التسلح بعقيدة ديغول سياسة ماكرون لتزعّم الاتحاد الأوروبي

باريس - يواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رغم موجة الاحتجاجات التي تحاصره داخليا عبر تحركات السترات الصفراء، محاولة ترسيخ جذور السياسة الخارجية التاريخية لبلاده والتي صاغ لبناتها الأولى الزعيم الفرنسي شارل ديغول.
هذا القطع مع ما دأبت عليه فرنسا في العشرية الأخيرة، أكدته صحيفة “أف.بي” الأميركية التي عادت إلى الخطوات التي انتهجها ماكرون لإحياء السياسة الخارجية الفرنسية التقليدية في علاقة بالاتحاد الأوروبي وخاصة بكل من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا.
ويشدد التقرير على أن ماكرون يبتعد عن سياسات بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، ويعود إلى جذور السياسة الخارجية لبلاده، مستدلا بالصورة الرئاسية الرسمية لماكرون التي تظهر الرئيس الفرنسي محاطا بعلم فرنسا والاتحاد الأوروبي.
في السنتين اللتين مرتا منذ التقاط الصورة، حاول ماكرون تصوير نفسه للفرنسيين، ولأوروبا وبقية العالم، مثل شارل ديغول من قبل.
منذ ما يقرب من نصف قرن، كان على شارل ديغول رئيس الجمهورية الخامسة أن يحدد سياساته في ما يتعلق بأوروبا. ولهذا السبب، لم يتردد ماكرون في توضيح موقفه من موقف فرنسا في العالم عبر الاستشهاد باسم ديغول أكثر من أي مرشح رئاسي آخر في سنة 2017.
واحتضن ماكرون، في مقابلة أجراها بين الجولتين من الانتخابات الرئاسية، ما أسماه “نهجا ديغوليا-ميترانيا” في الشؤون الخارجية.
ويصر ماكرون على الفرق بين المواقف الديغولية والأطلنطية، وعلى تفوق الأولى. وفي مقابلة مع العديد من الصحف الأوروبية بعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة، أعلن “سأضع حدا لسياسات المحافظين الجدد التي تم استيرادها إلى فرنسا على مدى السنوات العشر الماضية”.
ورغم توقف برنامج ماكرون الإصلاحي الداخلي مؤخرا بسبب السخط الشعبي وحركة السترات الصفراء، أصبح لديه حافز لتركيز دوافعه الديغولية، على السياسة الخارجية. وأصبح هذا أكثر وضوحا على الساحة الأوروبية.
في علاقاته مع ألمانيا، يواصل ماكرون البناء على الأساس الذي وضعه ديغول. وفي الشهر الماضي، التقى بالمستشارة أنجيلا ميركل في مدينة إيكس لاشابيل الحدودية للاحتفال بالذكرى السادسة والخمسين للمعاهدة التاريخية التي وقعها ديغول وكونراد أديناور.
وبينما تعكس روح المعاهدة رغبة في المزيد من التعاون، تعكس رسالتها تأكيدا ديغوليا على السيادة والاستقلال. وتجاهلت المعاهدة المطالب التي قدمها عدد من الزعماء السياسيين الألمان بأن تقوم فرنسا بنقل مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت نفسه، تحدثت حكومة ماكرون ضد مشروع خط أنابيب الغاز الألماني “نورد ستريم” مع روسيا، والذي لطالما كان موضع جدل بين دول أوروبا الشرقية، رغم أنه حظي في السابق بموافقة فرنسية ضمنية.على النهج الديغولي، شعر ماكرون بأن خط الأنابيب كان فرصة سهلة لزيادة نفوذ فرنسا على حساب ألمانيا.
وشكّل هذا المنعطف نفسه استجابة فرنسا لدراما بريكسيت. حيث زارت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، ماكرون على أمل الفوز بدعمه لخطة تشيكرز. لكن، ذابت آمالها بسرعة، عندما لم يحدد ماكرون موعدا لعقد مؤتمر صحافي في نهاية الزيارة. وبدلا من ذلك، قال في ما وصفته صحيفة “ذا صن” الموالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأنها “صرخة شريرة”، وأنّه يجب على البريطانيين أن يتصالحوا مع حقيقة أن كل من قال إنه يمكنهم الاستمرار بسهولة من دون أوروبا هو كاذب.
ويقوم ماكرون بإعادة تمثيل عداء ديغول لبريطانيا. وبطريقة مماثلة يخوض ماكرون حروبا كلامية مع الحكومة الإيطالية. بقيادة رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، ونتيجة لذلك، حذر من انتشار “القومية” بعد فترة قصيرة من تشكيل الحكومة الإيطالية.
لقد انحدرت العلاقات منذ ذلك الحين، مع حث دي مايو لمتظاهري السترات صفراء، وتشجيع سالفيني للفرنسيين ليغيروا “رئيسهم السيء”، ورفض ماكرون هذه الانتقادات ووصفها بـ”غير المهمة.” ثم عندما قام دي مايو، دون التشاور مع الحكومة الفرنسية، بزيارة خاطفة لفرنسا للالتقاء بمجموعة من السترات الصفراء لمناقشة المصالح المشتركة، استدعى ماكرون الغاضب سفيره إلى إيطاليا، وتحولت الحرب الكلامية إلى أزمة دبلوماسية كاملة.
لكل هذه الأسباب يؤكد التقرير أن ظلال الجنرال ديغول تلوح في هذه الأزمة. ففي سنة 1945، كان ديغول رئيسا لحكومة فرنسا المؤقتة، وكاد يضم منطقة وادي أوستا في شمال إيطاليا. وكانت أسبابه عقابية (لغزو إيطاليا لأراض فرنسية في 10 يونيو 1940 خلال الحرب العالمية الثانية) واستراتيجية.
لكن، كما يجادل المؤرخ بيير جيلين، كان ديغول معروفا بالتقاليد الفرنسية التي ترى إيطاليا كقوة من الدرجة الثانية. على الرغم من صدق تصريحاته حول تضامن الشعوب اللاتينية، فقد اعتبر إيطاليا عنصرا في مجموعة وجب على فرنسا لعب دور قيادي فيها. ومع تغيّر القضايا على الساحة الأوروبية، يعتقد ماكرون مثل ديغول أن فرنسا يجب أن تلعب دورا قياديا في صد قوى الشعبوية والليبرالية.