البلوش يهددون بقطع الطريق على الممر الباكستاني الصيني

جوادر (باكستان)- حول إعلان الصين عن تطوير ميناء ضخم في مدينة جوادر الباكستانية، المدينة الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي من إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان وتطل على بحر العرب، من مدينة معزولة إلى مدينة تضج بالحركة والحياة، والفندق الوحيد من فئة الخمس نجوم في المنطقة الذي كان على وشك إغلاق أبوابه أصبح اليوم يستقبل عددا مهما من السياح ورجال الأعمال والصحافيين.
يأتي مشروع الميناء ضمن خطة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهي جزء من مبادرة الحزام والطريق التي تشكل المستقبل بالنسبة للصين. ويهدف الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان إلى ربط إقليم شينجيانغ في غرب الصين بمرفأ جوادر، لضمان منفذ آمن للبضائع الصينية إلى بحر العرب. لكن، وعلى غرار أماكن أخرى من العالم الذي تتمدد في أرجائه المبادرة الصينية، تواجه بكين في هذا الجزء تهديدا مصدره البلوش الذين يخشون أن يحولهم المشروع إلى أقلية في إقليمهم. وهددوا بشن هجمات على أي أعمال تابعة للمشروع في أي مكان في بلوشستان.
ويطرح هذا المشروع على باكستان التي تحلم بتحويل مرفأ جوادر المتواضع لصيد السمك إلى ما يشبه “دبي المستقبل”، تحديا هائلا ولاسيما على الصعيد الأمني، إذ يمر عبر ولايات تنشط فيها مجموعات مسلحة، وخصوصا في بلوشستان. وكان مسلحون ينتمون إلى “جيش تحرير بلوشستان” تبنوا في مارس الماضي هجوما على فندق بيرل كونتيننتال في جوادر.
التوترات القديمة تغذي حالة العنف الصاعدة، لكن الصين تبدو مصممة على مشاريعها رغم التهديدات إذ استثمرت الكثير من مواردها في بلوشستان ولن تستطيع التخلي عن آمالها بسهولة بعد ذلك
وطالب البلوش الصين بـ”وقف مشاريعها الاستغلالية في بلوشستان والتوقف عن دعم إبادة الشعب البلوشي في باكستان، وإلا فسنرد بهجمات جديدة”. وسبق أن تبنت المجموعة العام الماضي عملية انتحارية ضد القنصلية الصينية في كراتشي.
وأوضح مايكل كوغلمان المحلل في مركز ويلسون في واشنطن أن هجمات “جيش تحرير بلوشستان” على الصينيين ليست جديدة، لكن الجديد هو تصميمهم على التعرض لأهداف بارزة وآمنة، وهو ما يؤكده أيضا المحلل في مجلة فورين بوليسي، محمد أكبر نوتازاي، متوقعا تصعيدا جديدا في المنطقة.
خلال فترة ولاية الرئيس الباكستاني برويز مشرف (2001 – 2008) قتل البلوش عددا من المهندسين والعمال الصينيين في المقاطعة. وقع أحد الحوادث في جوادر، أين قتل المتشددون ثلاثة مهندسين صينيين في مايو 2004. كان المهندسون في طريقهم إلى العمل عندما خفضوا سرعة السيارة التي كانوا على متنها ليمروا فوق مطب صناعي. عند ذلك، فجر إرهابي الحاجز بجهاز تحكم عن بعد من سيارة أخرى.
تراجعت نسبة العنف في السنوات الأخيرة، إذ لم تكن هناك مشاريع جديدة. وبدت المدينة مستقرة وتعيش في نسقها الخاص. ولكن، بعد إعلان مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني عادت أعمال العنف. قبل هجوم فندق بيرل كونتيننتال، لم يتخيل جل المحللين قدرة المتمردين البلوش على تنفيذ هجوم وسط جوادر، حتى ولو تلقوا دعما. ولكن الهجوم، الذي تبناه لواء مجيد، قوّض الشعور بالأمان.
تأسس لواء مجيد سنة 2011 كفرقة هجومية انتحارية داخل جيش تحرير بلوشستان. وسمي إشارة إلى عبدالمجيد بلوش، الذي حاول اغتيال رئيس الوزراء آنذاك ذو الفقار علي بوتو سنة 1973 في بلوشستان. أمر بوتو تلك السنة بشن عملية عسكرية ضد البلوش لأن المتمردين تعهدوا بإعلان الحرب ضد دولة باكستان بعد أن رفضت إسلام آباد الاعتراف بحكومة رابطة عوامي الوطنية المنتخبة ديمقراطيا في بلوشستان.
في السنوات القليلة الأولى بعد تشكيل جيش تحرير بلوشستان، شنت المجموعة هجمات استهدفت قوات الأمن الوطني والبنية التحتية للدولة والشتات البنجابي. في السنوات الأخيرة، في عهد أسلام بالوش، الذي توفي في قندهار في ديسمبر 2018، ركز لواء مجيد على الرعايا الصينيين والمشاريع التي تمولها بكين.
ونظّم ابن أسلام الأكبر، ريحان بالوش، هجوما انتحاريا في شهر أغسطس الماضي استهدف مهندسين صينيين في منطقة دالباندين الواقعة على بعد 340 كيلومترا من مدينة كويتا عاصمة إقليم بلوشستان.
يطرح هذا المشروع على باكستان التي تحلم بتحويل مرفأ جوادر المتواضع لصيد السمك إلى ما يشبه "دبي المستقبل"، تحديا هائلا ولاسيما على الصعيد الأمني
بعد بضعة أشهر، أشرف على هجوم قتل شرطيين وطالبي تأشيرة دخول وأصاب حارسا في القنصلية الصينية في مدينة كراتشي جنوب البلاد. ويشير تقرير فورين بوليسي إلى أنه مع هذه الحوادث التي تنقلها وسائل الإعلام، يكتسب لواء مجيد زخما وقوة دفع مهمة. وانضمت إليه مجموعات جديدة تركز على مهاجمة مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
ويقول أكبر نوتازاي إن التوترات القديمة تغذي حالة العنف الصاعدة، لكن الصين تبدو مصممة على مشاريعها رغم التهديدات إذ استثمرت الكثير من مواردها في بلوشستان ولن تستطيع التخلي عن آمالها بسهولة بعد ذلك. لكن الأوضاع أصبحت أكثر توترا. وشهدت المنطقة توقيع عدة اتفاقيات تبشر بمستقبل واعد للمنطقة.
من بين هذه الاتفاقيات يذكر أكبر نوتازاي، مذكرة التفاهم التي تم توقيعها، بين السعودية وإسلام آباد، وبدأت الرياض بمقتضاها في إنشاء مصفاة لتكرير النفط في جوادر، على مقربة من حدود البلاد مع إيران.
وتتهم هذه الأخيرة باكستان بتوفير ملاذ لمقاتلي البلوش السنة، بينما تقول باكستان إن إيران وفرت ملاذا للمتمردين البلوش الذين يقاتلونها. وفي الوقت نفسه، تحتل إيران جغرافيا جزء مكران الغربي، وهو شريط ضيق من الأراضي شبه الصحراوية الواقعة على الساحل المحيط بجوادر. وتريد إيران أن تتوسع في مكران عبر التهاون مع مقاتلي البلوش. ويحذر تقرير فورين بوليسي من أنه إذا استمرت هذه الهجمات، ستقل فرص نجاح الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وستتضاعف التوترات في هذه المنطقة الإستراتيجية التي تتداخل فيها المصالح.