البنك الدولي يحذر: أزمة التّعلم في جوهرها أزمة تعليم

حذر البنك الدولي من أن العالم اليوم خاصة في الدول النامية والمنطقة العربية يعاني أزمة تعلم، ففي حين تمكنت بعض البلدان من زيادة فرص الحصول على التعليم زيادة كبيرة فإن الالتحاق بالمدرسة لا يعني التعلم في دول أخرى، حيث يصل مئات الملايين من الأطفال إلى سن البلوغ من دون أن يكتسبوا مهارات أساسية.
لندن - يجمع خبراء على تردي واقع التعليم في العالم النامي وفي المنطقة العربية بصفة خاصة حيث تصطدم جهود إصلاح منظومة التعليم في تونس ومصر مثلا بمتغيرات المشهد السياسي بعد 2011 وما رافقه من احتجاجات نقابية أثرت على سير الدروس وفاقمت أزمة القطاع، ونتيجة لهذا الواقع تراجعت عملية التعلم لدى العديد من الأطفال في ظل انشغال المدرسين بمتاعب مهنية أخرى.
وتظهر أحدث البحوث التي أجراها البنك الدولي أن إنتاجية 56 بالمئة من أطفال العالم عندما يكبرون ستكون أقل من نصف ما يمكنهم تحقيقه إذا تمتعوا بقدر كامل من التعليم والصحة الجيدة. ويكمن أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار أزمة التعلم في أنه لا تتوفر لدى العديد من نظم التعليم في جميع أنحاء البلدان النامية سوى القليل من المعلومات عمن يتعلم ومن لا يتعلم.
ونتيجة لذلك يبدوا ضروريا أن تقوم المدارس والمعلمون بإعداد الطلاب بما هو أكثر من المهارات الأساسية للقراءة والكتابة. وينبغي للطلاب أن يكونوا قادرين على تفسير المعلومات، وصياغة الآراء، والإبداع، والتواصل الجيد والتمتع بالمرونة.
وحذر البنك الدولي في تقريره الأخير الذي رصد أبرز تحديات المنظومة التعليمية في العالم من أن هناك مجموعة متزايدة من الشواهد تؤكد أن أزمة التعلم هي في جوهرها أزمة تعليم، ولكي يتعلم الطلاب فإنهم بحاجة إلى معلمين أكفاء، بيد أن العديد من نظم التعليم لا تبدي اهتماما كثيرا بما يعرفه المعلمون وما الذي يفعلونه داخل الفصول وفي بعض الحالات إذا كانوا يحضرون إلى عملهم أو لا.
ومن حسن حظ الكثير من الطلاب، في كل بلد، فإن هناك معلمين متفانين ومتحمسين لا يدخرون جهدا في إثراء حياة هؤلاء الطلاب ويحدثون تحولا فيها على الرغم من كل التحديات.
إنتاجية 56 بالمئة من أطفال العالم عندما يكبرون ستكون أقل من نصف ما يمكنهم تحقيقه إذا تمتعوا بقدر كامل من التعليم والصحة الجيدة
وبالنظر إلى الدور الأساسي الذي يلعبونه، تتطلب مواجهة أزمة التعلم حسب خايمي سافيدرا المدير الأول لقطاع الممارسات العالمية للتعليم بالبنك الدولي “دعم المدرسين الذين يعدون المحرك الأكثر أهمية لحجم ما يتعلمه الطلاب في المدرسة”.
ففي مجموعة مدارس وادي الذهب في القنيطرة بالمغرب في فصل دراسي يزهو بالألوان لونته بنفسها، استخدمت متعلمة متفانية أدوات إبداعية للتأكد من أن كل طفل يتعلم ويشارك ويمرح. وفي فصلها، تربط كل حرف في الأبجدية بصوت حيوان وحركة يد. وفي أثناء الدرس تقول كلمة واحدة، وتوضح حروفها بصوت عال باستخدام الأصوات والحركة، ثم يكتب التلاميذ تلك الكلمة.
ومن ثم، يمكنها بسهولة تحديد التلاميذ الذين يجدون صعوبة في المادة وتعديل وتيرة الدرس لمساعدتهم على مواكبة زملائهم. ويشارك الأطفال في هذا الأداء وينتبهون إليه. وهم يشاركون دون خوف من ارتكاب الأخطاء. وهذه معلمة تريد التأكد من أن جميع الأطفال يتعلمون..
ولدعم البلدان في إصلاح مهنة التدريس، يطلق البنك الدولي منصة “معلمون ناجحون، طلاب ناجحون”. وتسعى هذه المنصة العالمية للمعلمين إلى التصدي للتحديات الرئيسية لجعل جميع المعلمين فاعلين، مما يجعل التدريس مهنة محترمة وجذابة لها سياسات فاعلة للموظفين،
وتستلزم الإصلاحات الناجحة لنظم التعليم تصميما جيدا للسياسات والتزاما سياسيا قويا. وبطبيعة الحال، هذا أمر بالغ الصعوبة. وتبذل العديد من البلدان جهودا كبيرة من أجل الاستخدام الكفؤ للموارد، وغالبا ما لا تترجم زيادة الإنفاق على التعليم إلى المزيد من التعلم وتحسين مستوى رأس المال البشري. ويتطلب التغلب على هذه التحديات العمل على جميع مستويات هذا النظام.
ويخلص البنك الدولي في تقريره إلى أنه لا يمكن للتغيير أن يحدث دون توافر البيانات المطلوبة، فالحكومات بحاجة إلى معرفة ما تفتقر إليه نظم التعليم لديها، أو ما ينفذ بشكل صحيح لاتخاذ الخطوات الصحيحة لتحسينها.
التكنولوجيا توفر إمكانيات جديدة للتعليم والتعلم
تلعب التكنولوجيا بالفعل دورا بالغ الأهمية في توفير الدعم للمعلمين، والطلاب، وعملية التعلم على نطاق أوسع. ويمكن أن تساعد المعلمين على إدارة الفصول على نحو أفضل، وطرح تحديات متنوعة لمختلف الطلاب. ويمكن للتكنولوجيا أن تتيح لمديري المدارس، وأولياء الأمور، والطلاب التفاعل بسلاسة.
ويستفيد الملايين من الطلاب من الاستخدام الفاعل للتكنولوجيا، إلا أن ملايين آخرين من الطلاب في بلدان العالم النامي لا يحققون هذه الاستفادة. وحسب البنك الدولي استُخدمت تكنولوجيا التكيف من أجل تقييم مستوى التعلم الأولي لدى الطلاب، ثم إشراكهم بعد ذلك في تمرينات الرياضيات بطريقة نشطة تناسب كلا منهم، استنادا إلى الذكاء الاصطناعي وما يكون الطالب على استعداد لتعلمه.
وبعد مضي ثلاثة أشهر، حقق الطلاب الذين كان لديهم في البداية أدنى مستويات الأداء تقدما كبيرا. ويوضح هذا الأمر إمكانيات التكنولوجيا لزيادة نواتج التعلم، ولاسيما في ما بين الطلاب المتأخرين عن أقرانهم.