التدقيق في حسابات مصرف لبنان يؤكد: لا بد من الرقابة ضد "سوء السلوك" المزمن

القضاء الأوروبي يشتبه في أن سلامة وشقيقه حصلا بشكل غير قانوني على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي.
السبت 2023/08/12
المصرف ضحية سياسات غير قانونية

بيروت - حث تدقيق في حسابات مصرف لبنان (البنك المركزي) على اتخاذ خطوات لتخفيف المخاطر المالية الناتجة عن “سوء السلوك”، وأشار إلى أن حاكم المصرف السابق رياض سلامة كان يتمتع بسلطة “بلا حدود” بينما انتهج سياسات هندسة مالية مكلفة.

وخلص التدقيق الذي يغطي الفترة بين 2015 و2020 وأجرته شركة ألفاريز آند مارسال إلى أنه تم دفع “عمولات غير قانونية” قيمتها 111 مليون دولار من حساب بالبنك المركزي بين 2015 و2020، موضحا أن هذا في ما يبدو استمرار لخطة كانت سببا في بدء التحقيقات مع الحاكم السابق للمصرف في الداخل والخارج.

وطالبت الدول المانحة بإجراء التدقيق الجنائي بعد تعرض لبنان لانهيار مالي منع معظم المودعين من الحصول على مدخراتهم منذ 2019 وتسبب في فقدان العملة 98 في المئة من قيمتها وأدى إلى زيادة الفقر.

وكان سلامة مهندس السياسة المالية التي مكّنت لبنان من الانتعاش بعد حرب أهلية استمرّت 15 عاماً (1975 – 1990). لكن منذ غرق لبنان في نهاية 2019 في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، يحملّ كثيرون كلاً من سلامة والقادة السياسيين الذين يرتبط بهم ارتباطاً وثيقاً، المسؤولية عن خراب لبنان.

ودافع سلامة الذي ترك منصبه الشهر الماضي عن السياسات في تصريحات مكتوبة. وقال المكتب الإعلامي للبنك المركزي لرويترز إن “الأطراف المعنية لم تعد في البنك الآن”. وامتنع فارس الجميل المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن الرد على طلب للتعقيب، قائلا إن التقرير “سري”.

الهندسة المالية للبنك تسببت في استنزاف الأرصدة الدولارية من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة اعتبارا من عام 2015 للمساعدة في تمويل الدولة المثقلة بالديون

وينفي سلامة الذي غادر منصبه في نهاية ولايته الأخيرة في 31 يوليو الماضي الاتهامات الموجهة له باستغلال سلطاته لاختلاس المال العام في لبنان. وأصدرت فرنسا وألمانيا أوامر بضبطه.

وأشارت ألفاريز آند مارسال في تقريرها إلى “غياب الحوكمة الجيدة بشكل عام وترتيبات إدارة المخاطر” في البنك المركزي، ودعت إلى تحسين الرقابة من أجل “تخفيف أي مخاطر مالية أخرى تنشأ عن سوء السلوك في مصرف لبنان”.

وفي تصريحات لرويترز قال سلامة إن وصف سوء السلوك “تعسفي”، مضيفا أن البنك المركزي تصرف وفقا للقانون.

وتسببت الهندسة المالية للبنك في استنزاف الأرصدة الدولارية من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة اعتبارا من عام 2015 للمساعدة في تمويل الدولة المثقلة بالديون. وقال التدقيق إن مصرف لبنان أخفى خسائر بقيمة 76 مليار دولار جراء تلك الهندسة.

ووصف المنتقدون السياسة بأنها ما يطلق عليه “مخطط بونزي” لأنها تعتمد على الاقتراض من جديد لتسديد الديون القائمة. وكان مصرف لبنان يقول دائما إن هذه العمليات قانونية.

وجاء في التدقيق أن البنك المركزي كان يعلن عن أرباح كل عام عن طريق تحويل التكاليف إلى ميزانيته العمومية، حتى في السنوات “التي بلغت فيها الخسائر الفعلية عدة مليارات من الدولارات”.

وقال سلامة إنه “لم يخف” الخسائر وإنها كانت تنشر ووفق الإجراءات المحاسبية، التي أقرها مجلس مصرف لبنان، وكان يخبر بها الحكومة.

التحقيقات القانونية في قضية سلامة تركز على العمولات التي فرضها البنك المركزي على البنوك التجارية عند شراء الأوراق المالية الحكومية

ونقل التدقيق عن محاضر اجتماعات المجلس أن “حاكم مصرف لبنان احتكر المناقشات والقرارات”، وأن المجلس “لم يحقق الحد الأدنى من معايير الحكم الرشيد الموجودة في ممارسات البنوك المركزية على الصعيد الدولي”.

وقال سلامة إن المجلس وجد أن الهندسة المالية هي “أفضل معالجة لتدهور ميزان المدفوعات” وإنه لم “يتدخل” في اتخاذ القرار بشأنها.

ويتألف المجلس من حاكم مصرف لبنان وأربعة نواب، أحدهم وسيم المنصوري الحاكم المؤقت الآن، واثنين من كبار المسؤولين الحكوميين.

وتركز التحقيقات القانونية في قضية سلامة على العمولات التي فرضها البنك المركزي على البنوك التجارية عند شراء الأوراق المالية الحكومية، التي كان يذهب جزء من عائداتها إلى شركة “فوري أسوشييتس” التي يسيطر عليها رجا شقيق سلامة. وينفي الأخوان تحويل أي أموال عامة أو غسيلها.

ويشتبه مسؤولون من القضاء الأوروبي في أن سلامة وشقيقه حصلا بشكل غير قانوني على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي بين عامي 2002 و2015.

وجاء في التدقيق أن مدفوعات حُددت قيمتها الإجمالية بنحو 111.3 مليون دولار على مدى السنوات الخمس التالية لسبعة بنوك واحد منها سويسري وستة بنوك لبنانية من حساب تابع للبنك المركزي، كانت نقطة محورية في تلك التحقيقات.

وأضاف التدقيق “يبدو أن هذا استمرار لمخطط العمولات الذي تحقق فيه سلطات الادعاء اللبنانية والدولية”.

Thumbnail

وقال إنه لم يعثر على أي سجل لخدمة قُدمت مقابل عمولات وإنه لا يمكن تحديد المستفيد النهائي بشكل مؤكد لأن مصرف لبنان حذف التفاصيل مستشهدا بقانون السرية المصرفية.

وذكر سلامة أن تلك العمولات تمت بطريقة “لا تكلف مصرف لبنان شيئا”. وقال إن كشوف حسابه الشخصي في مصرف لبنان قُدمت لشركة المراجعة وإنه “لا توجد أموال مملوكة لمصرف لبنان” انتهى بها المطاف في حسابه.

وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا أعلنت فرض عقوبات على سلامة، متهمة إياه بارتكاب أعمال فساد لإثراء نفسه وشركائه.

وتشمل العقوبات الأميركية بالإضافة إلى سلامة أربعة أشخاص مقرّبين منهم ابنه نادي، وشقيقه رجا، ومساعدته السابقة ماريان الحويّك، وعشيقته السابقة آنا كوساكوفا.

وتنصّ العقوبات الأميركية على تجميد كلّ الأصول التي يملكها هؤلاء المعاقبون الخمسة في الولايات المتّحدة، كما تمنع كلّ الشركات الأميركية والمواطنين الأميركيين من إجراء أيّ تعاملات تجارية معهم.

أما العقوبات البريطانية فشملت أربعة أسماء فقط هم رياض ورجا سلامة والحويّك وكوساكوفا، أي أنّها استثنت ابن الحاكم السابق. وفي المقابل شملت العقوبات الكندية ثلاثة أسماء فقط هم رياض ورجا سلامة والحويّك.

وحرصت وزارة الخزانة الأميركية في بيانها على توضيح أنّ العقوبات لا تطال بأيّ شكل من الأشكال المصرف المركزي اللبناني.

7