التجارب الطبية على الموتى إكلينيكيا في كفة ميزان العلم والأخلاق

توقعات بتحول جراحات زراعة الأعضاء إلى صناعة بقيمة 25 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
السبت 2024/04/13
أولى التجارب قوبلت بالشكوك والانتقادات

في حين يطمح العلماء للمزيد من التجارب على الموتى إكلينيكيا لمساعدتهم في مجال نقل الأعضاء من أنواع حيوانية إلى البشر على سبيل المثال، نظرا للمخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه التجارب بالنسبة للأحياء، يشكك أنصار الأخلاقيات المهنية في هذه التجارب وينتقدونها، معربين عن اعتقادهم أن هذه الفكرة تنطوي على استغلال عائلات هؤلاء الموتى.

سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) - في عام 2016 عندما أعلنت شركة “بيوكوارك” للأبحاث ومقرها بولاية فيلادلفيا الأميركية عن خطة لإعادة توليد الخلايا العصبية في أمخاخ أشخاص موتى دماغيا، قوبلت هذه الفكرة بعاصفة من الشكوك والانتقادات. وتساءلت الدوائر العلمية آنذاك بشأن جدوى هذه التجارب التي تهدف إلى حقن خلايا جذعية ومواد طبية في أجسام أشخاص حديثي الوفاة أو موتى دماغيا، فيما أعرب أنصار الأخلاقيات المهنية عن اعتقادهم أن هذه الفكرة تنطوي على استغلال عائلات هؤلاء الموتى.

ورغم توقف نشاط شركة “بيوكوارك” منذ ذلك الحين، فإن طبيبا من المشاركين في ذلك البحث المثير للجدل، ويدعى هيمانشو بانسال استمر في أبحاثه، وصرّح مؤخرا أنه يجري تجارب طبية في مستشفى خاص في مدينة رودرابور بالهند تتضمن بالأساس أشخاصا بالغين فارقوا الحياة في حوادث سيارات. وأشار إلى أن المرحلة الأولى من تجاربه شملت 20 حالة، فيما تضمنت المرحلة الثانية 11 حالة أخرى، وأن بعض هؤلاء الموتى ظهرت عليهم بوادر تجدد الإشارات الكهربائية في المخ، مؤكدا في تصريحات للموقع الإلكتروني “أندارك “المتخصص في الأبحاث الطبية أنه يعتزم مواصلة أبحاثه لتشمل حالات أخرى في المستقبل.

الموتى دماغيا مستودع أسرار للأطباء الراغبين في معرفة تأثير أدوية معينة تتعلق بعمليات زراعة الأعضاء

وفي السنوات الأخيرة، أجريت العديد من التجارب العلمية في مجال نقل الأعضاء من أنواع حيوانية إلى البشر، وقد جددت هذه الصيحة الطبية الاهتمام بشأن إمكانية إجراء تجارب من هذا النوع على أشخاص موتى دماغياً نظرا إلى المخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه التجارب بالنسبة إلى الأحياء. ويمكن الآن بفضل أجهزة التنفس الصناعي وغيرها من وسائل الطب الحديث الإبقاء على بعض الأعضاء الحيوية بالجسم مثل الكبد والكلى والقلب والنظام المناعي على قيد الحياة لعدة أيام بل لأسابيع بعد وفاة مخ المريض، وبالتالي، فإن هؤلاء الموتى دماغيا يعتبرون بمثابة مستودع أسرار بالنسبة إلى الأطباء والباحثين الذين يرغبون في معرفة تأثير أدوية معينة تتعلق بعمليات زراعة الأعضاء وكذلك استجابة الجسم البشري لهذه النوعية من الجراحات.

غير أن جراحات زراعة الأعضاء بين الأنواع الحية التي من المتوقع أن تتحول إلى صناعة بقيمة 25 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة أثارت تساؤلات بشأن التحديات التي تمثلها هذه النوعية من التجارب على منظومات الرعاية الصحية وأسر هؤلاء الأشخاص الموتى إكلينيكيا.

ويقول بريندن بيرنت خبير أخلاقيات علم الأحياء بجامعة نيويورك الأميركية إن “الحقوق التي يتمتع بها البشر الذين مازالوا على قيد الحياة لا تسري في حالة الموتى إكلينيكيا”، مشيرا في تصريحات لموقع “أندارك” إلى أنه في دول مثل الولايات المتحدة وغيرها، فإن التجارب على هذه الفئة من المرضى لا تخضع للضوابط المنظمة للتجارب العلمية على الأحياء، ولا على الاختبارات التي تجرى على الأنسجة والخلايا البشرية، مؤكدا أن هذه هي الثغرة القانونية التي يستغلها بعض الأطباء والباحثين لإجراء تجارب يرى الكثير من الخبراء أنها تتنافى مع الأخلاقيات.

كما أن غياب هذه الضوابط يؤدي إلى تعقيد الأمور بالنسبة إلى المجموعات البحثية التي تريد مراعاة البعد الأخلاقي والحصول على الموافقات اللازمة، ولكنها لا تعرف كيفية ولا طريقة الحصول عليها.

ويرى الكثير من الباحثين أن الوقت قد حان لاستبدال القواعد والضوابط المعمول بها حالياً وذلك بتوفير منظومة أكثر صرامة للإشراف على هذه النوعية من التجارب. وفي هذا الصدد، يقول بيرنت “الموتى ليست لهم أصوات ولا يوجد من يتحدث باسمهم ومن المعتقد أن مفهوم إجراء تجارب طبية خطيرة على أشخاص موتى دماغيا تعود إلى مطلع السبعينات من القرن الماضي بعد ظهور النماذج الأولية من أجهزة التنفس الصناعي”.

التجارب الطبية مهمة في مجال زراعة الأعضاء
التجارب الطبية مهمة في مجال زراعة الأعضاء

وذكر بيرنت خبير أخلاقيات علم الأحياء أن هذه الفكرة بدأت تكتسب الزخم خلال الثمانينات من القرن الماضي. وتقول ريبيكا بينتز خبيرة الأخلاقيات الطبية في مركز “إم دي أندرسون لأبحاث السرطان” بجامعة تكساس الأميركية إنه في مطلع عام 2000، تواصل معها فريق بحثي متخصص في طب الفايروسات وعلاج الأورام بشأن مدى إمكانية سحب 15 عينة من مريض متوفى إكلينيكيا خلال 24 ساعة لقياس مدى الاستجابة لتقنية جديدة لعلاج السرطان. ونقل موقع “أندارك” عن بينتز التي تعمل الآن بوظيفة أستاذ بكلية طب جامعة إيموري الأميركية قولها مؤخرا “ليس من الممكن إجراء هذه التجربة على شخص على قيد الحياة، فهي عملية شرسة للغاية”.

وتقول بينتز إن الضوابط الفيدرالية الأميركية لا تتضمن محددات كافية لمثل هذه النوعية من التجارب، مشيرة إلى أن القانون الاتحادي لحماية البشر، المعروف أيضا باسم القانون العام، يتضمن فقرات لحماية الأحياء الذين يشاركون في التجارب العلمية، ولكنه لا يسري على الأشخاص الذين أعلنت وفاتهم دماغيا، وبالتالي فإن هذه التجارب لا تخضع لولاية المجالس الطبية الإشرافية التي يمكنها تحديد إجراء اختبارات طبية معينة دون غيرها، نظرا إلى أن اختصاص هذه السلطات يسري في الأساس على المتطوعين الأحياء.

وترى باربرا بارنز رئيس اللجنة الإشرافية على الأبحاث والتدريبات الإكلينيكية بجامعة بيتسبرج الأميركية أن مصطلح “العناصر الموتى دماغيا” هو مصطلح مطاط في حد ذاته، مضيفة أن “هذه القضية يتعين التفكير فيها ملياً من منظور مستقبلي، فإن اختيار الشخص المؤهل لهذا النوع من التجارب بالقطع مسألة شائكة، ولا يجب التعجل في صياغة الإجراءات والخطوات المنظمة لهذه التجارب”.

وفي 2016، حصلت شركة أميركية على “الإذن الأخلاقي” اللازم لإجراء تجارب طبية يرمي الباحثون من خلالها إلى إيجاد طريقة علمية لإحياء أدمغة الموتى وبعث أصحابها من جديد.

فقد منحت المعاهد القومية للصحة الأميركية شركة “بيوكوارك” المتخصصة في مجال التكنولوجيا الحيوية ما يسمى بـ”الإذن الأخلاقي” للمضي قدما في مشروع يشمل 20 مريضا أعلنت وفاتهم سريريا جراء السكتة الدماغية.

وتهدف الدراسة إلى معرفة مدى إمكانية إعادة الموتى إلى الحياة، حيث ستشمل التجارب استخدام إجراءات علاجية في محاولة لإحياء الأدمغة التي لا تزال على قيد الحياة بحقنها بالخلايا الجذعية، وحقن النخاع الشوكي بمجموعة من الببتيدات، وهي سلسلة من الأحماض الأمينية، فضلا عن استخدام الليزر وغير ذلك من تقنيات لتحفيز الدماغ.

البحوث مستمرة

ويأمل الباحثون في أن تتمكن الخلايا الجذعية من “إعادة تشغيل” خلايا الدماغ في محاكاة لعملية تجديد بعض الأطراف المفقودة لدى أنواع معينة من الزواحف والكائنات البحرية.

وستتم متابعة الموتى الخاضعين للدراسة من قبل عدد من الأطباء، فيما يأمل الدكتور إيرا باستور المدير التنفيذي لشركة “بيوكوارك” في أن يستطيع تقديم نتائج الدراسات الأولى في هذا المضمار في غضون شهرين أو ثلاثة.

وحصل العلماء في الولايات المتحدة على التصريح لإجراء التجارب التي يمكن أن تعيد الموتى إلى الحياة مرة أخرى.

وسوف تستخدم الاختبارات الأولية للعلماء مجموعة من التقنيات على 20 شخصاً؛ لمعرفة إذا ما كانت ستظهر عليهم أيّ علامات على التجديد أو عكس عملية الموت الدماغي، وتأمل مجموعة العلماء، التي تقف خلف هذه الاختبارات، في أن تكون هي المجموعة الرائدة للتوصل إلى طرق لإبقاء الناس على قيد الحياة، بعد أن يصدر القرار الطبي بالموت الدماغي، عبر إعادة نمو الدماغ، ومساعدتهم في التغلب على هذه الصدمة.

والشركة التي تقف وراء هذه الاختبارات الفريدة من نوعها، أشارت إلى أن البشر لا يملكون حالياً أيّ طريقة لتجديد أدمغتهم بعكس بعض الكائنات الحية الأخرى. فبعض البرمائيات والأسماك تملك القدرة على التجديد، ثم إعادة تنظيم أجزاء كبيرة من أدمغتها، حتى بعد تعرضها لصدمات يمكن أن تهدد حياتها.

وحتى لو لم تساعد هذه الطرق والوسائل على إعادة الناس الذين ماتت أدمغتهم إلى الحياة، فإن العلماء يأملون في أن نفس العمل يمكن أن يساعد الناس الموجودين في غيبوبة، أو الذين يعانون من أمراض انتكاسية (أمراض تحللية، تتحلل فيها الأعضاء الهامة، مما يؤدي إلى الوفاة لاحقاً)، مثل مرض الزهايمر ومرض الشلل الرعاش.

16