التسريبات تضع السوداني أمام خيار كشف المستور في قضية تهريب العملة

بغداد – يجد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني نفسه في وضع حرج بعد التسريبات الصوتية التي بثها الصحافي العراقي علي فاضل، والتي كشفت أن تهريب الدولار لا يتعلق بفترة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وأنها سابقة لذلك، وهو ما يضغط على السوداني من أجل كشف الحقيقة كاملة في قضية تهريب العملة.
وشنّ السوداني الثلاثاء هجوما على سياسات حكومة الكاظمي ومحافظ البنك المركزي المقال مصطفى غالب مخيف، وحملهما مسؤولية ارتفاع سعر الدولار، معتبرا أنهما لم يؤهلا البنوك والتجار لاستخدام نظام “سويفت”، لذلك تم رصد تحويلات احتيالية للدولار إلى الخارج.
لكن تسريبات علي فاضل تظهر أن التحويلات الاحتيالية التي تحدث عنها السوداني قديمة وسابقة لتولي الكاظمي الذي يراد أن يتم تحميله المسؤولية وترك الجهات المستفيدة من التلاعب بالعملة والشبكات الالتفافية التي تقف وراءها الميليشيات والأحزاب الحليفة لإيران.
ونقل علي فاضل تسريبات لاجتماع شارك فيه أحمد الجلبي، السياسي العراقي المثير للجدل، قبل وفاته بفترة قصيرة مع علي العلاق محافظ البنك المركزي بين 2014 و2020، والذي أعاد السوداني تكليفه بالمهمة نفسها، وهو مقرب من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكذلك اللواء حسين علي الشمري مدير عام مكافحة الجريمة المنظمة في وزارة الداخلية.
وفي الجزء الأول من التسريبات تحدث الجلبي عن تفاصيل تهريب مبالغ كبيرة من الدولارات إلى خارج العراق. ومجمل ما تحدث عنه من تحويلات صادرة عن بنوك عراقية في أربيل أو بغداد بلغ 12 مليار دولار لفائدة شركات عراقية. وقال إن هذا حصل بين 2012 و2015.
شركات وهمية تحول العملة من بنك إلى بنك دون أن تورّد أي منتجات تبرر تحويل الأموال تحت أنظار القضاء والبرلمان
وفي الجزء الثاني من التسريبات، الذي يثبت تورط الميليشيات وبعض القضاة مع مهربي الدولار إلى الخارج، تحدث الشمري عن الطرق الالتفافية لتهريب الدولار إلى خارج العراق، مشيرا إلى أمثلة من الشركات الوهمية التي تحول العملة من بنك إلى بنك دون أن تورد أي بضائع أو منتجات تبرر تحويل الأموال، وأن البعض تكشف التحقيقات أن رأس ماله المعلن مليون في حين أنه يتعامل بالمليارات.
وقال الشمري، الذي يشرف على التحقيق في ملف تهريب العملة، “طالما أننا لا نعرف مصادر الأموال التي يتم تحويلها فلن نقدر على الوصول إلى أي نتيجة”، مشيرا إلى أنه لا البرلمان ولا القضاء قادران على فعل شيء في مواجهة تهريب العملة، ومتحدثا عن اختراق القضاء لفائدة شبكات تهريب العملة.
وسابقا أتاحت تسريبات صوتية للمالكي، نشرها علي فاضل، الفرصة أمام العراقيين كي يتعرفوا عن كثب على طبيعة الطبقة السياسية التي تحكمهم، وعلى حجم العداء بين أطراف العملية السياسية، وخاصة العداء الذي يكنه المالكي لمقتدى الصدر زعيم التيار الصدري وتحضير خطط مسلحة للقضاء على هذا التيار.
وحازت تلك التسريبات على تفاعل كبير داخل العراق، وهو ما يعطي التسريبات الجديدة مصداقية أكبر ويجعلها تسلط ضغوطا على السوداني للتعامل بجدية مع ملف تهريب العملة.
ويرى مراقبون عراقيون أن التسريبات الجديدة تثبت أن الأمر لا يرتبط بشخص رئيس الوزراء السابق، ولا المحافظ الذي تمت تنحيته لأنه لا يروق للإطار التنسيقي وإعادة محافظ محسوب على المالكي، وأن على رئيس الوزراء الحالي أن يكشف الحقائق للناس، ويقدم تقارير تفصيلية عن الجهات التي تولت التهريب ولفائدة مَن.
ويعتقد المراقبون أن الجهات التي طالبت بتنحية مصطفى غالب مخيف واستجاب لها السوداني كانت تسعى إلى منع أي تحقيق جدي لكشف اللعبة خاصة مع الضغوط الأميركية الهادفة إلى مراقبة التحويلات عبر سويفت وتفكيك الشبكات التي تلاعبت بالعملة وتسببت في تراجع قيمة الدولار العراقي، وهو ما يعني أن الحقائق سيتم كشفها وخاصة من يقف وراء تلك الشبكات الالتفافية، وأن الأولى أن يتولى السوداني ذلك بنفسه بدلا من أن تصدر عن تحقيقات الأميركيين.

وكشف السوداني في مقابلة تلفزيونية الثلاثاء أنّ تهريب العملة إلى الخارج كان يتمّ عبر تحويلات تتمّ على أساس فواتير مزوّرة لواردات يقع تضخيم أسعارها. وقال إنّ التهريب كان يتمّ عبر “فواتير مزوّرة، وكانت الأموال تخرج ويتمّ تهريبها، وهذا واقع، وإلا فما الذي كنّا نستورده مقابل 300 مليون دولار يومياً؟”.
وتساءل رئيس الوزراء العراقي “ماذا يعني أنّنا كنّا نستورد بضائع بقيمة 300 مليون دولار في اليوم الواحد؟ حتماً هذه الأموال كانت تخرج من العراق وهذه كانت مشكلة مزمنة منذ سنوات”. وأضاف “نسمع أنّ هناك تهريباً لأموال تُنقل إلى إقليم كردستان، ومن الإقليم تذهب إلى دول الجوار”، دون أن يحدّد ما إذا كان يقصد تركيا أو إيران أو سوريا الغارقة في الحرب.
وأكّد أنّ وزير الخارجية فؤاد حسين والمحافظ الجديد للبنك المركزي سيكونان ضمن الوفد الذي سيتوجه إلى واشنطن في 7 فبراير الجاري لمناقشة آلية سعر الصرف وتقلّباته.
اقرأ أيضا: