التصحّر يهدّد غابات سوريا الخضراء

كلما تحل الحرب بمكان ما إلا وتأتي على الأخضر واليابس فيه، فالحرب السورية التي طالت سنوات لم تهجّر الناس فقط بل أتت على الغابات بالحرق والقطع وإتلاف الأشجار المثمرة، وهذا الحال يهدد المناطق السورية التي كانت خضراء بالتصحّر، وهو عبء يتطلب جهدا ووقتا لتلافيه.
دمشق – تعرضت الثروة النباتية في سوريا خلال سنوات الحرب لخسائر جسيمة طالت الملايين من الأشجار الحراجية والمثمرة، ولعل أسوأ ما تعرضت له هو الحرائق التي اندلعت نهاية العام الماضي، وكانت الأسوأ في تاريخ سوريا، حيث احترقت أكثر من مليوني شجرة.
واختلفت الأضرار التي تعرضت لها الثروة النباتية في سوريا من الحرائق إلى القطع الجائر، إلى النزوح وغياب مصادر المياه، إلى هجرة أصحاب تلك الأشجار بسبب الحرب.
وتغيب الأرقام الحقيقية لعدد الحرائق التي اندلعت منذ 2010 وإلى غاية 2020، وقدر مصدر في وزارة الزراعة السورية عددها “بأكثر من 5000 حريق طالت المحاصيل الزراعية، وخاصة القمح والشعير والأشجار المثمرة والحراجية والمناطق الرعوية”.
وقال المصدر “منذ عام 2010 وإلى غاية نهاية العام الماضي، اندلع في سوريا أكثر من 4500 حريق بينها 2480 العام الماضي، وشهدت محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة حرائق توزعت ما بين 2115 حريقا في الأراضي الزراعية، و365 حريقا في المناطق الحراجية، وعدد الأشجار التي احترقت تجاوز مليونين و100 ألف شجرة”.
كما أن الحرائق التي اندلعت في شهر أكتوبر الماضي طالت المناطق الساحلية، ووصفها وزير الزراعة السورية حسان قطنا بـ”الأسوأ والأكبر في تاريخ سوريا”.
وأكد المصدر ذاته أن “الحرائق التي طالت غابات عمرها المئات من السنين تمثل رئة البلاد، وتضم أنواعا نباتية نادرة، ولاسيما الأشجار في محميتي الشوحة والأرز”.
وأعرب المصدر عن أمله بأن “تتجدد تلك الغابات وتنبت الأشجار التي احترقت من جذورها، وبذلك تتكون عملية إعادة تلك الأشجار أسرع من الشجيرات الصغيرة التي تزرع “.
ويعاني قطاع الأشجار الذي تعرض لهذه الخسائر الجسيمة من قلة عمليات الغراسة، بسبب تعرض أغلب المشاتل ومراكز إنتاج للخراب.
وأكد المهندس أحمد حيدر من وزارة الزراعة السورية أنه “في عام 2010 كان عدد الأشجار المعدّة للغرس، التي تنتجها المشاتل التابعة لوزارة الزراعة في جميع المحافظات، أكثر من 8 ملايين غرسة من مختلف الأنواع المثمرة والحراجية، ولكن بسبب الحرب وخروج بعض المحافظات والمناطق عن السيطرة، تقلص الإنتاج، وانخفض العدد في عام 2015 إلى حوالي 1700 مليون غرسة.. وخلال عام 2020 استطعنا إنتاج حوالي 4 ملايين غرسة”.
وأضاف المهندس حيدر، “قبل اندلاع الحرب كان لدينا 75 مشتلا لإنتاج الشتلات ومراكز أمهات الأشجار المثمرة، وبحسب طبيعة كل منطقة لدينا حاليا 25 مركزا خارج سيطرة الدولة، حيث تعرضت للتخريب والسرقة والدمار”.
وأوضح مدير الإنتاج النباتي “كانت الخطة تقضي بتشجير مناطق جديدة تعرضت للتخريب، ولكن اندلاع الحرائق في المنطقة الساحلية أثر بشكل كبير على خطة العمل، ويأمل المزارعون حتى نهاية شهر فبراير، أن تعود أشجارهم التي تعرضت للحريق لتنمو من جديد حتى لا يتم قلعها”.
هذه الحرائق دفعت زراعة اللاذقية هذا العام إلى وضع خطة تشجير، حيث قال مدير زراعة اللاذقية منذر خير بيك “لدينا خطة لزراعة مليون غرسة، بينها أشجار زيتون وحمضيات ولوزيات خلال الموسم الحالي”.
ويرى الخبير الزراعي محمد يوسف “أن الحرائق تسببت بوجود خلل بيئي”.
وأضاف “الغابات التي طالتها الحرائق سوف تجدد نفسها من 3 إلى 5 سنوات لأن جذورها قوية وستعود كما كانت، وشهدت محافظتا طرطوس واللاذقية حملة تشجير كبيرة، ما يبشر بإنتاج وطفرة زراعية خلال السنوات الثلاث القادمة، يحققان الاكتفاء الذاتي والتصدير”.
ويتابع يوسف “هناك غابات تضم الآلاف من الأشجار قطعت خلال سنوات الحرب بقصد التجارة، حيث تحمل سيارات تنقل يوميا المئات من الأطنان وتتجه إلى المحافظات الأخرى دون حسيب ولا رقيب”.
وفي محافظة حماة يقول حسن أحمد أحد سكان قرى ريف حماة، “تسببت العمليات العسكرية بحرائق كبيرة، وخاصة أن الكثير من مزارعي الأشجار تركوا حقولهم لسنوات دون العناية بها، كما أن وجود الأعشاب بكثرة ساعد في احتراق الأشجار خلال القصف”.
ويضيف “أملك مزرعة قرب مدينة مورك تعرضت فيها المئات من الأشجار للحرائق بسبب القصف، وقام أشخاص بقطع الأشجار للتدفئة خلال فترة نزوحي من القرية، وهذه حال الكثير من المزارعين”.
وفي شمال شرق سوريا، كانت الأضرار أكبر على الأشجار وخسارة أنواع تمتاز بها تلك المناطق.
الآلاف من الأشجار حرقت وأخرى قطعت خلال سنوات الحرب بقصد التجارة في مختلف المحافظات بلا حسيب أو رقيب
وقالت المهندسة شمسة الجاسم من محافظة الرقة، “مناطق كثيرة في الرقة تعرضت لكارثة بيئية حقيقية، من خلال القطع الجائر للأشجار وخاصة المعمرة منها، ما يهدد بانقراض تلك الأصناف التي تلائم المنطقة”.
ويؤكد مدير زراعة الرقة علي الفياض أن “خسائر قطاع الأشجار في الرقة كبير بعد تدمير وسرقة المشاتل وتخريبها والتعدي على أراضيها.. كانت لدينا مشاتل خاصة لإكثار النخيل والكروم، إضافة إلى مشتل إنتاج النباتات الرعوية، التي تزرع للحفاظ على الغطاء النباتي ووقف التصحر وزحف التربة”.
وفي محافظة السويداء جنوب سوريا تعرضت أشجار معمرة وأبرزها السنديان لحرائق جراء الإهمال والتعدي، ويقول مدير منظمة جذور سورية خالد سلوم “منذ عام 2015 قطعت وحرقت أكثر من 10 آلاف شجرة بقصد الاستخدام اليومي لسكان المناطق القريبة من الأشجار الحراجية، أو بقصد التجارة مع ارتفاع أسعار الوقود”.
ويضف سلوم “عدة منظمات عملت على زراعة الأشجار خاصة الجبلية حيث زرع ما بين 2016 – 2020 أكثر من 20 ألف شجرة”.
أما في ريف حلب، فيتهم شيار أحمد وهو من سكان عفرين ونزح إلى مدينة حلب، فصائل المعارضة التي تعمل على “قطع أشجار الزيتون وبيع حطبها بعد أن سرقت ثمارها”.
وأمام هذا الواقع، أطلقت وزارة الزراعة الحملة الوطنية للتشجير تحت عنوان “أرضنا.. ذهب” تستمر حتى نهاية شهر مارس القادم، بهدف توسيع الرقعة الخضراء وإعادة زراعة الغابات المتدهورة والمحروقة، والمحافظة على ديمومة واستمرارية إنتاجية الغابات، والتركيز على العوائد الاقتصادية والبيئية للغابة.