التحفيز أو الكساد: لا استثمار في الصين حتى يبدأ الإنفاق

إجمالي الدين العام بلغ 15.2 تريليون دولار في 2022.
الجمعة 2023/08/25
مهارات التنسيق وحدها غير كافية

يرصد المحللون حالة من الترقب الممزوج بالحذر تسود أوساط المستثمرين الأجانب بشأن أعمالهم في السوق الصينية بالنظر إلى الكآبة التي بات عليها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كونها لا تشجع على التوسع دون إقدام الحكومة على القيام بتحفيزات أكبر.

بكين - بدأ صبر المستثمرين ينفد إزاء ما يعتبرونه إجراءات غير متماسكة وبطيئة من جانب الصين لإنعاش اقتصادها المتعثر ونزع فتيل أزمة العقارات المتفاقمة مع الانتقال من الأمل إلى خيبة الأمل والاستسلام الآن.

ويملك المستثمرون العالميون الفارون من الصين رسالة واحدة بسيطة لقيادة البلاد: ضعوا الحكمة جانبا لفترة قصيرة وابدأوا في الإنفاق بكميات كبيرة.

وفشلت التخفيضات المتواضعة في أسعار الفائدة والوعود الغامضة بدعم مطوري العقارات المثقلين بالديون في استعادة المعنويات، وأصبح مديرو الصناديق يصرون على أنهم في حاجة إلى رؤية المزيد من الأموال الحكومية تتدفق قبل أن يفكروا في العودة.

وانخفض مؤشر سي.أس.آي 300 للأسهم القيادية في الصين بنسبة 9 في المئة خلال الجلسات الثلاث عشرة الماضية، حيث سحب الأجانب 78 مليار يوان (10.73 مليار دولار)، في أطول سلسلة بيع منذ عام 2015.

وقالت سيما شاه كبيرة الإستراتيجيين العالميين لدى برينسيبال غلوبال إنفستورز في لندن لرويترز “في هذه المرحلة هناك ارتباك، وطالما أن هناك ارتباكا فهناك نقص في المصداقية وهذا يعني أن المستثمرين من المرجح أن يبتعدوا".

وأوضحت أن السبيل الوحيد للخروج هو "تكثيف التحفيز المالي لأن هناك نقصا في الثقة، ولأن تخفيضات الفائدة لا تفعل ما يكفي لتعزيز الطلب على الائتمان".

المحللون يعتقدون أن حذر بكين بشأن الشؤون المالية مبالغ فيه
◙ المحللون يعتقدون أن حذر بكين بشأن الشؤون المالية مبالغ فيه

ويبدو أن بكين مشلولة، كما يقول تشن تشاو كبير الإستراتيجيين العالميين في شركة الأبحاث ألباين ماكرو، وهذا يسبب الذعر بين المستثمرين الذين أمضوا أشهرا على أمل تحقيق البراغماتية المعتادة للصين في مواجهة الصدمات الاقتصادية.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك إنفاق الحكومة الصينية الضخم خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008 وتدخلها السريع خلال انهيار السوق عام 2015.

ويرى تشاو أن الافتقار إلى استجابة سياسية للاقتصاد الضعيف هو "انتقام غريب لسياسة الصين العنيدة للقضاء على كوفيد"، والتي استمرت ثلاث سنوات قبل أن يتم تفكيكها فجأة في ديسمبر الماضي.

وكتب "ليس هناك ذعر، ولا توجد رسائل من القيادة العليا حول أيّ خطة متماسكة وذات مصداقية لوقف الاقتصاد المتدهور".

وفي المقام الأول على قائمة أمنيات كل مستثمر الرغبة في رؤية الحكومة الصينية تنفق مرة أخرى، بغض النظر عن خطر ارتفاع الديون.

ويعتقد المحللون أن الاقتصاد يحتاج إلى أكثر بكثير من الأربعة تريليونات من اليوان (550 مليار دولار) التي أنفقتها الصين عليه في أزمة عام 2008، ويجب أن تذهب هذه الأموال إلى الحكومات المحلية والبنوك.

وفي حين وعدت الحكومة ببذل المزيد من الجهد لدعم قطاع العقارات الكاسد والإنفاق الاستهلاكي، حتى في اجتماع يوليو الماضي للمكتب السياسي الأعلى، فإنها لم تستثمر الأموال.

وتعهدت بكين بتقديم إعانات مالية للمستهلكين الذين ينفقون على السيارات الكهربائية والإلكترونيات والسياحة، وهو ما يعد أفضل من الضرائب أو المساعدات النقدية التي يمكن توفيرها بدلاً من إنفاقها.

لكن الدعم يجب أن يأتي من الحكومات المحلية، التي يعاني الكثير منها من ضائقة مالية أو حتى غارقة في الديون وغير قادرة على دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية.

ويرى فريدريك دوكروزيت رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة بيستيت ويلث مانجمنت أنه يجب السماح للحكومات المحلية بإصدار السندات بسرعة، مشيرا إلى كيف جمعت الحكومة الصينية والمقاطعات أموالا أقل بكثير هذا العام مما كانت عليه في 2022.

وقال دوكروزيت، في إشارة إلى جمع التبرعات العام الماضي، "لكي يكون لديك تأثير كبير، ولكي تغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى الاقتصاد، أعتقد أنه سيتعين عليك زيادة ذلك بمضاعفات هذا المبلغ".

وتلعب الحكومات المحلية ووسائل تمويلها دورا رئيسيا في تمويل مشاريع البنية التحتية، التي كانت تقليديا واحدة من أكبر محركات النمو للاقتصاد.

وكان شاه محايدا بشأن الأسهم الصينية منذ مايو ويأمل في التحفيز ولكن ليس لديه رقم محدد لتوقعات الإنفاق المالي لأن “الكثير يكتنفه الغموض" و"يتم دفع الكثير من السياسات من خلال السلطات المحلية”، وليست هناك “خطوة مركزية".

ويعتقد محللون أن حذر بكين بشأن الشؤون المالية مبالغ فيه. ويقول تشاو إن الخوف من ارتفاع ديون القطاع العام هو أمر مضلل وغير ضروري، والفشل في التحرك سيلحق الضرر بالاقتصاد الذي قد يستغرق إصلاحه سنوات.

ويقدر بنك يو.بي.أس السويسري أن إجمالي الدين الحكومي للصين بلغ 111 تريليون يوان (15.2 تريليون دولار) في عام 2022، معظمه مستحق على حكومات المقاطعات المتعثرة.

ومع ذلك فإن إجمالي الدين الذي يبلغ 92 في المئة من ثاني أكبر اقتصاد في العالم أصغر من نظيره في اليابان أو الولايات المتحدة.

◙ الخوف من ارتفاع ديون القطاع العام هو أمر مضلل وغير ضروري والفشل في التحرك سيلحق الضرر بالاقتصاد الذي قد يستغرق إصلاحه سنوات

وقال كونجال غالا رئيس الأسواق الناشئة العالمية في بنك هيرميس الفيدرالي "تأمل السوق في بعض الحوافز الكبيرة التي ربما تعيد الصين إلى حيث بدأ كل شيء وإلقاء المزيد من الديون على المناطق التي تحتاج إلى أقل وليس أكثر".

ويتوقع غالا أن تجبر التحديات صناع السياسة على الإبداع في التحفيز، مثل مساعدة مطوري العقارات على استكمال المنازل التي بدأت بالفعل، وتغيير الطريقة التي تمول بها الحكومات المحلية نفسها وإيجاد طرق بديلة لتعزيز معنويات المستهلكين وثرواتهم.

ويرتبط العنصر الثاني في قائمة أمنيات المستثمرين بالأول، فإصلاح أزمة القطاع العقاري سيؤدي إلى تحسين الموارد المالية للحكومة المحلية وكذلك معنويات المستهلك في دولة حيث ملكية المنازل مقدسة.

ويقول يان وانغ كبير خبراء الأسواق الناشئة والاستراتيجي الصيني في ألبين ماكرو إن سياسات الإسكان قد خففت لكنها لا تزال غير محفزة، نظرا لارتفاع متطلبات الدفعة الأولى وحتى أسعار الفائدة وينبغي دعم البنوك التجارية لخفض معدلات الرهن العقاري.

ويرى المستثمرون أن التواصل لا يقل أهمية، فالصين في حاجة إلى أن تظهر من خلال الكلمات والأفعال أن المصالح التجارية الخاصة لن تقع فريسة لسعي الرئيس شي جينبينغ طويل الأمد لتحقيق "الرخاء المشترك".

ولم يعد المحللون في جانب البيع يمنحون الصين فائدة الشك حول تحقيق هدف النمو بنسبة 5 في المئة هذا العام لأن الافتقار إلى تدابير التحفيز الملموسة الآن يدفع العديد من مراقبي الصين إلى خفض تقديراتهم للنمو في السنوات القليلة المقبلة.

وقالت لورين تان مديرة أبحاث الأسهم في آسيا لدى مورنينغستار “لقد استندنا في افتراضاتنا على نمو الناتج الإجمالي الحقيقي للصين إلى متوسط بين 3 و4 في المئة حتى عام 2027 لأننا شعرنا أن مخاوف الحكومة بشأن الديون ستمنع توسعًا ماليًا أكثر قوة”.

10