البنزرتي يأمل في استكمال حلمه القديم

تونس - فاجأ رئيس الإتحاد التونسي وديع الجريء الجميع بعد أن تم الإعلان في ساعة متأخرة من مساء الأحد عن تعيين فوزي البنزرتي مدربا جديدا للمنتخب التونسي، فأغلب المتابعين للشأن الكروي في تونس كانوا يعتقدون أن الاختيار على مدرب جديد سيتطلب الكثير من الوقت خاصة في ظل وجود عديد المقترحات والحلول، فبين مطالب بالتعويل مجددا على المدرسة المحلية ومنادي بالعودة إلى المدرسة الأجنبية انقسمت الآراء وتباينت.
وفي الفترة الماضية تم تداول أكثر من اسم مرشح لهذه المهمة، إذ برز اسم التونسي سامي الطرابلسي المدرب الحالي لفريق السيلية القطري والذي أشرف سابقا على تدريب منتخب “نسور قرطاج”، كما تم طرح عديد الأسماء الأجنبية على غرار ألان جيراس وصبري لموشي وهوغو بروس، في هذا الأثناء لم يكن البنزرتي معنيا كثيرا بهذه المهمة خاصة وأنه مرتبط بعقد مع فريق الوداد البيضاوي المغربي وحقق معه نتائج إيجابية، ولم تكن هناك أي شكوك أو تكهنات بشأن وجود فرضية تركه الفريق المغربي والعودة إلى تونس.
غير أن رئيس الاتحاد التونسي أراد الحسم نهائيا في هذا الملف دون انتظار الكثير من الوقت، لقد أراد أن "ينعم بصيف هادئ دون اجتهاد كبير، لذلك اختار الحل الأسهل ووقع الاختيار على فوزي البنزرتي كي يخلف نبيل معلول ويبدأ معه المنتخب التونسي مرحلة جديدة".
لقد أدرك الجريء أنه لن يكون بمقدوره إقناع أي مدرب أجنبي قدير بتدريب المنتخب التونسي دون أن يوفر له ضمانات وامتيازات مالية معتبرة، وكان يعلم جيدا أن التعاقد مع مدرب من خارج "السوق المحلية" سيكلف خزينة الإتحاد ما لا يقل عن 50 ألف دولار شهريا دون اعتبار الامتيازات الإضافية، فضلا عن ذلك ربما كان يعلم أن العثور على "العصفور النادر" والمدرب الأجنبي الكفء يتطلب الكثير من الصبر والقيام باتصالات عديدة ومضنية، ولمجمل هذه الأسباب خيّر الحل الأسهل وتم مفاوضة البنزرتي الذي وافق فورا على العرض مضحيا بنجاح تجربته المغربية.
حلم قديم
يعتبر فوزي البنزرتي من أقدم الفنيين التونسيين وأكثرهم حصدا للألقاب حيث سبق له الإشراف على أقوى الفرق المحلية مثل النجم الساحلي والترجي التونسي والأفريقي والصفاقسي، وخلال مسيرة امتدت لأكثر من 35 عاما لمع نجمه وكسب عددا كبيرا من التتويجات المحلية. لم يكتف البنزرتي بتجارب محلية فقط بل طرق باب العمل خارج تونس حيث درب عدة فرق عربية سواء في الخليج أو في شمال أفريقيا، وكانت محطته الأبرز مع الرجاء البيضاوي الذي بلغ نهائي كأس العالم للأندية محققا إنجازا عربيا غير مسبوق، كما أشرف أيضا على تدريب المنتخب الليبي دون أن يحقق نجاحا يذكر.
بيد أن الحلم لم يكتمل فالبنزرتي طالما حلم بتدريب المنتخب التونسي لفترة طويلة من الزمن، لقد أراد أن يبدأ العمل من نقطة الصفر، عكس تجربتيه السابقتين عندما كان بمثابة مدرب “طوارئ” سنتي 1994 و2010، لقد كان يحلم دوما أن يكون مدربا دائما لفترة طويلة ويعتبر نفسه من أكفء المدربين التونسيين وأجدرهم لتولي هذه المهمة. وكان من الطبيعي وفقا لهذه الاعتبارات أن يوافق على عرض الإتحاد التونسي ويختار الرحيل عن الوداد رغم أن نتائج الفريق تحسنت كثيرا في عهده سواء محليا أو قاريا.
البنزرتي يعتبر من أقدم الفنيين التونسيين وأكثرهم حصدا للألقاب حيث سبق له الإشراف على أقوى الفرق المحلية
واختلفت ردود الأفعال بعد تعيين البنزرتي في هذا المنصب، حيث يرى مناصرو المدرسة المحلية أن رصيد الخبرة والتجربة التي يمتلكها هذا الفني تساعده على تحقيق أهداف المنتخب التونسي المطالب بتحقيق نتائج باهرة في بطولة أمم أفريقيا السنة المقبلة، فضلا عن أن التعاقد مع مدرب تونسي لن يكلف إتحاد الكرة كثيرا، وفي هذا السياق أشارت وسائل إعلام محلية أن جراية البنزرتي لن تتجاوز 35 ألف دينار أي ما يقارب 15 ألف دولار شهريا عكس المدرب الأجنبي الذي سيكون التعاقد معه مكلفا للغاية والنتائج غير مضمونة بالنظر إلى التجارب السابقة على غرار ما حصل مع البولندي الفرنسي هنري كاسبارجاك أو البليجيكي جورج ليكانس.
وفي هذا السياق يعتبر الفني التونسي لسعد الدريدي أن خصوصية الظرف الراهن تتطلب التعاقد مع مدرب محلي، قائلا في هذا الصدد” لا أرى موجبا للبحث عن مدرب أجنبي، فالمنتخب التونسي بحاجة اليوم إلى مدرب محلي يتأقلم بسرعة مع اللاعبين ولديه دراية تامة بالمسابقات القارية، وأعتقد أن التعامل مع الأجنبي ليس ناجحا في مطلق الأحوال وهو ما أثبته عديد التجارب السابقة”.
تباين الأفكار
بيد أن شقا آخر من المحللين اعتبروا التعاقد مع البنزرتي مجازفة غير محسوبة، فهذا الفني المعروف بطباعه الحادة ودخوله في مشاجرات دائمة مع عدد من اللاعبين قد يفشل في التعامل مع عناصر المنتخب التونسي خاصة وأن بعضهم ولد وترعرع خارج تونس ينشط في دوريات أوروبية، وهو الأمر الذي يفرض من وجهة نظر البعض التعاقد مع مدرب أوروبي تتوفر لديه الكفاءة والحنكة في التعامل مع لاعبين تكونوا في أوروبا، على التجربة المغربية الحالية مع الفرنسي هيرفي رونار أو التجربة الجزائرية السابقة مع البوسني وحيد خاليلوزيتش.
وبخصوص هذا الموضوع يرى الصحفي التونسي خليل بلحاج علي أن النجاح مع المدرب التونسي لا ينبني على اختيار الأسماء فقط بل يتوجب بالأساس التعاقد مع مدرب يكون محل إجماع كل الأطراف وخاصة اللاعبين، مضيفا”أظهرت تجربة نبيل معلول أن النجاح لا يتحقق بالضرورة مع مدرب محلي، وأعتقد أن المنتخب الحالي الذي يضم عددا كبيرا من اللاعبين المحترفين في أوروبا قد يتطلب تعيين مدرب أجنبي يكون يفهم جيدا عقلية هؤلاء اللاعبين”.