البلوزة الوهرانية.. زينة الصبايا في غرب الجزائر

اللباس التقليدي مفخرة لكل الشعوب التي تحترم تراثها المادي واللامادي، ففي غرب الجزائر تحرص الصبايا المقبلات على الزواج على اقتناء البلوزة الوهرانية التي تحتفظ بمكانتها رغم انتشار اللباس العصري الذي غزا كل المجتمعات.
وهران (الجزائر) - تأبى البلوزة الوهرانية التي تعتبر عند الجزائريين أيقونة اللباس التقليدي النسوي بغرب البلاد أن تتنازل عن مكانتها في التراث الثقافي بفضل خياطين يقاومون تجارة الخياطة السريعة وتحديات التطور المتسارع في عالم الأزياء والموضة.
وعلى الرغم من هذا التحول، فإن البلوزة الوهرانية لم تختف من ورشات الخياطة أو من رفوف المحلات التجارية بأسواق المدينة وبقيت إلى حد الآن قطعة مهمة في جهاز العروس حتى وإن انحصر عددها في لباس واحد بعد أن كان في ما مضى يضم أكثر من 60 بلوزة من مختلف الأنواع والأشكال والألوان، حسبما أبرزته الباحثة في المجال الثقافي آمال إيزة لوكالة الأنباء الجزائرية (واج).
ويعود تاريخ البلوزة الوهرانية التي تعتبر عنصرا ضمن التراث الجزائري غير المادي إلى القرن التاسع عشر واسمها الحقيقي "القندورة"، حسبما ذكرته خبيرة في التراث بالمركز الوطني للبحوث في العصور ما قبل التاريخ وفي علم الإنسان بالجزائر العاصمة ويزة غالاز.
وبالنظر إلى قيمتها التاريخية والتراثية، يحتفظ المتحف العمومي "أحمد زبانة" بوهران بعشرة نماذج من البلوزة الوهرانية يعود تاريخ تصميم البعض منها إلى النصف الأول من القرن العشرين وأخرى إلى سنوات الثمانينات والتسعينات، حسب المسؤولة بالمتحف خخاز هوارية.
الكثير من الخياطين المختصين في البلوزة الوهرانية يعملون على إدخال بعض اللمسات الحديثة عليها حتى تكتسي حلة مبتكرة جديدة تماشيا مع إطلالات الموضة
وقبل سنة 1800 كان شكل هذا الفستان الأسطوري عبارة عن “عباية” فضفاضة طويلة تحتوي على جيبين، واتخذ شكلا آخر بعد الحرب العالمية الثانية وأصبح يطلق عليه اسم “البلوزة”، ثم تطور بعد ذلك بإدخال “التعميرة” في الجهة الأمامية العلوية، حسبما أشار إليه المصمم والمهتم بالتراث شكايك شايلة بشير.
وأكد نفس المتحدث أن “شكل هذه البلوزة لم يأت كما يزعم البعض تقليدا للباس زوجة نابليون الثالث الذي كانت ترتديه أثناء زيارتها مع زوجها في 1885 وإنما كان من إبداع أنامل المرأة الوهرانية وولد من رحم بيئتها”.
وقديما كانت الأمهات يحرصن على أن يخطن لبناتهن بلوزاتهن بأنفسهن، حيث أن أول لباس تصنعه بيدها كان بمثابة أول ثوب تفتح به طاقم جهازها وكان في أغلب الأحيان بلوزة الزعيم المرصعة بالعقيق والسمق.
ويعمل كثير من الخياطين المختصين في البلوزة الوهرانية على إدخال بعض اللمسات الحديثة عليها حتى تكتسي حلة مبتكرة جديدة تماشيا مع إطلالات الموضة ولمواجهة سوق الألبسة التقليدية المستوردة وجعلها علامة تجارية.
وقالت صاحبة “دار حسنية للخياطة” بوهران بوترعة منصور حسنية “نحن نحرص على أن تكون البلوزة الوهرانية أكثر تنوعا وبخامات جديدة حتى لا تبقى منحصرة في موديل واحد تعتمده جميع الخياطات”.
ومن جهتها، ترى الباحثة في مجال الثقافة آمال إيزة التي أعدت دراسة حول البلوزة الوهرانية كمنتوج مستدام، أن الترويج لهذا الزي ثقافيا وسياحيا يتطلب تصميم بلوزة وهرانية خفيفة وبقماش وخامات محلية تحمل تفاصيل تراثية وبسعر يتراوح بين 5 و10 آلاف دينار جزائري حتى يكون منتوجا في متناول الجميع.
وللحفاظ على هذا الموروث غير المادي، يتطلب الأمر العودة إلى العمل اليدوي في الخياطة وأن عملية اللصق التي أصبحت منتشرة لا تعتبر مهارة مما جعل هذا الثوب “يفقد قيمته الفنية”، حسبما أبرزته الخبيرة في التراث ويزة غالاز.
وفي ذات السياق أكدت ذات الباحثة على ضرورة تكوين الفتيات لنقل الصنعة حتى لا تزول المهنة، وعلى المجتمع المدني أن يبادر بتنظيم عروض أزياء مع عرض تصاميم جديدة كل سنة مع الحفاظ على عناصرها التقليدية وكذلك تنظيم مسابقات وإقامة مهرجانات بإشراك كل الولايات التي ينتشر فيها هذا الزي من غرب البلاد حتى ولاية بشار جنوبا.