التسول بالأطفال ظاهرة تقلق الجزائريين

تساهل السلط المحلية يحد من جهود الحكومة في محاربتها.
السبت 2024/02/24
ظاهرة غريبة على الجزائريين

وضعت الجزائر منذ العام 2014 قوانين صارمة لمحاربة ظاهرة التسول بالأطفال، إلا أن الظاهرة ما انفكت تتفاقم ويرجع مختصون في القانون ذلك إلى تساهل السلط المحلية في تطبيق القانون ومعاقبة المخالفين، ما حدّ من جهود الحكومة في محاربة الظاهرة. وقد أدرجت الحكومة الجزائرية ظاهرة التسول بالأطفال في إطار “جماعة إجرامية منظمة”

الجزائر- طرحت الحكومة الجزائرية على البرلمان مشروع قانون جديد يتعلق بمحاربة ظاهرة التسول، ووضعت عقوبة تتراوح بين خمس وعشر سنوات سجن نافذ في حق من يستغل الأطفال والرضع في عملية التسول، التي أفردت لها عقوبات صارمة لكنها في انتشار مطرد خاصة مع انتشار متسولين نازحين من دول الجوار الجنوبي وسوريا.

وكشف وزير العدل حافظ الأختام الجزائري عبدالرشيد طبي، أن حكومة بلاده أدرجت ظاهرة التسول بالأطفال في إطار “جماعة إجرامية منظمة”، ولذلك طرحت على البرلمان مشروع قانون يتضمن عقوبة الحبس من 5 إلى 10 سنوات، في حق من يستعمل الأطفال في التسول.

وشهدت ظاهرة التسول عموما، والتسول بواسطة الأطفال خصوصا، تفاقما كبيرا في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع قدوم نازحين من دول الجوار وسوريا، يستعملون الأطفال لإثارة عواطف الناس، ولذلك تحولت الكثير من الأحياء والطرقات والساحات في مدن عديدة إلى فضاءات امتزجت فيها مظاهر التحول الاجتماعي مع امتهان التسول كحرفة مربحة.

رغم ترسانة القوانين التي خصصت لمحاربة ظاهرة التسول، إلا أن تفاقمها في الآونة الأخيرة أفقدها طابعها الردعي

وبات مظهر الأطفال المتسولين بمعية مرافقيهم، مزعجا ومقلقا للحياة العامة في بعض الأماكن، خاصة في ظل تساهل المصالح المختصة، لاسيما لما يتعلق الأمر بنازحين أجانب، تفاديا لانتقادات حقوقية طالت حملات شاملة تشن من حين إلى آخر ضد هؤلاء.

ورغم ترسانة القوانين والتشريعات التي خصصت لمحاربة ظاهرة التسول، إلا أن تفاقم الظاهرة في الآونة الأخيرة، أفقدها طابعها الردعي، فرغم العقوبات الثقيلة التي تتضمنها، تغذت الظاهرة من تعاطف الشارع ومن خطاب اجتماعي وديني، يدرج الفئة في خانة الواجب والمسؤولية الملقاة على كاهل المجتمع

وسبق للحكومة أن وضعت مخططا وطنيا لمحاربة التسول بالأطفال في إطار عمل قطاعي مشترك يهدف إلى ضمان حماية هذه الشريحة من المجتمع.

وأوضحت مسؤولة حكومية في ندوة وطنية حول حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي بالسوق الموازية، أنه تم ” تنصيب فوج عمل قطاعي مشترك على مستوى وزارة التضامن الوطني لإعداد مخطط وطني لمحاربة التسول بالأطفال بهدف ضمان حماية لهذه الشريحة وخلق جو سليم يوفر لها نموا متوازنا “.

وأضافت: “المخطط سيكون بمثابة لبنة جديدة في برنامج عمل اللجنة الوطنية لحماية ورفاهية الطفل في إطار الإستراتيجية الوطنية للحكومة الرامية إلى تكريس حماية وترقية الطفولة “.

وصرح رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل ” ندى عبدالرحمان عرعار”، ” أن ظاهرة التسول اتخذت منحا خطيرا، وأن الأطفال هم أول ضحاياها، وأن الشبكة بعثت بعدد من التقارير إلى الجهات المعنية، ولكن هناك سكوت واضح فيما يخص هذه الظاهرة “.

وأكد المتحدث، على أن “بعض الجزائريين اتصلوا بالشبكة للكشف عن حالات خطيرة تتعلق بالتسول عن طريق الأطفال، وأن عائلات اضطرت مؤخرا اضطرارا، للتسول بأطفالها، فهناك مطلقات وجدن أنفسهن في الشارع، وهناك من سجن زوجها وترك لها عددا من الأولاد، وهنا يرى أن مثل هذه الوضعيات تستغلها شبكات إجرامية”.

وحمل الناشط في مجال الطفولة، مسؤولية انتشار ظاهرة التسول بالأطفال لوزارة التضامن الوطني، وقال “عليها اليوم تفعيل الإستراتيجية التي شاركت فيها شبكة ندى، وإن هذه الإستراتيجية موجودة ولا ينتظر إلا تفعيلها، والتحرك في الميدان بطرق عملية تم التشاور حولها.

ودعا حقوقيون إلى تطبيق محتويات النصوص التشريعية، فيما يخص ظاهرة التسول واستغلال الأطفال في ذلك، وقال هؤلاء إن المواطن والمسؤول المحلي على حد سواء يشاركان في تشجيع التسول، وإن السكوت والصمت واللامبالاة خلق مناخا مناسبا لبعض الشبكات الإجرامية التي تستغل البراءة في التسول، حيث أن الكثير من يستعيرون أو يخطفون أطفالا وهم من اليتامى والمهملين من طرف عائلاتهم، في جمع المال عن طريق هذا التسول.

وأول مرة جرّم قانون العقوبات المعدّل في 2014 ظاهرة التسول بالأطفال، وعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى عامين كل من يرتكب جرم التسول بقاصر أو يعرضه للتسول، وتتضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الجرم من أصول الطفل أو شخص يمتلك سلطة عليه، بينما يعفي القانون أصحاب الوضعيات الاجتماعية الصعبة والمعقدة من العقوبة.

كما أن قانون الطفل الجديد الذي تمت المصادقة عليه عام 2015، أقر آليات لإبعاد الطفل من حياة التسول باقتراح حلول اجتماعية للظاهرة، من خلال خلق آلية المفوّض الذي يقوم على ضمان تمتع الأطفال بكامل حقوقهم.

الأجانب أول المتهمين بالوقوف وراء الظاهرة
الأجانب أول المتهمين بالوقوف وراء الظاهرة

ونقل تقرير محلي على لسان أستاذ القانون والمحامي إبراهيم بهلولي، قوله “قانون تجريم التسول بالأطفال بعيد جدا عن التجسيد والتحقيق على أرض الواقع، وإن غياب ثقافة التبليغ جعلت منه حبرا على ورق، حيث أن هناك أسبابا مباشرة ومقنعة يتحرك لأجلها وكيل الجمهورية، وفي التسول هناك سكوت من طرف الجماعات المحلية، حيث من المفروض، تحرك السلط المحلية كمؤسسات محلية بالدرجة الأولى على المنطقة التي ينتشر فيها التسول “.

وأوضح أن عمل الجماعات المحلية، تساعد في تحرك الأمن وتكون المتابعة الجزائية سليمة، خاصة أولئك الذين يستغلون الأطفال في التسول، واستغرب ما وصفه، بـ”تجاهل ظاهرة التسول بالأطفال، رغم أنها أصبحت أمرا يهم الجميع، وأنها منتشرة بشكل لا يمكن الاستمرار في السكوت عنه “.

ودعا المتحدث، إلى ضرورة “تحرك الناشطين الحقوقيين لمطالبة قضاء الأحداث داخل المحاكم بتسخير قوات الضبطية القضائية من الدرك والأمن الوطني للقبض على كل من يستغل طفلا في التسول، لاسيما وأن الظاهرة وصلت إلى مستويات مقلقة ومست جوانب الحياة اليومية العامة والأمنية والصحة العمومية “.

رغم إقرار القوانين السابقة، فإن المتجول في الشوارع الجزائرية وفي الساحات العمومية والمسافر عبر الطرق السريعة، يلاحظ قوافل من المتسولين، وخاصة النساء من جنسيات أفريقية عديدة إلى جانب سوريات وجزائريات يحملن أطفالا صغارا ورضعا في درجة حرارة تفوق الأربعين درجة أحيانا، في مشهد يثير الشفقة تارة على حال هؤلاء النسوة، والغضب والاستنكار تارة أخرى لاستغلال أطفال في عمر الزهور في التسول وتعريض حياتهم ومستقبلهم للخطر.

ظاهرة التسول بواسطة الأطفال تشهد تفاقما كبيرا في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع قدوم نازحين من دول الجوار وسوريا

هذا المشهد حرّك وأثار اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان (هيئة تابعة للرئاسة)، والتي وجهت في العام 2016 عبر رئيسها المحامي فاروق قسنطيني دعوة للحكومة من أجل اتخاذ إجراءات قانونية لوضع حد لظاهرة استغلال الأطفال والرضع في التسول عبر الساحات العمومية وأمام المساجد والطرق السريعة.

وكشف قسنطيني أن “أشخاصا من مختلف الجنسيات يمدون أيديهم في الطريق، حيث يستغل الأطفال من طرف الكبار في عملية التسول”، مؤكدا أن “هذه الظاهرة تمس بسمعة الجزائر وبالنظام العام”. ودعا السلطات العمومية إلى التدخل بسرعة وبجدية لمحاربة الظاهرة.

وكانت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة في الجزائر غنية الدالية، قد كشفت عام 2018 عن مشروع مخطط وطني لمحاربة التسول بالأطفال في إطار عمل قطاعي مشترك يهدف إلى ضمان حماية هذه الشريحة من المجتمع.

وقالت الوزيرة، لدى إشرافها على أشغال الندوة الوطنية حول حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي بالسوق الموازية ا في الجزائر العاصمة، إنه “تم تنصيب فوج عمل قطاعي مشترك على مستوى وزارة التضامن الوطني لإعداد مخطط وطني لمحاربة التسول بالأطفال بهدف ضمان حماية لهذه الشريحة وخلق جو سليم يوفر لها نموا متوازنا”.

وكشفت الدالية أن هذا المخطط سيكون بمثابة لبنة جديدة في برنامج عمل اللجنة الوطنية لحماية ورفاهية الطفل في إطار الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرامية إلى تكريس حماية وترقية الطفولة.

وذكرت لدى تطرّقها إلى مسألة عمالة الأطفال بالجزائر، بالمجهودات المبذولة من قبل السلطات العمومية من إجراءات تشريعية وتدابير في مجال محاربة عمالة الأطفال والوقاية منها إلى جانب تجنيد وسائل المراقبة والتفتيش في إطار نشاطات مصالح العمل لحصر كل مساس بحقوق الطفل أو استغلاله في العمالة.

16