التحولات في منطقة الساحل الأفريقي تفرض المزيد من التقارب بين الجزائر وموريتانيا

تحديات الجوار تطغى على التباين الحاصل على مستوى التحالفات.
الجمعة 2024/10/18
زيارة تعكس قلقا جزائريا

تموج منطقة الساحل الأفريقي بالكثير من المتغيرات، الأمر الذي يشكل عنصر ضغط على الجزائر وموريتانيا بحكم القرب الجغرافي، وهذا يقود الطرفين إلى تعزيز التنسيق الأمني، على الرغم من أن لكل واحدة منهما أجندتها الخاصة وتحالفاتها.

نواكشوط - تشكل التحولات التي تمر بها منطقة الساحل الأفريقي تحديا كبيرا بالنسبة إلى الجزائر وموريتانيا، وهو ما يفرض على كليهما المزيد من التنسيق العسكري لتجنب أي مخاطر قد تؤثر عليهما بشكل مباشر.

وقادت تلك التحولات وفدا عسكريا رفيع المستوى من الجزائر برئاسة قائد أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة إلى نوكشوط في زيارة بدأت الثلاثاء، واختتمت الخميس.

واستقبل قائد أركان الجيش الموريتاني الفريق المختار بله شعبان نظيره الجزائري والوفد المرافق له، الأربعاء، معلنا عقب المحادثات أن بلاده والجزائر تخططان لتسيير دوريات مشتركة على طول الحدود بينهما.

محمد الحافظ الغابد: لكل من موريتانيا والجزائر أجندتها الخاصة بها في المنطقة
محمد الحافظ الغابد: لكل من موريتانيا والجزائر أجندتها الخاصة بها في المنطقة

وترتبط الجارتان بحدود برية بطول 460 كلم، وتنشط على حدودهما العديد من شبكات التهريب والتجارة غير المشروعة.

وترأس شنقريحة، خلال زيارته إلى نواكشوط، وفدا يضم قادة عسكريين، بينهم رئيس دائرة الاستعلام اللواء بلقائم حسنات والمدير المركزي للأمن العميد أجريبي محسن.

وفور وصوله نواكشوط، أجرى الوفد العسكري الجزائري مباحثات في قصر الرئاسة مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، لم تُعلن تفاصيلها.

ووفق وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية، قال مدير الاتصال بقيادة أركان الجيش الموريتاني العقيد سيد محمد حديد إن زيارة الوفد الجزائري “تأتي تجسيدا لإرادة جيشي البلدين في تعزيز أواصر الأخوة والصداقة”.

وأضاف حديد أن البلدين يعملان من أجل “النهوض بمستوى التعاون العسكري الثنائي وإكسابه آفاقا جديدة، خاصة في ما يتعلق بشراكة البلدين في مجال مكافحة التطرف العنيف والجريمة المنظمة التي تشهدها منطقة الساحل”.

وتنسق جيوش الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر في جهود مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بالمنطقة، في إطار لجنة أركان عملياتية مشتركة تم تأسيسها عام 2010.

وتنشط في بلدان أفريقية عديدة، خصوصا بلدان مجموعة الساحل الخمسة، تنظيمات متطرفة تشن من حين إلى آخر هجمات تستهدف ثكنات عسكرية وأجانب، كما تعاني دول في المجموعة من انتشار الفقر واضطرابات سياسية.

ومجموعة دول الساحل الأفريقي هي تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون تأسس في نواكشوط عام 2014 بهدف مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، وكان يضم موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، قبل انسحاب الدول الثلاث الأخيرة منه.

تعقيدات الجوار

المنطقة الأفريقية تشهد نفوذا روسيا – صينيا متزايدا قوض إلى حد الساعة النفوذ الفرنسي والأميركي

يقول الخبير المختص بشؤون دول الساحل أحمد ولد محمد المصطفى إن موريتانيا والجزائر “ترتبطان بعلاقات وطيدة ومتنوعة بحكم الجيرة والتداخل السكاني والمصلحي والتاريخ المشترك، وبالتالي فزيارة الوفد الجزائري طبيعية”.

واستدرك “مع ذلك لا يمكن تجاهل منظار آخر يبدو ملحا وضاغطا على الطرفين، وهو التطورات الأمنية الأخيرة في منطقة الساحل بشكل عام، وفي الشمال المالي بشكل خاص”.

وأشار إلى أن “المواجهات العنيفة بين الجيش المالي و(المجموعة الروسية) فاغنر (مرتزقة) من جهة والمسلحين الأزواديين من جهة أخرى وصلت مناطق قريبة من حدود البلدين (موريتانيا والجزائر)، وبالتالي فهما في حاجة إلى التنسيق على المستويين العسكري والأمني”.

كما لفت إلى “التحول الذي تعرفه منطقة الساحل بشكل عام، وخصوصا نزوح عدد من دوله إلى التحالف مع روسيا وفتح أراضيها أمامها، وكذا الحضور الاقتصادي الصيني”.

وتابع “وكذلك الضغوط التي يفرضها الغرب لمواجهة هذا التمدد (الروسي – الصيني)، كل هذا يجعل البلدين (الجزائر وموريتانيا) مؤهلين للتقارب والتنسيق أكثر، لتفادي المخاطر التي يمكن أن تؤثر على استقرارهما”.

الشرق والغرب

دور موريتانيا والجزائر محوري في المنطقة، ولكل منهما أجندته الخاصة، وقد تتقاطع أجنداتهما في بعض المستويات، لكنها واقعيا بعيدة عن التطابق

اعتبر المصطفى أن البلدين “رغم أن لكل منهما دوره في المنطقة، وهو واقعي أو متوقع، فإن أجنداتهما في التعامل مع التطورات لا تبدو متطابقة”.

وبيَّن أنه “في الوقت الذي تبدو فيه الجزائر على مستوى التحالفات الدولية أقرب إلى الحلف الشرقي الروسي – الصيني، فإن موريتانيا طورت علاقاتها خلال السنوات الأخيرة مع الغرب، وخصوصا حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”.

وأضاف بأن “هذا التباين في التعاطي مع الصراع في مستوياته العليا قد يكون له انعكاسه على تفاصيل تعاون البلدين، وقد يتمكن البلدان من العمل في المتفق عليه على المستوى المحلي مقابل مستوى من التفهّم أو التفاهم في مستويات الصراع الأعلى والأقوى”.

ووفق المصطفى فإن “الجزائر، بخلاف موريتانيا، تلتقي مع دول المنطقة المناوئة لفرنسا في مستويات من الخلاف، فعلاقات الجزائر مع فرنسا متأرجحة منذ سنوات، وفواصل ودوافع القطيعة والخلاف فيها أكثر من دوافع الاتفاق”.

ورأى أن “الأحداث الميدانية تظهر مستوى من عدم رضا الجزائر عن نوعية وحجم وطبيعة وجود فاغنر، رغم علاقات الجزائر الجيدة مع روسيا”.

وتابع “بالتالي دور موريتانيا والجزائر محوري في المنطقة، ولكل منهما أجندته الخاصة، وقد تتقاطع أجنداتهما في بعض المستويات، لكنها واقعيا بعيدة عن التطابق”.

والأحداث الأمنية في منطقة الساحل “لها أثر بالغ على موريتانيا والجزائر، بحكم مساحات حدود كل منهما المشتركة مع مالي”، كما أضاف المصطفى.

وتابع أن “التهديد الأمني وتوطنه في المنطقة، ومستوى الصراع وتشظيه، والمخاطر التي طرأت عليه، تحوله تدريجيا إلى إحدى ساحات الصراع الدولي، والبلدان يتأثران تأثرا كبيرا، على مستويات مختلفة أمنية وإنسانية واجتماعية واقتصادية، بأي تطور أمني في منطقة الساحل”.

انعكاسات محتملة

الجارتان ترتبطان بحدود برية بطول 460 كلم، وتنشط على حدودهما العديد من شبكات التهريب والتجارة غير المشروعة

التنسيق بين موريتانيا والجزائر “يكتسب أهمية قصوى لمواجهة التحولات الخطرة للجريمة المنظمة في منطقة الساحل”، هكذا بدأ الكاتب الصحفي المهتم بشؤون الساحل محمد الحافظ الغابد حديثه.

وأضاف الغابد أن “ثمة انعكاسات للأزمات في مالي والنيجر على موريتانيا والجزائر، وظهر ذلك خلال الأشهر الأخيرة حيث يستقبل البلدان عشرات آلاف من المهجرين قسريا جراء تدهور الوضع الأمني والإنساني في هذه البلدان”.

ورأى أن زيارة الوفد العسكري الجزائري إلى نواكشوط تأتي في سياق “تبدلات الأحلاف الدولية، خصوصا انتقال مالي وبوركينا فاسو والنيجر من التحالف والتعاون الواسع مع الكتلة الغربية، ممثلة في أميركا وفرنسا، باتجاه اتخاذ روسيا حليفا في مواجهة الحليف السابق”.

كما أشار الغابد إلى أن المنطقة الأفريقية “تشهد نفوذا روسيا – صينيا متزايدا قوض إلى حد الساعة النفوذ الفرنسي والأميركي”.

وأضاف أن هذا يعد “منحنى جديدا في العلاقات الدولية قد تكون له انعكاسات على الجزائر وموريتانيا، مع ملاحظة أن الجزائر تحتفظ بعلاقات راسخة مع روسيا، بينما تسعى موريتانيا لإيجاد التوازن في علاقاتها الدولية، وتفادي انعكاسات الصراع الروسي – الغربي على علاقاتها الدولية”.

7