البنوك لا الرصاص: جبهة حرب جديدة تنفتح في ليبيا

طرابلس - يخوض المقاتلون السابقون في الحرب الأهلية الليبية الآن حرب مال وموارد على ثروات البلاد الهائلة، لكن الولايات المتحدة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لا يزال بإمكانهما ممارسة نفوذ أكبر على اللاعبين الآخرين إذا اختاروا ذلك.
وتواصل ليبيا الانزلاق إلى الفوضى مع استمرار الصراع على مستقبل المصرف المركزي بعدما فر الصديق الكبير، محافظ المصرف الذي خدم لفترة طويلة، من البلاد بسبب التهديدات ضده وموظفيه وتوقفت عمليات البنك، مما يهدد النظام المالي داخل البلاد والثقة الدولية بالبنك نفسه.
ويقول بن فيشمان، وهو زميل ستيفن د. ليفي في برنامج ليندا وتوني روبين للسياسة العربية، في تقرير نشره معهد واشنطن إنه بدلاً من حرب أهلية أخرى مع الجماعات المسلحة، تُخاض هذه الحرب على ثروة ليبيا الكبيرة، وخاصة السيطرة على المصرف المركزي وإنتاج النفط.
وعلى نطاق أوسع، دفعت الطبقة القيادية غير الشرعية في البلاد ليبيا إلى المزيد من الفوضى لتحقيق مكاسبها الخاصة. ويرى فيشمان أنه دون تدخل دولي قوي قادر على استغلال الكارثة المالية الحالية فإن البيئة السياسية في ليبيا سوف تتدهور أكثر، حتى لو تم حل الأزمة المصرفية المباشرة مؤقتا.
إن أحدث مبادرة برعاية الأمم المتحدة والتي أُعلن عنها في الثاني من سبتمبر تتطلب بعض الخلفية حول تطور المؤسسات السياسية في ليبيا. فالاتفاق المزعوم بشأن مستقبل المصرف المركزي هو بين مجلس النواب المنتخب في عام 2014 والمجلس الأعلى للدولة الذي تشكل كجزء من الاتفاق السياسي الليبي في عام 2015 من جهة، والمجلس الرئاسي من جهة أخرى. وهذه صياغة غير عادية لأن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لم يتفقا قط. ويبدو أنهما اتفقا الآن على ترتيب انتقالي بديل بعد رحيل الكبير.
ونشأ المجلس الرئاسي من منتدى الحوار السياسي الليبي لعام 2021 بعد الحرب الأهلية في الفترة 2019 – 2020. وكان المجلس الرئاسي المكون من ثلاثة أعضاء غير مؤثر بشكل أساسي، حيث تنازل عن معظم سلطته الاسمية لحكومة الوحدة الوطنية ورئيس وزرائها عبدالحميد الدبيبة، الذي يتولى منصبه بعد أكثر من عامين من انتهاء ولايته.
السياسة غير الوظيفية
وكان الخلاف بين الدبيبة والكبير بسبب الإنفاق، وهو ما أشعل فتيل الأزمة الأخيرة. فقد أطاح المجلس الرئاسي بالكبير، مستشهداً بحقه الدستوري، وهو ادعاء قانوني مشكوك فيه تم الطعن فيه على الفور.
ثم عين المجلس محافظاً جديداً، عبدالفتاح عبدالغفار. وقد غردت هذه النسخة من مصرف ليبيا المركزي في الثاني من سبتمبر بأن وظائفه “عادت إلى العمل كالمعتاد”. وفي مؤتمر صحفي عقد قبل يومين، تعهد عبدالغفار “بالشفافية والإفصاح للسلطات الإشرافية المتعلقة بالبنك ولن يخفي… البيانات”.
ورغم أن مصرف ليبيا المركزي الجديد يسيطر الآن على المبنى المادي فمن غير المرجح أن تعود العلاقات الدولية للبنك إلى طبيعتها في غياب حل متفق عليه دولياً للأزمة المصرفية. وربما يكون قادراً على دفع رواتب غالبية الليبيين في القطاع العام بالدينار، ولكن الدينار سوف يستمر في الانزلاق مع بقاء النظام المصرفي معلقاً في الميزان.
وعلى مر السنين، تم إحباط أيّ اتفاق ليبي محتمل إما من قبل قائد الجيش الوطني الليبي المتمركز في الشرق، المشير خليفة حفتر، أو المفسدين الدوليين أو كليهما.
وخلال الجولات العديدة من التفاوض على الاتفاق السياسي الليبي، وجد حفتر دائمًا طريقة لقول لا. ومن المؤكد أن نظراءه في الغرب لم يكونوا أبرياء، لكن مطاردة حفتر أثبتت أنها عديمة الجدوى، كما ثبت بشكل صارخ عندما هاجم طرابلس في عام 2019. وعندما تم التخطيط للانتخابات في ديسمبر 2021، كان ترشيح حفتر أحد العوائق الرئيسية لتأجيلها إلى أجل غير مسمى.
دعمت مصر حفتر طوال الوقت، بينما أنقذت تركيا طرابلس في عام 2020. لكن اليوم، فإن التحالف الأكثر تهديدًا لحفتر هو مع روسيا، التي لن تدع بالتأكيد معركة الثروة الليبية تذهب سدى وهذا يشمل بالتأكيد اللعب بإنتاج النفط الليبي.
وفي أوائل أغسطس، أغلق صدام حفتر، ابن خليفة حفتر، حقل الشرارة في جنوب غرب ليبيا ليتقلص الإنتاج إلى 300 ألف برميل يوميًا من أصل ما يقرب من 1.3 مليون برميل يوميًا تم الإبلاغ عنها في أواخر يوليو، وفقًا للمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا.
وبحلول 24 أغسطس، انخفض الإنتاج مرة أخرى إلى أقل من 600 ألف برميل يوميًا، وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة في العديد من الحقول، التي أغلق حفتر معظمها لتأسيس نفوذ على المنافسة على المصرف المركزي الليبي.
وانخفض الإنتاج إلى 300 ألف برميل يوميًا، مع تشغيل حقل الواحة الواقع في أقصى الغرب فقط بشكل مستمر. واستأنفت شركة الخليج العربي للنفط الإنتاج بمقدار 140 ألف برميل يوميا، ولكن في الغالب لمصافي التكرير المحلية لتغذية شبكة الكهرباء المحلية، وليس للصادرات.
وبمجرد أن أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة، ارتفعت أسعار النفط العالمية بنسبة 2 و3 في المئة. واستقرت الأسعار منذ ذلك الحين بسبب عوامل أخرى، مثل الزيادة المخطط لها في الإنتاج من قبل أوبك+ وانخفاض الطلب الصيني، لكن تقلبات ليبيا تشير إلى كيف ستستمر الاختلافات في إنتاجها في التأثير بشكل كبير على سعر النفط.
وتقدر إحدى شركات تحليل الطاقة أن الإنتاج الليبي قد يستقر ما بين 300 ألف و400 ألف برميل يوميا إذا ظل حقل الواحة مفتوحا، حتى لو تم خفض الإنتاج واستمرت الحقول التي تديرها شركة الخليج العربي للنفط في العمل. ويعتقد خبراء آخرون أكثر تفاؤلا أن الأزمة ستحل نفسها بسرعة.
النفوذ الدولي
تقوم محطات النفط الحالية بتفريغ الطاقة الاحتياطية من التخزين الزائد، لكن هذا سيتوقف قريبًا، وبالتالي فإن التأثير الفعلي للتوقفات سيظهر قريبًا. وفي كلتا الحالتين، لن تكون عملية استئناف حقول النفط فورية.
وعلى النقيض من المفاوضات السياسية السابقة في ليبيا، حيث فشلت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون في الضغط بشكل كاف على الأطراف الليبية والدولية التي منعت استقرار ليبيا، فإن واشنطن لديها الآن نفوذ كبير لمعالجة الأزمة بشأن المصرف المركزي.
وعقدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا منتدى تفاوضيا لحل الأزمة بشأن مصرف ليبيا المركزي. ولدعم هذه المفاوضات، يمكن للولايات المتحدة أن تهدد البنوك بعدم التعامل مع مصرف ليبيا المركزي حتى يتم حل مقبول وشفاف.
ولأن البنوك الكبرى أوقفت المعاملات بالدولار مع مصرف ليبيا المركزي، فإن دعم الولايات المتحدة للعملية التي تقودها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يجب أن يكون له وزن كبير أكثر بكثير مما يمكن للمفسدين التقليديين أن يفعلوه.
وفي اقتراح أكثر تطرفًا، يمكن للولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين استخدام نفس التكتيك لحل النزاع طويل الأمد حول تشكيل حكومة تكنوقراطية جديدة للمساعدة في استقرار البلاد.
وستواجه مثل هذه الحكومة تهديدات من الجماعات المسلحة، ولكن إذا حُرمت هذه الجماعات من الأموال، فقد تستسلم. وقد يؤدّي ذلك أيضًا إلى توفير الوقت والمساحة لتشكيل تحالفات ليبية بديلة من السكان واستبدال النخبة السياسية التي تعاملت لفترة طويلة مع ليبيا وكأنها حسابات مصرفية شخصية لها.