البيوت التراثية في العراق من معالم مهملة إلى منارات ثقافية

تكتسب البيوت التراثية في العراق أهمية كبيرة لما تحمله من دلالات واعتبارات حضارية واجتماعية لأنها كانت شاهدة على الأحداث التي أثرت في حياة العراقيين، لكنها أهملت قبل أن تقرر وزارة الثقافة تحويلها إلى مراكز ثقافية للمعارف والندوات والفنون.
بغداد – قررت وزارة الثقافة العراقية تخصيص بعض البيوت التراثية لمنظمات ثقافية وتحويلها إلى مراكز للثقافة. وأثارت الخطوة ارتياحا كبيرا بين الأوساط الثقافية والشعبية، التي اعتبرت أنها تساهم في تعزيز الوعي لدى العراقيين الذين عانوا كثيرا من ويلات الحروب والعنف.
وتنتشر في بغداد المئات من البيوت التراثية القديمة التي مضت عليها مئات السنين وخاصة بالمنطقة المحصورة بين نهر دجلة من الغرب والباب الشرقي جنوبا وباب المعظم شمالا بمنطقة الرصافة (الجانب الشرقي من بغداد)، فضلا عن أماكن أخرى مثل الكاظمية والأعظمية وغيرهما.
وخصصت وزارة الثقافة أخيرا دار الوالي، التي كانت مقرا للوالي العثماني، للموسيقار العراقي الشهير نصير شمة لتكون مقرا لمؤسسة بيت العود.
وقال وزير الثقافة السابق حسن ناظم “إن وزارتنا تعمل على أن يكون هذا المكان التاريخي فرعا لبيت العود في بغداد للفنان نصير شمة، ولكي يتحول هذا المكان المهمل على مدار سنوات طويلة إلى مقر لهذه المؤسسة الفنية المهمة تستضيف فيه العشرات من الفنانين والمثقفين، ليكون مركزا ثقافيا للمعارف والندوات ونشر الثقافة”.
وتعد دار الوالي معلما تراثيا من معالم بغداد، وبنيت قبل أكثر من 200 سنة على الطراز البغدادي، وكانت مقرا للولاة العثمانيين ثم تحولت إلى مقر للحكومة العراقية في أول تشكيلها.
وقال حاكم الشمري المتحدث باسم الهيئة العامة للآثار والتراث بوزارة الثقافة لوكالة أنباء شينخوا “تسعى الهيئة لصيانة البيوت التراثية وحمايتها رغم الصعوبات بسبب وجود تخصيصات مالية لذلك”.
وأضاف “يتم تخصيص هذه البيوت التراثية بعد صيانتها وتحويلها إلى مراكز ثقافية لإشاعة الثقافة والفنون سواء كانت تشكيلا أو فنا أو مسرحا أو كل ما يتعلق بالفنون بشكل عام”.
وأفاد الشمري بوجود توجيه من قبل وزارة الثقافة بصيانة هذه البيوت التراثية وإعطائها للمنظمات غير الحكومية أو الشخصيات الثقافية لغرض جعلها مراكز ثقافية مهمة بهدف الحفاظ عليها ولكي تكون نواة لإشاعة الثقافة بشكل عام.
وأكد استمرار الهيئة في عملية الصيانة لهذه البيوت في بغداد، فضلا عن بقية المحافظات الأخرى، مبينا أن الهيئة مستمرة أيضا بصيانة القلاع والخانات والمقاهي والأماكن التي مضت على إنشائها مئات السنين سواء في بغداد أو المحافظات.
وتوجد في أحياء بغداد وخاصة القديمة منها مئات من البيوت التراثية القديمة، بعضها شهد خلال السنوات الأخيرة عمليات هدم وإعادة بناء.
ولدى الهيئة في بغداد وحدها أكثر من 250 بيتا تراثيا، فضلا عن امتلاك أمانة بغداد للعديد منها.
وبموجب القانون فإن البيت التراثي هو البيت الذي مضى على بنائه أكثر من 100 سنة ووفق الطراز البغدادي وله أهمية تاريخية أو سياسية للشخصيات التي كانت تشغله أو تملكه وشاركت في صنع تاريخ العراق الحديث.
بدوره أشاد ستار محسن علي صاحب دار سطور للنشر والتوزيع بخطوة وزارة الثقافة بتخصيص بعض البيوت التراثية لشخصيات ثقافية أو مؤسسات ثقافية مستقلة، معتبرا ذلك بأنه يساهم في نشر الثقافة والمحبة والسلام.
وقال علي “إن الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الثقافة هي خطوة مباركة، وأتمنى أن تتوسع هذه التجربة لتشمل الفعاليات الثقافية الأخرى”.
ووصف علي اهتمام وزارة الثقافة بالبيوت التراثية بأنه خطوة جيدة وتحظى باهتمام شعبي وتأييد المؤسسات الثقافية الحكومية والشعبية.
وتابع “حسنا فعلت وزارة الثقافة بتخصيص بيوت تراثية لأنشطة ثقافية”، مضيفا أن “الاهتمام بالموسيقى والفن التشكيلي والمسرح والسينما ساهم في نضج الوعي وتطوير الثقافة”.
وأعرب عن أمنياته بأن تكرر وزارة الثقافة مثل هذه الخطوات لاستثمار هذه الأماكن وتحويلها إلى مناطق سياحية وثقافية تجذب السائحين.
ورغم أهمية خطوة وزارة الثقافة إلا أن الرسام وسام الأسمر اعتبرها متأخرة، داعيا الوزارة إلى تخصيص كل البيوت التراثية لمؤسسات وشخصيات تهتم بنشر الثقافة السلام والمحبة والتنوير بدلا من ثقافة العنف والحروب التي عانى منها الشعب العراقي على مدى عقود.
وقال الأسمر “هناك العديد من البيوت التراثية ما تزال مهملة ولم تتم صيانتها، وبعضها تسيطر عليه بعض الجهات، وأنا كمثقف ومهتم بالثقافة أطالب الوزارة بإخلاء كل هذه البيوت، وترميمها وجعلها مراكز ثقافية تنشر الثقافة والمحبة السلام بين العراقيين الذين تعبوا كثيرا من ويلات الحروب”. وأضاف “لو كانت هذه البيوت في مدينة أخرى من العالم لتحولت جميعها إلى مراكز ثقافية وتنويرية وسياحية توفر فرص العمل للعاطلين وتجذب السياح من مختلف العالم”.