الترتيبات الأمنية في الضفة الغربية ورقة عباس الأخيرة للبقاء ضمن خيارات حكم غزة

لا تزال الإجابة عمّن سيحكم غزة في اليوم التالي للحرب مبهمة إذ توجد سيناريوهات عدة تناقش. ويرى محللون أن تولي السلطة الفلسطينية العمل كبديل لحماس في غزة ليس السيناريو الأمثل لكنه من ضمن الخيارات.
رام الله - يرى محللون أن زيادة أنشطة الحكم التي تقوم بها السلطة الفلسطينية قد لا تشير إلى تغيير عميق، إلا أنها قد تساعد في استقرار الوضع الأمني في الضفة الغربية، وربما تمهد الطريق لحكم السلطة الفلسطينية في غزة بعد الحرب.
ولأول مرة منذ سنوات، كثّفت السلطة الفلسطينية أنشطتها في مختلف مجالات الحكم. ويشمل هذا زيادة العمليات الأمنية في الضفة الغربية، وتعيين بديل مؤقت للرئيس محمود عباس في حالة عجزه عن أداء مهامه، والإشارة إلى استعدادها لإصلاح آلية دفع الأموال للسجناء.
ويبدو أن هذه الزيادة غير العادية في النشاط تهدف في المقام الأول إلى إظهار قدرات السلطة الفلسطينية على الحكم وتنفيذ القانون ضد قوى المعارضة التي تتحدى سلطتها. وهذا مهم بشكل خاص في وقت تتحدى فيه حماس بالفعل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وقد تفعل ذلك بقوة أكبر بمجرد أن تطلق إسرائيل سراح سجناء حماس كجزء من الصفقة الجديدة لتحرير الرهائن في غزة.
وتقول الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في وكالة الأمن الإسرائيلية نيومي نيومان في تقرير نشره معهد واشنطن إنه من الممكن أن يؤدي إطلاق سراحهم إلى تعزيز حماس سياسيا وعسكريا، وإحياء فكرة النصر من خلال “المقاومة”.
وتضيف نيومان أن النشاط الحالي للسلطة الفلسطينية يعمل أيضا كرسالة إلى إسرائيل والإدارة الأميركية القادمة مفادها أنها قادرة على معالجة التحديات الداخلية في الضفة الغربية، وتنفيذ الإصلاحات الضرورية، وأن تكون بديلا لحماس في غزة في “اليوم التالي” للحرب.
وفي هذه المرحلة، لا يزال نطاق وفاعلية التدابير التي تتخذها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية غير واضح، ويرجع هذا جزئيا إلى أنها تبذل جهودا أكبر في بعض المجالات، وخاصة المبادرات الأمنية، وأقل في القضايا السياسية والاجتماعية.
ونظرا إلى ضعف أداء السلطة الفلسطينية ومكانتها العامة المتدنية، فمن غير المرجح أن تمثل هذه التدابير تغييرا عميقا، ولا يُتوقع منها أن تحول السلطة الفلسطينية، وبالتأكيد ليس خلال فترة ولاية عباس.
ومع ذلك، ونظرا إلى الموقف المعقد الذي تواجهه إسرائيل والتحديات التي من المرجح أن تواجهها في المستقبل القريب، فمن الأفضل لها أن تواصل دعم السلطة الفلسطينية، وخاصة في مجال الأمن والحكم، للحفاظ على وضع أمني مستقر في الضفة الغربية التي تعمل باستمرار على تعزيز قدراتها العسكرية.
النشاط الأمني في الضفة يهدف إلى إظهار قدرات السلطة الفلسطينية على الحكم وتنفيذ القانون ضد من يتحدى سلطتها
وعلاوة على ذلك، بعد مرور خمسة عشر شهرا على هجوم السابع من أكتوبر، لا تزال إسرائيل تكافح من أجل تحديد بديل قابل للتطبيق لحماس في غزة، ويبدو أن السلطة الفلسطينية تبرز باعتبارها الخيار الأقل سوءا من بين كل الخيارات السيئة.
وخلال الشهر الماضي، نفذت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية عمليات مكثفة لأول مرة منذ عقد من الزمان، حيث عملت بكل عزم على بسط الأمن في منطقة جنين، وخاصة مخيم جنين للاجئين.
وقد بدأت العملية التي أطلق عليها اسم “الدفاع عن الوطن” في 14 ديسمبر واستهدفت الكتائب التي ظهرت في شمال الضفة الغربية (جنين وطولكرم ونابلس) في السنوات الأخيرة وبدأت تنتشر إلى مناطق أخرى، مثل رام الله.
وهذه الجماعات ــ التي كثيرا ما تصطدم بالقوات الإسرائيلية ــ ممولة من إيران وتتلقى أيضا الدعم من المنظمات الراسخة، وخاصة حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني. كما تعارض هذه الجماعات السلطة الفلسطينية وتقوض سلطتها.
وكجزء من جهودها في جنين وخارجها لمنع الفوضى، نشرت السلطة الفلسطينية قوات خاصة (مثل الوحدة 9 والوحدة 101) واستخدمت تدابير متقدّمة ضد الأفراد المطلوبين، مثل إطلاق قذائف صاروخية على مساكنهم. واعتقلت قوات الأمن 700 فلسطيني، واستولت على العشرات من المركبات المفخخة ودمّرتها، وكشفت عن كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة. وقد أحبطت هذه الإجراءات هجمات مخططة على أهداف إسرائيلية.
وتقوم أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية أيضا بقمع أولئك الذين يعبّرون عن دعمهم لحماس أو الجهاد الإسلامي أو يروّجون للاحتجاجات ضد السلطة الفلسطينية. وتشمل التدابير المتخذة عقوبات اقتصادية، وقيودا على المعابر الحدودية، والاعتقالات.
وتخطط السلطة الفلسطينية لمواصلة هذه التدابير، كما تقرر في اجتماع عقد مؤخرا برئاسة رئيس المخابرات العامة اللواء ماجد فرج.
وفي المجال السياسي، يبدو أن هناك تغييرا، وإن كان البعض يعتبره سطحيا. فعلى مدى أكثر من عقد من الزمان، واجه عباس البالغ من العمر تسعة وثمانين عاما ضغوطا خارجية وداخلية لتعيين خليفة له قادر على قيادة الفلسطينيين بعد رحيله. والقلق الأساسي هنا هو أن غيابه قد يشعل صراعا على السلطة بين المرشحين المتنافسين على الرئاسة. وقد أضافت الحرب في غزة إلحاحا إلى هذه المناقشات في حين تستكشف الدول العربية وواشنطن بدائل لحكم حماس، بما في ذلك مقترحات لتنشيط وإعادة تنظيم السلطة الفلسطينية.
وتجنب عباس تعيين خليفة له، ربما لأنه لم يكن لديه مرشح مفضل أو خشي أن يتصرف مرشح ضده أثناء حياته. ومع ذلك، أعلن مؤخرا في خطوة مفاجئة أنه إذا أصبح عاجزا، فسوف يصبح روحي فتوح رئيسا لمدة تسعين يوما إلى أن يتسنّى عقد انتخابات عامة.
وعلى مدى سنوات عديدة، مارس المسؤولون الإسرائيليون والدوليون ضغوطا على عباس لإصلاح سياسة دفع رواتب السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وعائلات الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل.
ويستند النظام الحالي إلى طول مدة عقوبة السجين، ويكافئ في الأساس الأفراد الذين يقتلون المزيد من الإسرائيليين بمدفوعات أعلى. وقد طلبت الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإسرائيل من السلطة الفلسطينية اعتماد نظام قائم على معايير الرعاية الاجتماعية بدلا من ذلك، لكن عباس قاوم مثل هذه التغييرات، على الأرجح لأن السجناء لديهم أهمية رمزية في المجتمع الفلسطيني.
ومؤخرا، أشار ممثل قانوني للسلطة الفلسطينية إلى أن المناقشات الحالية حول هذه القضية قد تؤدي إلى تحول في هذه السياسة القديمة.
وبالإضافة إلى معالجة نقطة خلاف رئيسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والولايات المتحدة، فإن تنفيذ مثل هذا التحول من شأنه أن يفي بمتطلبات قانون تايلور فورس لعام 2018، الذي يحظر المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية طالما استمرت في سياسة دفع رواتب السجناء الحالية.
ويؤكد الوضع الأمني الهش للرئيس عباس أنه لا يستطيع أن يظل سلبيا ويجب عليه أن يعالج مراكز الفوضى في الضفة الغربية لتجنب فقدان السيطرة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس والإفراج عن السجناء الفلسطينيين من شأنه أن يعزز مكانة حماس العسكرية والسياسية والعامة في الضفة الغربية.
وعلاوة على ذلك، بعد مرور خمسة عشر شهرا على هجوم السابع من أكتوبر، لا تزال إسرائيل تكافح من أجل تحديد بديل قابل للتطبيق لحماس في غزة.
وبينما قاطع عباس ترامب خلال ولايته الأولى، فإنه يشير الآن إلى استعداده للتعاون مع واشنطن ويتخذ خطوات لإثبات سيطرته على الضفة الغربية. وقد تثبت هذه الإجراءات أيضا قدرة السلطة الفلسطينية على حكم غزة بعد الحرب إذا أتيحت لها الفرصة.