التزام الهند بالتحول إلى دولة ذات أغلبية هندوسية يزعزع استقرار المنطقة

موطن ربع البشرية يزداد سخطًا وينذر بتفاقم العنف الديني والعرقي.
الثلاثاء 2021/11/16
العنف يهدد أمن الهند ودول الجوار

تتفاقم مظاهر اضطهاد المسلمين في الهند وظلمهم، خاصة على الصعيد الاجتماعي والقانوني، حيث تعمد الحكومة القومية الهندوسية برئاسة ناريندرا مودي منذ سنوات إلى سن تشريعات معادية ومستفزة للأقلية المسلمة يقول محللون إنها ستخلّف تداعيات سيئة ليس على الشأن المحلي فقط وإنما أيضا على دول الجوار والمنطقة بأكملها.

نيودلهي - يفوق عدد المسلمين في الهند مئة وثمانين مليون نسمة، إلا أنهم يظلون في حكم الأقلية وسط مليار من الهنود. ويواجهون الآن سياسات الحكومة التي تعمل على تحويل الهند العلمانية إلى دولة أصولية هندوسية، فتحرمهم من الكثير من حقوقهم وتفرض عليهم -وحتى على اللاجئين من الدول المجاورة- اعتناق الديانة الهندوسية للحصول على المواطنة.

ويقول دنيانيش كامات، وهو محلل سياسي في شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، إن اندفاع الهند المتهور لتصبح دولة ذات أغلبية هندوسية من شأنه زعزعة استقرار جنوب آسيا.

ومع حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يتولى السلطة منذ عام 2014، اتبعت الحكومة في نيودلهي سلسلة من السياسات المحلية القومية الهندوسية المثيرة للانقسام، وتلك السياسات لا تتعارض مع دستور الهند العلماني فحسب بل أيضا تتنافى بشكل واضح مع موقف السياسة الخارجية للدولة الذي تبنته منذ فترة زمنية طويلة.

ويوضح كامات أن ذلك يخلق الكثير من التوترات مع الجيران، والأسوأ من ذلك هو أن الهند -باعتبارها القوة العظمى في جنوب آسيا- لها تأثير هائل في سياسات جيرانها. وتخلق سيطرة الأغلبية في الهند مشاكل سياسية حتى لتلك الحكومات التي تتمتع بعلاقات ودية مع نيودلهي.

مواطنة مشروطة

دورة العنف والعنف المضاد ستؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة برمتها، لأن حدود دول جنوب آسيا غير قادرة على كبح جماح العنف
دورة العنف والعنف المضاد ستؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة برمتها، لأن حدود دول جنوب آسيا غير قادرة على كبح جماح العنف

في عام 2019 أعلنت حكومة رئيس الوزراء مودي بعد فوزها الثاني في الانتخابات العامة التي جرت في ذلك العام عن خطط لزيادة عدد المواطنين على المستوى الوطني، وهو ما حدث في البداية في ولاية آسام، ووضعت هذه الخطوة معايير صعبة التنفيذ لإثبات المواطنة إلى درجة أن الفقراء (ومن بينهم عدد كبير من المسلمين الهنود) سيفشلون بشكل غير متناسب في تسجيل أنفسهم كمواطنين.

وقدمت الحكومة بعد ذلك قانونًا آخر لضمان توفير طلبات المواطنة السريعة للاجئين من جيران الهند، ما عدا المسلمين منهم، وهدد القانونان -اللذان وصفهما وزير الداخلية بأنهما مرتبطان ببعضهما البعض- بحرمان المسلمين من حقوقهم، وأصبح مصطلح “البنغلاديشيون” مصطلحًا شاملاً يشير إلى جميع المهاجرين “غير الشرعيين” الذين صمم القانونان لإيقاعهم في شراكه، وانخرط وزراء كبار في مجلس الوزراء في خطاب يعيد إلى الأذهان خطاب الكراهية الخاص بالإبادة الجماعية، مشيرين إلى المهاجرين غير الشرعيين على أنهم “نمل أبيض”.

وأفرزت هذه القوانين احتجاجات في جميع أنحاء الهند، حيث هددت بتغيير تعريف مصطلح المواطنة، كما تسببت في مشاكل لحكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة في بنغلاديش، حيث أدت الكراهية الموجهة إلى “البنغلاديشيين” في الجانب الآخر من الحدود إلى تعقيد وضعها كصديقة للهند في عاصمة بنغلاديش “دكا”، وألغى كبار أعضاء حكومتها زيارات كانت مقررة لهم إلى الهند، وهزت بنغلاديش أعمالُ عنف، واستهدف أحد أعمال العنف تلك معبدا هندوسيّا أثناء زيارة مودي في مارس من هذا العام.

وكانت أعمال العنف في بنغلاديش -والتي استهدفت الأقلية الهندوسية في البلاد- قائمة على شائعات تفيد بأن معبدًا هندوسيّا قد مارس بعض الأفعال الكفرية ضد الإسلام خلال احتفال ديني، وأدى هذا إلى اندلاع شرارة العنف ضد الهندوس في جميع أنحاء مدن بنغلاديش واستمر ذلك أياما.

وعلى عكس رئيس الوزراء الهندي أدانت حسينة العنف علانية وأمرت الشرطة بالقبض على الجناة، حتى أن حزبها (رابطة عوامي) نظم مسيرة سلام في العاصمة دكا (وهناك مسألة أخرى، حيث تفيد بعض الأنباء بأن أعضاء من الجناح الطلابي للحزب شاركوا في البعض من أعمال العنف).

ومع ذلك سارعت حسينة إلى توجيه أصابع الاتهام نحو جارتها، قائلة إن الخطاب المعادي للمسلمين والعنف في الهند يتسببان في أعمال عنف ضد الهندوس في بلدها.

سخط متزايد

الحكومة الهندية تعتقد أنها تستطيع متابعة سياساتها المحلية ذات الأغلبية دون الحاجة إلى القلق بشأن تداعياتها الدولية
الحكومة الهندية تعتقد أنها تستطيع متابعة سياساتها المحلية ذات الأغلبية دون الحاجة إلى القلق بشأن تداعياتها الدولية

يقول المحلل الهندي إن تلك ليست مجرد حوادث عنف متبادل عبر حدود المنطقة المرسومة بشكل اعتباطي، وقد يؤدي اندفاع حكومة مودي إلى جعل الهند دولة ذات أغلبية هندوسية إلى زعزعة استقرار بنغلاديش، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 165 مليون نسمة.

ولم تُحسن حسينة التصرف أيضًا، على الرغم من تصريحاتها الأخيرة؛ فقد نصبت نفسها علنًا كحليف للهند، وحزبها يصور نفسه على أنه المدافع عن العلمانية في بنغلاديش والضامن النهائي لسلامة الهندوس في البلاد.

وأثناء ذلك حولت حسينة بنغلاديش إلى دولة ذات حزب واحد، وألغت الضمانات الدستورية التي تعزز ديمقراطية البلد، وسجنت قادة أحزاب المعارضة، وجرمت مختلف أشكال الاختلاف السياسي، ودفع هذا المعارضة السياسية لنظامها إلى الميل نحو التيار الإسلامي الذي حاولت حسينة في بعض الأحيان سحقه لكنها سعت أيضًا لكسب الناخبين الإسلاميين.

كل تلك العوامل أسهمت في إضعاف الأقلية الهندوسية المحاصرة في بنغلاديش، والهجوم عليها -الذي يكون دائما بدوافع سياسية حتى في أسوأ الأوقات- هو هجوم على حكومة حسينة وحزبها. وبقدر ما تستحق الثناء فإن إدانة حسينة العلنية للعنف ضد الهندوس كانت مدفوعة أساسًا لأنها، مثل أي سياسي ماهر، رأت ذلك الهجوم على حقيقته، فهو هجوم سياسي عليها.

دنيانيش كامات: الوضع في بنغلاديش ستكون له آثار مضاعفة في المنطقة

ومع ذلك كان إلقاء اللوم على الهند تحذيرًا أيضًا؛ فإذا استمرت الهند في السير نحو الأغلبية -مما يخلق فضاء مليئًا بالعنف والخطاب السام ضد المسلمين، وهو ما تدعمه الدولة- فإن هذا من شأنه أن يوفر ذريعة لخصوم حسينة لإضعاف حكومتها من خلال الهجمات على الأقلية الهندوسية في بنغلاديش.

ويحذر كامات، وهو أيضا مستشار في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للجهات الحكومية والقطاع الخاص، من أن زعزعة الاستقرار في بنغلاديش ستكون لها آثار مضاعفة في جميع أنحاء المنطقة. وبعد وقت قصير من أعمال العنف في بنغلاديش شهدت ولاية تريبورا الهندية المجاورة التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا أعمال عنف ضد المسلمين من قبل الجماعات الهندوسية المتشددة.

وستؤدي دورة العنف والعنف المضاد عبر المنطقة إلى زعزعة استقرار المنطقة برمتها؛ لأن حدود دول جنوب آسيا المحفورة بشكل عشوائي، والتي رسمها حكام المنطقة الاستعماريون إبان رحيلهم وسط عربدة من إراقة الدماء التي كان يمكن تجنبها تمامًا، ليست قادرة على كبح جماح العنف العرقي والديني الذي قد ينتشر من بلد إلى آخر.

وكان الموقف التقليدي للسياسة الخارجية للهند في جنوب آسيا قائمًا دائمًا على فكرة أن الدولة التي حجمها بحجم القارة هي مركز الثقل في المنطقة، ومع ذلك تعمل الضغوط السياسية المحلية لنيودلهي بما يتعارض مع مصالح سياستها الخارجية.

ويبدو أن الحكومة الهندية تعتقد أنها تستطيع متابعة سياساتها المحلية ذات التوجه الأغلبي دون التخوف من تداعياتها الدولية. ومع ذلك، فإن المنطقة -كما يظهر من لوم حسينة الأخير لنيودلهي- هي موطن لحوالي ربع البشرية، وهي منطقة تزداد سخطًا بشكل متزايد.

7