التحديات التي تواجهها سوريا أعظم من تلك التي واجهتها ليبيا في عام 2011

يبدو مستقبل سوريا مرتبطا ارتباطًا وثيقًا بالديناميكيات الداخلية وبالمشهد الإقليمي، حيث تمارس دول مختلفة نفوذها وتسعى إلى تحقيق مصالح سياسية واقتصادية وأمنية مميزة. ويقدم المسار الليبي بعد ثورة 2011 عيوبا يمكن تلافيها في سوريا.
دمشق - يرى محللون أن المرحلة الانتقالية في سوريا تواجه تحديات أعظم من تلك التي واجهتها ليبيا في عام 2011، إلا أن المسار الليبي يقدم دروسا يمكن أن تساعد القادة السوريين الجدد في تجنب الانزلاق إلى الفوضى.
واحتفل السوريون بإسقاط نظام بشار الأسد، الذي لا تزال فظائعه تتكشف. لكن في خضم انتقال غير مؤكد، توجد نتائج محتملة كثيرة جدا بحيث لا يمكن التنبؤ بها.
وأعرب الساسة في المنطقة وخارجها عن آمالهم في بروز سوريا جديدة، وإن كانوا يعبرون عن الحذر نظراً لتعقيد الوضع. كما قدموا تجارب من دول أخرى متأثرة بالصراع كقصة تحذيرية.
وعلى سبيل المثال، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي للبرلمان في التاسع من ديسمبر “نحن لا نريد أن تصبح سوريا مثل ليبيا… مقسمة وعرضة لمجموعات إرهابية مختلفة.”
تحديات أكبر
الانقسامات الاجتماعية والخلافات الطائفية في سوريا عام 2024 أعمق بكثير مما كانت عليه في ليبيا عام 2011
في الواقع يبدو حجم التحدي الذي تواجهه سوريا أكبر من ذلك الذي واجهته ليبيا في عام 2011. فقد أطيح بالزعيم الليبي معمر القذافي بعد أقل من عام من الصراع الذي كلف الآلاف من الأرواح. ولكن بعد وفاته، ظلت أغلب البنية الأساسية للبلاد على حالها.
وتأتي الثورة السورية بعد أكثر من عقد من الصراع الوحشي، الذي دمر الكثير من البنية التحتية للبلاد، وخلق أزمة لاجئين هائلة وشهد ارتفاع عدد القتلى إلى أكثر من 600 ألف.
ويرى تيم إيتون، زميل باحث أول في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد تشاتام هاوس، أن الانقسامات الاجتماعية والخلافات الطائفية أعمق بكثير في سوريا عام 2024 مما كانت عليه في ليبيا عام 2011.
ويضيف إيتون أن هناك فرقا كبيرا آخر يتمثل في بنية الاقتصاد السوري. ففي ظل العقوبات الثقيلة، أصبحت سوريا الأسد إلى حد كبير دولة مخدرات.
وفي سوريا تتركز البنية التحتية للنفط في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، لكن سوريا ليست دولة مصدرة رئيسية. وهذا يعني أنه لا توجد بنية تحتية وطنية واسعة النطاق حيث تكون لجميع الأطراف مصلحة اقتصادية مشتركة.
وعلى النقيض من ذلك، كانت السلطات المتنافسة في ليبيا تعلم أن اقتصاد بلادها يعتمد على البنية التحتية للنفط والغاز، وهو عامل شجع على تحقيق بعض الترابط.
عدم استتباب الأمن
المسار الليبي يقدم دروسا يمكن أن تساعد القادة السوريين الجدد في تجنب الانزلاق إلى الفوضى
ربما يكون التوازي الأكثر وضوحا بين ليبيا وسوريا هو المشهد الأمني. ففي كلا البلدين تسيطر مجموعة واسعة من الجماعات المسلحة على الأراضي. وقد قيل الكثير عن هيئة تحرير الشام ورحلة قائدها أحمد الشرع، من فرع القاعدة إلى زعيم وطني بحكم الأمر الواقع. لكن عليه الآن أن يتعامل مع مجموعة من الفصائل المسلحة ذات المصالح الراسخة والمتضاربة، من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا إلى قوات سوريا الديمقراطية الكردية.
وفي ليبيا فشلت الجهود الرامية إلى إخضاع مجموعة الجماعات المسلحة لسيطرة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية.
وبدلا من ذلك كان ما حدث هو العكس إلى حد كبير، فقد مارست الجماعات المسلحة نفوذا وسيطرة على مؤسسات الدولة، بدلا من مؤسسات الدولة التي كان من المفروض أن تكون هي المسيطرة.
وتقريبا كل الفصائل في ليبيا تابعة للدولة، ما يجعلها -من الناحية النظرية على الأقل- قوات نظامية.
ولكن سلاسل القيادة الأصلية المتنافسة لا تزال قائمة، ويتعاون القادة الأقوياء ويتنافسون مع المسؤولين في بيئة شديدة التحصين. ونتيجة لهذا، سعى المنافسون السياسيون بفاعلية إلى استرضاء الجماعات المسلحة من خلال توفير الموارد وتطوير التحالفات غير الرسمية.
وقد يجنب إعلان الشرع مؤخراً حل الفصائل المسلحة في سوريا ووضع المقاتلين تحت إشراف وزارة الدفاع مثل هذه النتيجة. ولكن هناك تساؤلات كبيرة حول كيفية تحقيق هدفه، وخاصة في ظل الافتقار إلى الإجماع بين الجماعات المتمردة المختلفة.
وإذا كان ما يحدث في ليبيا هو دليل على ذلك، فإن مثل هذه الجهود ستكون صعبة للغاية وقد تؤدي إلى إشعال الصراع بين الفصائل المتنافسة.
التدخل الخارجي

سوف تتأثر قيادة الشرع كثيرا أيضًا بموقف الدول الخارجية. ففي ليبيا، أقامت الجهات الفاعلة الأجنبية شراكات مع الفصائل ، الأمر الذي أحبط جهود الأمم المتحدة لإجراء انتخابات جديدة وأدى إلى إنشاء مراكز قوة متنافسة.
وطور الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر هيمنته في شرق ليبيا وجنوبها من خلال الدعم المكثف من دول مثل مصر وفي السنوات الأخيرة روسيا.
وحصل حفتر على هذا الدعم على الرغم من تهميشه من صفقة سياسية للأمم المتحدة في عام 2015، وهو ما يدل على أن الداعمين الخارجيين يمكنهم تنشيط حظوظ الفصائل المحلية. وفي الوقت نفسه طورت الفصائل في غرب ليبيا شراكات مع تركيا.
ويبدو الدرس المستفاد من ليبيا واضحا، فمن دون التوافق بين اللاعبين الخارجيين، قد تتعرض الاتفاقات الهشة بين الفصائل السورية للتقويض وإحباط الحكم الفعال.
وفي حين خفضت الجهات الفاعلة الخارجية مشاركتها في سوريا قبل الإطاحة بالأسد، فإن هذا الموقف قد يتغير ومن المرجح أن يتغير في منطقة تشتعل فيها صراعات متداخلة ومتعددة.
إن الدرس الأخير الذي يمكن تعلمه من ليبيا والذي قد يكون ذا صلة بسوريا هو العواقب المترتبة على الانفصال بين القيادة السياسية والجماعات المسلحة نفسها.