التاريخ يُعيد نفسه: طالبان تغنم الأسلحة الأميركية كما فعل "داعش" بالعراق

كابول - مع استمرار تقدم طالبان ميدانياً في أفغانستان يواصل مقاتلوها غنم الأسلحة الأميركية ما يمكنهم من ترسانة هائلة لم تنفق عليها فلسا واحدا في تكرار لسيناريو آخر شهدته الولايات المتحدة في العراق، حيث استولى تنظيم الدولة الإسلامية في 2014 على المعدات العسكرية الأميركية.
وكانت الولايات المتحدة قد أنفقت خلال عشرين عاماً مئات المليارات من الدولارات لتدريب الجيش الأفغاني وتجهيزه، لكن ذلك لم يمنع القوات الأفغانية من الانهيار أمام هجوم طالبان التي تمكنت من الاستيلاء على الأسلحة الأميركية.
وفي يوليو الماضي قال الرئيس الأميركي جو بايدن “لقد قدّمنا لشركائنا الأفغان كل الأدوات، دعوني أشدد على ذلك، كل الأدوات” أثناء دفاعه عن قراره سحب ما تبقى من القوات الأميركية من البلاد وترك الأفغان يقاتلون من أجل مستقبلهم.
إلا أن عناصر قوات الأمن الأفغانية لم يبدوا رغبة كبيرة في القتال، فقد ألقى الآلاف منهم أسلحتهم أحياناً بدون أدنى مقاومة. وسارع متمردو طالبان من جانبهم إلى وضع أيديهم على هذه “الأدوات”.

رافايلو بانتوتشي: التسلح سيساعد طالبان على الوصول إلى كابول وتعزيز سلطتها بالمدن
وتنتشر بشكل واسع على مواقع إلكترونية موالية لطالبان مقاطع فيديو تُظهر مقاتلين من الحركة يصادرون شحنة أسلحة هنا أو هناك، ومعظمها مقدّم من قوى غربية.
وأظهرت صور أخرى جنودا يستسلمون أمام مقاتلي طالبان في مدينة قندوز في شمال شرق البلاد، وآليات مصفّحة ومجهّزة بقاذفات صواريخ بين أيدي المتمردين.
وفي مدينة فرح الغربية يسيّر مقاتلون دوريات في الشوارع على متن آلية رُسم عليها نسر يهاجم أفعى، وهي الشارة الرسمية لأجهزة الاستخبارات الأفغانية.
وتؤكد جوستين فليشنر من مؤسسة بحوث التسلح أثناء النزاعات (كونفليكت أرمامنت ريسرتش) أنه “رغم أن القوات الأميركية أخذت معها أثناء انسحابها المعدّات التي تُعدّ متطوّرة، إلا أن متمردي طالبان استحوذوا على مركبات وآليات هامفي وأسلحة خفيفة وذخيرة”.
ويرى الخبراء أن هذه الغنيمة غير المتوقعة ساعدت إلى حدّ بعيد متمردي طالبان الذين بإمكانهم أيضاً الاعتماد على مصادرهم الخاصة للحصول على أسلحة، حيث تُتهم باكستان خصوصاً بتمويل مقاتلي طالبان وتسليحهم، الأمر الذي نفته على الدوام.
ويعتبر الخبير في كلية أس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة رافايلو بانتوتشي أن هذا التسلح لن يساعد متمردي طالبان في الوصول إلى كابول فحسب، إنما كذلك في “تعزيز سلطتهم” في المدن التي سيطروا عليها.
ومع الانسحاب شبه الكامل للقوات الأميركية يجد متمردو طالبان أنفسهم يملكون عدداً كبيراً من المعدّات الأميركية.
وأضاف بانتوتشي “إنه أمر خطير للغاية. من الواضح أنها نعمة سقطت عليهم”.
وقبل أسابيع من الذكرى العشرين لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تعرض طالبان بزهو هذه الترسانة وتواصل بحسب الأمم المتحدة إقامة روابط وثيقة مع تنظيم القاعدة الذي يقف خلف هذه الاعتداءات.
ويوضح جايسون أمريني وهو عنصر سابق في القوات الأميركية الخاصة شارك في غزو أفغانستان عام 2001 لطرد طالبان من الحكم، أن الأميركيين كانوا مستعدّين لفكرة أن مقاتلي طالبان سيستحوذون على بعض الأسلحة، لكن سقوط المدن بشكل سريع في أيدي المتمردين كان السيناريو الأكثر تشاؤماً بالنسبة إليهم.
ويقول “الولايات المتحدة جهّزت الجيش الوطني الأفغاني مفترضةً أن الأسلحة والمعدات يمكن أن تقع في أيدي طالبان”، مضيفاً “الأزمة الحالية كانت السيناريو الأسوأ عندما اتُخذت قرارات شراء المعدات”.
وتعمل طالبان على القيام بدعاية هائلة بعد الاستيلاء على تلك الأسلحة.
وفي مطار قندوز ظهر عنصر من طالبان في فيديو على متن دراجة نارية حمراء اللون أثناء مشاهدته مروحية عسكرية على مدرج قريب.
ويمكن ملاحظة مشهد الابتهاج نفسه في كافة الأراضي التي سيطرت عليها الحركة، لكن إذا واصلت إظهار هذه المشاهد لإثارة حماسة مقاتليها، فلن تتمكن من استخدام هذه المروحية بدون طيار في ساحة المعركة.
ويشير المحلل السابق في مجال مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات الأميركية “سي.آي.أي” أكي بيريتز إلى أن “ذلك سيكون لأغراض دعائية فقط”، فالأسلحة الخفيفة أكثر فائدة على غرار الآليات التي ستسهّل التنقلات في هذه الأراضي الوعرة. وستعزز هذه المعدّات إضافة إلى تراجع معنويات الجيش الأفغاني التهديد الذي تمثله طالبان.
ورغم ذلك أكدت إدارة بايدن أنها ستواصل تجهيز الجيش الأفغاني الذي يوشك على الانهيار.
وأعاد استيلاء طالبان على الأسلحة الأميركية إلى الأذهان ما حدث في العراق في وقت سابق.
فبعد انسحاب القوات الأميركية من العراق سيطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة الموصل منتصف العام 2014، واستولى على أسلحة وآليات هامفي أميركية. واستخدم التنظيم هذه المعدات بعد ذلك لإعلان الخلافة الإسلامية في العراق وسوريا.
وعلى غرار مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، يقف مجنّدو طالبان لالتقاط صور مبتسمين وهم يحملون ذخائر استولوا عليها في المدن التي سيطروا عليها في كافة أنحاء أفغانستان.
ويقول بيريتز إن “هذا الانسحاب يتحوّل إلى هزيمة”.
ويواجه بايدن انتقادات لاذعة بشأن المكاسب الميدانية السريعة التي تُحققها طالبان.
وقال زعيم الجمهوريين في مجلس النواب كيفن مكارثي إن إدارة بايدن “سلّمت كما كان متوقعا دولة بأكملها إلى الإرهابيين”.
ومع أنه اعترف ببعض التحفظ بأن الرئيس السابق دونالد ترامب هو من أطلق الانسحاب بعد عشرين عامًا من الحرب، اتهم الرئيس الديموقراطي بتسريع الأزمة عبر “إفشال” هذه العملية.