداخل وتحديات كبرى في الخارج كالصين وروسيا وإيران.
لكن وبعد الصراع الذي اندلع في قطاع غزة وتطلّب دبلوماسية أميركية مكثفة من وراء الكواليس، بات لزاما على معاوني بايدن إعادة ترتيب أولوياتهم مع السعي لتثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية ووضع خطة لإعادة إعمار غزة والحيلولة دون تكرار المواجهة التي صارت أولى أزمات السياسة الخارجية في طريق بايدن.
وقال مسؤول أميركي إن التركيز ينصب على “ما سيحدث لاحقا مع التطلع قدما إلى تجاوز العنف.. بحيث نفعل كل ما بوسعنا للحدّ من احتمالات تكرار مثل هذا الوضع خلال خمسة أعوام أو عامين”.
مغادرة مربع النأي بالنفس
عجل التصعيد في قطاع غزة بهبوب تغييرات على أسلوب الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن وهو أسلوب يتعمّد النأي بالنفس عن النزاعات في الشرق الأوسط.
وبدا الرئيس بايدن منذ تسلمه مقاليد الحكم، يعزف عن الخوض في الصراع القائم منذ عقود بين إسرائيل والفلسطينيين والذي أربك مساعي رؤساء سابقين لصنع السلام.
ولم يبد بايدن حتى الآن اهتماما بالانغماس في مسعى جديد لإحياء جهود السلام المتوقفة منذ فترة طويلة في وقت يرى معظم المحللين فيه أنه لا توجد آفاق كبيرة لإجراء مفاوضات ناجحة إن كانت هناك آفاق أصلا.
لكن هناك إشارات متزايدة على تجدد الانخراط الأميركي الآن في ظل ما يبدو من توقف القصف الصاروخي من غزة والضربات الجوية من إسرائيل.
ويأتي هذا بعدما واجه بايدن ضغوطا شديدة ليلعب دورا أكثر وضوحا ويتخذ نهجا أكثر صرامة تجاه إسرائيل، وهي ضغوط جاءت من الديمقراطيين التقدميين الذين كان دعمهم له حاسما في الفوز بانتخابات عام 2020.
وبعد اتصالات دبلوماسية على مدار الساعة على حد وصف مسؤولين أميركيين مما ساعد في إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار الخميس، سيوفد بايدن وزير خارجيته أنتوني بلينكن للقاء زعماء إسرائيليين وفلسطينيين وإقليميين هذا الأسبوع في أولى زيارات بلينكن للشرق الأوسط.
مساعدات إنسانية

يتصدر قائمة المهام الأميركية جمع مساعدات إنسانية لغزة وأخرى لإعادة إعمار القطاع، فبعد ضربات جوية إسرائيلية على مدى أيام، قال مسؤولون في غزة إن 16800 منزل تضررت ولا تتوفر الكهرباء إلا لثلاث أو أربع ساعات يوميا فقط. وقدّر المسؤولون الفلسطينيون تكلفة إعادة الإعمار بعشرات الملايين من الدولارات.
وقال بايدن الخميس إن الولايات المتحدة ستعمل من خلال الأمم المتحدة ومع أطراف دولية أخرى، وسيجري التنسيق لمثل هذه المساعدات مع السلطة الفلسطينية التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
وقال مسؤولون أميركيون إن الإدارة تجهز حزمة مساعدات ومن المتوقع إعلان قرارات قريبا.
وسيُضاف هذا إلى مساعدات للفلسطينيين بقيمة 235 مليون دولار أعلنت عنها واشنطن في أبريل واستئناف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وإعادة مساعدات أخرى أوقفها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وقال مصدر قريب من الأمر إن هناك خطوة أخرى قيد البحث تهدف لإصلاح العلاقات مع الفلسطينيين التي تكاد تكون انهارت خلال فترة ترامب، وتتمثل في إعادة فتح القنصلية الأميركية بالقدس الشرقية والتي كانت تخدم الفلسطينيين وأغلقها ترامب.
اتفاقات أبراهام
إلى جانب المساعدات ستعمل الإدارة الأميركية الحالية بقيادة بايدن على استغلال اتفاقات أبراهام لإعادة الفلسطينيين وإسرائيل إلى التفاوض.
وذكر مسؤولون أميركيون أن إدارة بايدن تتطلع لاستخدام اتفاقات أبراهام، وهي اتفاقات موقعة في عهد ترامب لتطبيع علاقات إسرائيل مع البحرين والإمارات ومع المغرب والسودان، في تسهيل الاتصالات بين إسرائيل والفلسطينيين.
وقال المسؤول الأميركي “ما تعلمناه من اتفاقات أبراهام هو أن تجاهل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يقلص فحسب آفاق المفاوضات بل يمكن بالفعل أن يضيف شرارة أخرى”.
وأي مسعى لربط تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية بما تفجر من عنف في الآونة الأخيرة سيلقى رفضا على الأرجح من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتحدث بايدن معه ست مرات خلال مفاوضات وقف إطلاق النار. وبالرغم من موافقة الزعيم اليميني الذي كان مقربا من ترامب على وقف الضربات الجوية، لا يزال على خلاف مع بايدن حول الاتفاق النووي مع إيران وقضايا أخرى.
وواجه نتنياهو ضغوطا وانتقادات داخلية لاذعة بسبب وقف إطلاق النار.
إدارة بايدن تتطلع لاستخدام اتفاقات أبراهام في تسهيل الاتصالات بين إسرائيل والفلسطينيين
وهاجم ساسة من المعسكر اليميني في إسرائيل وقف إطلاق النار، وهدد البعض بسحب دعمهم لنتنياهو. ووصف إيتمار بن جفير زعيم حزب “القوة اليهودية” المتطرف، الذي كان نتنياهو يحاول استمالته في مشاورات تشكيل الحكومة، وقف إطلاق النار بأنه مخز واستسلام للإرهاب. بينما اعتبر جدعون سار حليف نتنياهو السابق الذي يقود الآن حزب “أمل جديد” الصغير، وقف إطلاق النار أمرا محرجا.
وعبّر ديمقراطيون تقدميون عن سعادتهم بوقف إطلاق النار لكنهم دعوا إدارة بايدن إلى العمل من أجل حل أطول مدى.
وكتب رو كانا عضو مجلس النواب الأميركي على تويتر يقول “يمكننا البناء على هذا التقدم من خلال معالجة جذور العنف والعمل باتجاه حل الدولتين وإنهاء الحصار والاحتلال، مع الضغط من أجل سلام دائم للإسرائيليين والفلسطينيين”.
وتتزايد الضغوط على إدارة بايدن من الخارج أيضا.
ففي الأمم المتحدة، قال دبلوماسي عربي كبير مشترطا عدم ذكر اسمه “التواصل الفوري مع قوة بثقل” الإدارة الأميركية مطلوب الآن في إطار “المعايير الصحيحة” لاستئناف جهود أوسع نطاقا لتحقيق السلام.
بل إنه دار حديث عن إحياء رباعي الوساطة في الشرق الأوسط، الذي تشكل قبل وقت طويل ويضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ولم يُستخدم كثيرا خلال سنوات ترامب، في محاولة لإقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بالعودة إلى طاولة التفاوض.
لكن المحللين لا تحدوهم آمال تُذكر في أي مبادرة دبلوماسية كبيرة قريبا.
شبح عودة الحرب

على الرغم من عدم تسجيل أي خروقات لاتفاق وقف إطلاق النار في يومه الأول والثاني، إلا أن التحذيرات تتصاعد من أن حالة الهدوء لن تستمر طويلا في ضوء استمرار الأسباب التي اندلعت بسببها مواجهات 11 يوما.
وأفاد تقرير لصحيفة الإيكونوميست البريطانية بأن تجدد المواجهة بين إسرائيل وحماس “مسألة وقت لأن الهدنة لم تحل أي إشكاليات عالقة بشكل حقيقي”.
وأضافت الصحيفة أن “شرارة التوسع في المواجهة الأخيرة جاءت في القدس. ولو لم تكن القدس لكان هناك سبب آخر. فكلاهما (إسرائيل وحماس) عالقتان في أزمة دائمة، محاصرتان بمنطق الحرب، الذي يفرض عليهما الاستمرار في نفس الحركات”.
وخلصت إلى أن “هذه الجولة انتهت… لكن لا يوجد ما يرجح لدورة العنف أن تنتهي. ستخرج إسرائيل وحماس من هذه المعركة بمثل ما دخلتا فيها. لم يتم حل أي شيء. ومع ذلك فمن المرجح أن يكررا ذلك مرة أخرى”.
وقُتل أكثر من 280 فلسطينيا في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وأصيب الآلاف على يد الجيش الإسرائيلي، بينما قُتل 12 إسرائيليا وأصيب المئات جراء الصواريخ التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية منذ بدء القتال في 10 مايو الجاري.