"التحطيب".. لعبة من التراث المصري قانونها "الاحترام"

رغم قدمها في التاريخ وتطور الرياضات وتنوعها ما زالت لعبة التحطيب التي دونها الفراعنة في نقوشهم حية يمارسها المصريون بشغف وشجاعة في الموالد والمناسبات وينظم لها مهرجان في الأقصر حيث يقبل السياح على متابعة هذا الفولكلور.
القاهرة - من النقوش والجداريات الفرعونية القديمة.. أخذ المصريون لعبة “التحطيب”، فحولوها من نقوش على الجدران إلى نزالات في ساحة الميدان، فتطورت عبر السنين حتى باتت واحدة من أقدم الرياضات في التاريخ، بل أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" على قائمتها للتراث الثقافي غير المادي في 2016.
"التحطيب" يسمونه في صعيد مصر “غِيَّة الرجال”، فهو يحكي عن تراث شعبي يجسّد معنى الشجاعة والقوة لمن يمارسه، فهو عبارة عن مبارزة بين لاعبين يستخدمان عصي من الخيزران للتبارز والاستعراض فيما بينهما على أنغام “المزمار الصعيدي” في حلقة دائرية واسعة، يخطها المتفرجون بأجسادهم.
النقوش على جدران معبد “الكرنك” بمحافظة الأقصر الأثرية، تصور المصريين القدماء وهم يمارسون التحطيب، كنوع من التدريب للقتال وقت الحروب، وللتسلية في فترات السلم، باستخدام عصا مصنوعة من معجون ورق البردي، وبمرور العصور بات موروثا شعبيا توارثته الأجيال، وظل تقليدا أصيلا يساعد على التقارب والتماسك الاجتماعي يمارس في المناسبات الاجتماعية خاصة في محافظات الصعيد.
وللعبة قواعد ثابتة تحكمها ويحفظها الجميع عن ظهر قلب أهمها احترام الآخر والمنافسة الشريفة، تبدأ عادة بالمصافحة بين اللاعبين، وللأكبر سنا رفع العصا أولا، ثم يتبادل الطرفان تمرير العصا فوق رأسي بعضهما يمينا ويسارا كنوع من الاستعراض لا يخلو من التكتيكات القتالية، يعقبها النزال.
بعد ذلك، يحاول كل منهما النيل من الآخر بملامسة عصاه رأس أو جسم الخصم دون إلحاق الأذى به، فيما يتفنن الآخر في صدها والرد عليه، حيث يمكن تحقيق الفوز إما بلمسة واحدة نظيفة لرأس الخصم أو ثلاث لمسات لجسمه، ويتدخل الحكم بالفصل بين اللاعبين إذا أقدم أحدهما على اللعب بعنف.
وقال المعلم رضوان، شيخ لعبة التحطيب بالأقصر، إن اللعبة في الأساس مخصصة للدفاع عن النفس وكان قديما لا يسير الصعيدي في الطرقات أو الشوارع نهارا وليلا إلا بالعصا بين يديه لحماية نفسه من اللصوص وقطاع الطرق والحيوانات المفترسة في المزارع خلال مواسم الزراعة المختلفة.
◙ للعبة قواعد ثابتة تحكمها ويحفظها الجميع عن ظهر قلب أهمها احترام الآخر والمنافسة الشريفة وتبدأ عادة بالمصافحة بين اللاعبين
ويؤكد أن في حلقات المبارزة بالتحطيب يوجد نوعان من العصي، فهناك العصي الكبيرة الغليظة والتي تستخدم بصورة كبيرة في الأقصر وقنا وأسوان، والنوع الثاني العصا الخفيفة والتي يتم استخدامها في العروض الفنية لفرق قصور الثقافة وغيرها، حيث إن من القواعد أيضا أن تكون العصا بطول لا يزيد عن 150 سم، كما يتم تنظيم الحلقة في مساحة ما بين 20 و30 مترا والجميع يكوّن حلقة حولها بالكراسي والكنب الصعيدي.
وأشار صبري السوهاجي، وهو أحد مدربي رياضة التحطيب، إلى أنه "يُمارس كنوع من الفنون الشعبية وكرقصة استعراضية في المناسبات والأفراح، وكرياضة"، موضحا أن "رقص التحطيب يمكن أن يؤديه شخص واحد أو أكثر من شخص، وقد يصل عدد من يؤدونه إلى 20، أما كرياضة فيمارس في حلقة بين شخصين وأحيانا يزيد العدد عن ذلك". وأوضح أن "هدف تعلم هذه الرياضة هو الدفاع عن النفس، وتنفيس الطاقة لدى الشباب بشكل مفيد، فضلا عن تنشيط السياحة في الجانب الفلكلوري، كما أنها رياضة غير مكلفة".
وترتبط اللعبة ارتباطا وثيقا برياضة الفروسية على وجه التحديد إذ تقوم على التقاء فارس بفارس مما يجعلها تقترب أيضا في مظهرها العام من عوالم المنافسات الرياضية، إذ تمثل الرياضة مصدرا أولا لعناصر هذه اللعبة وعاملا فاعلا في طريق نشأتها ويحتاج الراقص أو لاعب العصا إلى قوة الرد وسرعة المبادرة عند النزول إلى حلقة التحطيب التي تتكون من فرقة للمزمار ولاعبين يمسك كل منهما بعصا.
ويقام مهرجان سنوي بمدينة الأقصر الأثرية خلال شهر ديسمبر من كل عام، ويقول رئيس المهرجان أحمد الشافعي، في تصريح لـ"واس"، إن المهرجان يتم تنظيمه سنويا برعاية وزارة الثقافة المصرية، في إطار الحفاظ على الموروث الشعبي للعبة التحطيب بجنوب مصر، وخصوصا بعد تسجيلها كإحدى أهم الألعاب التراثية ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي باليونسكو.
وأوضح الشافعي أن المهرجان يحظى بمشاركة واسعة من لاعبي التحطيب من 8 محافظات، مشيرا إلى أن فعاليات النسخة الرابعة عشرة للمهرجان ستعقد أمام معبد الأقصر في ديسمبر المقبل، مصحوبة بعروض لفرق الفنون الشعبية بكل محافظة وهو ما يلقى إقبالا من أهالي الصعيد والزائرين من السياح الأجانب.