التصحر يساهم في تأجيج أزمات منطقة الساحل

نيامي - يرجح محللون أن الظروف البيئية في منطقة الساحل ستتدهور أكثر بسبب التصحر والنمو السكاني السريع وعدم الاستقرار السياسي، ما سيزيد من تقييد وصول المنطقة إلى المياه والموارد ويفاقم الصراع بين الطوائف وهي ظروف سيواصل الجهاديون استغلالها.
واعتادت منطقة الساحل على مواجهة الطقس الجاف لمدة ثمانية أشهر سنويا. لكن آثار تغير المناخ رفعت الآن درجات الحرارة العالية في المنطقة بنسبة 1.5 في المئة أسرع من متوسط الارتفاع العالمي. وبينما تمتد المنطقة عبر عدة بلدان من المحيط الأطلسي في غرب أفريقيا إلى البحر الأحمر في شرقها، إلا أن التصحر في منطقة الساحل ساهم في اندلاع أزمات أمنية حادة، وخاصة في تشاد وبوركينا فاسو ومالي والنيجر.
وجاء في تقرير لموقع ستراتفور أن تداخل التدهور البيئي مع المصاعب الاقتصادية والتوترات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي في هذه البلدان جعل من التصحر محركا للصراع.
وتسبب هذا في عواقب شملت انعدام الأمن الغذائي وفقدان التنوع البيولوجي وتشريد السكان حيث تتنافس المجتمعات على الموارد المحدودة. وفي نفس الوقت، يُخصص قدر غير متناسب من موارد الحكومات المحدودة للصراعات العسكرية ضد الجهاديين والجماعات المسلحة الأخرى، خاصة في بلدان الساحل الوسطى مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر.
وعطّل هذا لسنوات مشاريع التنمية وغيرها من المبادرات التي يمكن أن تخفف من حدة النزاعات الناجمة عن التصحر. وتمكنت الجهات الفاعلة غير الحكومية بذلك من استغلال هذه الصراعات لتحقيق مكاسب على الأرض.
واتسم هطول الأمطار السنوية في منطقة الساحل بتباين كبير، حيث شهدت بعض السنوات هطول أمطار أقل من المتوسط بشكل ملحوظ. ويمكن أن يتراوح هطول الأمطار السنوي في الأجزاء الشمالية من منطقة الساحل بين 200 و400 ملمتر خلال السنوات الجافة.
وبرز هذا التباين أكثر خلال العقود الأخيرة، حيث كان متوسط هطول الأمطار السنوي في نيامي بالنيجر من 2000 إلى 2020 حوالي 550 ملمتر، مقارنة بـ700 ملمتر بين 1960 و1980. وبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي في باماكو بمالي بين سنتي 2000 و2020 حوالي 900 ملمتر، مقارنة بـ 1100 ملمتر بين 1960 و1980.
وشهد نهر كومادوغو، الذي يتدفق عبر جنوب شرق النيجر ويشكل جزءا من منطقة حوض بحيرة تشاد الأوسع نطاقا، انخفاضا كبيرا في تدفق المياه. وانخفضت التدفقات حسب التقديرات بين 35 في المئة و50 في المئة خلال العقود الأخيرة.
وانخفضت مستويات المياه الجوفية بما يتراوح بين متر واحد ومترين سنويا في أجزاء من مالي، بسبب زيادة الضخ لهدف الزراعة في خضم تزايد عدد السكان إلى جانب انخفاض معدلات التغذية بسبب تراجع هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة. ومن المرجح أن تشتد المنافسة على الأراضي الصالحة للزراعة وتتضاءل الموارد المائية مع النمو السكاني السريع المتوقع واستمرار التدهور البيئي، مما يؤدي إلى تصاعد الصراعات على الموارد الشحيحة، مثل بحيرة تشاد.
وتقلصت بحيرة تشاد بنحو 90 في المئة منذ الستينات بعد أن كانت من أكبر بحيرات المياه العذبة في أفريقيا، بسبب عوامل شملت تغير المناخ، وزيادة استغلال المياه في الري، والنمو السكاني. وبينما ارتفعت مستويات مياه البحيرة إلى حد ما خلال السنوات الأخيرة بسبب جهود الترميم، لا تزال المنافسة على الوصول إلى المياه بين المجتمعات في الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا قائمة بسبب النمو السكاني السريع.
وفاقم النمو السكاني إلى جانب انكماش البحيرة التوترات والنزاعات على الأراضي وديناميكيات السلطة، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة بين المزارعين والرعاة، معظمها على أسس عرقية. وفي فبراير 2021، على سبيل المثال، قُتل 23 شخصا على الأقل في اشتباكات بين المجتمعات الزراعية ورعاة الفولاني في منطقتي مافا وجيري اللتين تتمتعان بالحكم الذاتي الواقعتين في الجزء الشمالي الشرقي من ولاية بورنو النيجيرية، بالقرب من بحيرة تشاد.
وأدى انخفاض منسوب مياه البحيرة إلى تراجع في أراضي الرعي المخصصة لماشية الفولاني، مما تسبب في مرورهم بالأراضي الزراعية للوصول إلى المياه والمراعي مما أشعل القتال. وفي نفس الوقت، خلّف الجفاف المستمر منذ 2015 في منطقة موبتي بوسط مالي خسائر كبيرة في الأراضي الزراعية، مما أجج التوترات بين رعاة الفولاني ومزارعي الدوغون.
◙ حكومات الساحل ستخسر تمويلا كبيرا لتطوير أنظمة إدارة المياه والممارسات الزراعية المستدامة
ودفعت سنوات من الاشتباكات كلا الطرفين إلى تشكيل جماعات أهلية مسلحة للدفاع عن النفس. وفي نفس الوقت، يقدر عدد سكان مجموعة دول الساحل الخمس (بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر) بـ92 مليون نسمة اعتبارا من 2023. ويمكن أن يرتفع هذا العدد إلى ما يقارب 152 مليون نسمة بحلول 2040. وسيفاقم الطلب المتزايد بشكل كبير على الموارد المستنزفة بالفعل الصراع. وتسببت العوامل المرتبطة بالعنف والمناخ في زيادة عدد النازحين داخليا من أكثر من 200 ألف في 2013 إلى 2.1 مليون بحلول 2021.
ومن المرجح أن تستمر هذه الزيادة في عدد النازحين داخليا، مما يجهد الموارد مثل الإسكان والمياه في المجتمعات المضيفة، ويرفع التوترات والمنافسات الاجتماعية، ويضاعف خطر وقوع اشتباكات عنيفة. وحددت لجنة الإنقاذ الدولية أن 78 في المئة من القوى العاملة في منطقة الساحل الوسطى تعتمد على الزراعة والرعي. وخسرت النيجر منذ السبعينات من 100 ألف إلى 120 ألف هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة بسبب تآكل التربة والتصحر سنويا.
ويرجع بعض ذلك إلى الجفاف الممتد لفترات طويلة وأنماط الطقس غير المنتظمة المرتبطة بتغير المناخ. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان بلدان حوض بحيرة تشاد مجتمعة في غضون 25 عاما، من 246 مليون نسمة إلى 340 مليون نسمة بحلول 2050. وأبرز تقرير أصدره مركز رصد النزوح الداخلي خلال 2023 أن العنف وتغير المناخ أديا إلى نزوح أكثر من 300 ألف مالي، هاجر الكثير منهم من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية مثل باماكو وموبتي.
ومن المرجح أن تستغل الجماعات الجهادية مشاكل المياه في المنطقة من خلال السيطرة على مصادر المياه وتوزيعها، بما يعمق عدم الاستقرار وتآكل السلطة الحكومية المحدودة بالفعل في منطقة الساحل.
وقد استغلت الجماعات الجهادية لأكثر من عقد نقاط الضعف المرتبطة بالتصحر مثل زيادة الجفاف والهجرة، مما أضعف قابلية العيش فيها وقوض قدرة الدول على توفير الخدمات الأساسية. وسبّب حضور الدولة المحدود في منطقة الساحل (وحتى غيابها في بعض الحالات) انعدام القانون وصعود الجهات الفاعلة غير الحكومية.
وأصبح الشباب في مناطق مثل موبتي في مالي، والمنطقة الشرقية في بوركينا فاسو، وتيلابيري في النيجر المتأثرين بنقص المياه، عرضة للتجنيد حيث يقدم لهم الجهاديون الموارد والحماية مقابل ولائهم.
واستهدفت الجماعات الجهادية في الماضي مصادر المياه مثل المضخات للسيطرة على السكان المحليين والقيام مقام الحكومة. وتكرر هذا السيناريو في شمال بوركينا فاسو وشرقها. ويصبح السكان المحليون معتمدين على الجماعات الجهادية للحصول على المياه، مما يقلل من سيطرة الحكومة المركزية ونفوذها.
ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه على المدى المتوسط إلى الطويل مع تفاقم العنف الجهادي في منطقة الساحل. كما تشجعت الجماعات المحلية في منطقة الساحل بطرد القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر في 2022 و2023.
وتمكّن الجهاديون من التعبئة بأعداد كبيرة بسبب غياب موارد المراقبة والاستخبارات التي كان الفرنسيون يوفرونها سابقا، ونصبوا الكمائن للمواقع العسكرية، وتمكنوا من الاستيلاء على المزيد من الأسلحة والأراضي. وتخوّل لهم زيادة القدرات شن هجمات أكثر شمولا على المدنيين وقوات الأمن وتجنيد المزيد من الأفراد، وخاصة من المجتمعات المهمشة التي تأثرت سبل عيشها بندرة المياه.
وأخيرا، من المرجح أن يستمر الاقتتال الداخلي الطويل بين الجماعات الجهادية على التفوق في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، مما يوقع إصابات بين المدنيين، حيث من غير المرجح أن تتصالح هذه الجماعات (على المدى المتوسط على الأقل).
وعلى سبيل المثال، قُتل ما لا يقل عن 21 مدنيا، من بينهم نساء وأطفال، في 2023، عندما انفجرت عبوة ناسفة في مضخة مياه في تين أكوف ببوركينا فاسو. وكان مقاتلو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الذين يستهدفون مقاتلي الدولة الإسلامية في ولاية الساحل هم الذين زرعوا العبوة الناسفة.
وسيتواصل الاقتتال الداخلي المستمر بين تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية غرب أفريقيا وجماعة أهل السنة للدعوة والجهاد في المحليات القريبة من بحيرة تشاد، مما يزيد من خطر وقوع خسائر في صفوف المدنيين، ويعيق الوصول إلى المياه.
◙ الجماعات الجهادية تستغل مشاكل المياه في المنطقة من خلال السيطرة على مصادر المياه وتوزيعها بما يعمق عدم الاستقرار
ومن المرجح أن يعيق طرد مجالس الساحل للقوات الفرنسية والأميركية الدعم الدولي في معالجة التصحر في المستقبل بسبب المخاطر المرتبطة بالمشاعر المعادية للغرب. ودفعت الانقلابات الأخيرة في دول الساحل الوسطى فرنسا وبعض الدول الغربية الأخرى مثل ألمانيا إلى تعليق مساعدات التنمية ودعم الموازنة لهذه البلدان.
وكان هدف التعليق في البداية يكمن في الضغط على المجالس العسكرية للعودة إلى الحكم المدني. لكن العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وقادة المجلس العسكري تدهورت بشدة بعد ذلك، وتفاقمت بسبب نشر مالي للمرتزقة الروس في ديسمبر 2021. وتبع ذلك طرد القوات الفرنسية من مالي في 2022، ولاحقا من بوركينا فاسو والنيجر في 2023 وسط تصاعد المشاعر المعادية لفرنسا بسبب تفاقم التمرد الجهادي.
وكانت خسارة قدر كبير من التمويل (بما في ذلك للمشاريع البيئية) سببا في زيادة تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية، خاصة لأن هذه المشاريع كانت حاسمة لمعالجة القضايا البيئية مثل الإنتاجية الزراعية والحصول على المياه لمكافحة التصحر.
ويشير ذلك إلى أن المنطقة ستكافح لجذب مستويات مماثلة من الدعم الدولي، خاصة من الدول الغربية نظرا لطرد القوات الأميركية من النيجر في مايو 2024. ومن المرجح أن تؤدي المشاعر المتزايدة المعادية للغرب التي تستغلها المجالس العسكرية للحفاظ على شرعيتها إلى الحد من المساعدات الدولية بشكل أكبر، مما يهدد المشاريع الأساسية.
وستخسر حكومات الساحل التي من غير المرجح أن تعود إلى الحكم المدني على المدى المتوسط بالتالي تمويلا كبيرا لتطوير أنظمة إدارة المياه والممارسات الزراعية المستدامة، إضافة إلى السياسات والدعم المؤسسي اللازم لمكافحة التصحر. وسيواصل ذلك تقليص الموارد المحدودة، مما يزيد من تأجيج الصراع.
وضخّت ألمانيا، قبل تعليق المساعدات للنيجر في يوليو 2023، حوالي 120 مليون يورو (132.36 مليون دولار) اعتبارا من 2021 لتحويل أنظمة الأغذية والزراعة في البلاد وتحسين السياسات الصحية. كما خصص الاتحاد الأوروبي 503 ملايين يورو للحوكمة والتعليم والنمو المستدام في النيجر من 2021 إلى 2024. ولكنه كبح كل الدعم المالي والأمني للنيجر في نفس الشهر الذي توقفت فيه ألمانيا.
ومثّلت مشاريع المساعدات الإنمائية الفرنسية في بوركينا فاسو 482 مليون يورو في 2023، بينما بلغت مساعدات الميزانية المقررة لعام 2022 حوالي 13 مليون يورو. وعلّقت فرنسا في نوفمبر 2022 مشاريع المساعدة الإنمائية الرسمية في مالي التي كانت تهدف إلى دعم قطاعات الزراعة والصحة والحكومة والتعليم.
وأعلن المجلس العسكري المالي في سبتمبر 2023 تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في فبراير 2024 إلى أجل غير مسمى. ومددت بوركينا فاسو في مايو 2024 حكم المجلس العسكري لمدة خمس سنوات.