البعثات الأممية في أفريقيا تخيّب أمل السكان والحكومات

إستراتيجيات خاطئة تقود قوات حفظ السلام الأممية إلى الفشل في إنهاء الصراعات.
الاثنين 2023/06/26
إخفاقات ليست بحجم الانتظارات

على الرغم من انتشار قوات حفظ السلام في ما يقرب من 50 منطقة صراع في العالم، أغلبها في أفريقيا ويعيش بها أكثر من مليار ونصف المليار شخص تحت تهديد العنف، وزعْم المنظمة الأممية أنها ساعدت على إنهاء الكثير من الصراعات المسلحة وتعزيز المصالحة من خلال عمليات حفظ سلام ناجحة في العديد من المناطق المأزومة، فإن تلك القوات تثير جدلا واسعا في ظل إخفاقاتها في أغلب عملياتها.

لندن - أثارت الاحتجاجات الشعبية في مواجهة بعثات الأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية ومالي وغيرها من الدول والتداعيات المترتبة عليها، الكثير من التساؤلات المتعلقة بمدى فاعلية البعثات الأممية لحفظ السلام في أفريقيا في التعامل مع التهديدات والمخاطر الأمنية، حيث تعد الأمم المتحدة أحد الفاعلين الدوليين الرئيسيين في مجال حفظ السلام والأمن في أفريقيا منذ مطلع عقد الستينات من القرن الماضي، وظلت تحتفظ بالعدد الأكبر من بعثاتها السابقة والحالية في القارة الأفريقية، وذلك انطلاقاً من تنامي المخاطر والتهديدات الأمنية على مختلف المستويات.

وكان لمطالبة مالي بمغادرة قوات حفظ السلام الدولية أراضيها “من دون تأخير” وقع شديد، لكن البوادر بدأت تظهر قبل الإعلان في منتصف يونيو، في وقت تتزايد الانتقادات لبعض عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وخصوصًا في أفريقيا.

وسيلة ضغط

ريتشارد غوان: السكان ينظرون إلى وحدات الأمم المتحدة بتشكيك وازدراء
ريتشارد غوان: السكان ينظرون إلى وحدات الأمم المتحدة بتشكيك وازدراء

يوم 16 يونيو طالب وزير الخارجية المالي عبدالله ديوب بانسحاب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) “دون تأخير”، منتقدًا “فشلها” في تحقيق الاستقرار في البلد منذ وصولها إليه في العام 2013.

وفي ظلّ هذه الظروف يتعين على مجلس الأمن الدولي الذي كان من المفترض أن يصوت في 29 يونيو على تجديد تفويض البعثة، أن يقبل بهذا الطلب، بحسب مصادر دبلوماسية.

وقال أحد هذه المصادر لوكالة فرانس برس إن مشروع القرار الأخير الخاضع للمناقشة والذي يجب أن يوافق عليه مجلس الأمن “يصدّق على الانسحاب” ويتحدث عن فترة ستة أشهر لتنظيم رحيل نحو 12 ألف جندي وشرطي.

وقالت أستاذة السياسات الدولية في جامعة فوردهام الأميركية أنجالي ديال “منذ الانقلاب العسكري في العام 2020، أصبحت ‘مينوسما’ في أزمة دائمة”.

ولطالما تحدثت الأمم المتحدة عن العوائق التي يضعها المجلس العسكري الحاكم في وجه تحرك البعثة، فيما كان هذا الأخير يطالب ببعثة تتولى مهاجمة المجموعات الإرهابية.

وأكّدت ديال أن البعثة الأممية في مالي “ليست البعثة الوحيدة في العالم التي تواجه هذا النوع من المشاكل المرتبطة بالدولة المضيفة”، ضاربة أمثلة عدة منها البعثات المنتشرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان.

ومن جهته، قال باتريك لابودا من جامعة زيورخ “هناك أزمة تراضٍ في عدة دول في أفريقيا، لكن لا يجب أيضًا أن نعمم كثيرًا، هذا القرار توضحه أولويات الحكومة المالية”.

وأضاف لابودا “إن السكان والحكومات ليسوا راضين عن خدمات القبعات الزرق”، لكن “الأسباب تختلف في كل بلد”.

وأشار ريتشارد غوان من مجموعة الأزمات الدولية غير الحكومية إلى نقاط مشتركة بين البعثات الأممية في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان ومالي، حيث “القبعات الزرق تجد صعوبة في لعب دور فعّال في مواجهة أعمال العنف المستمرة”. وتابع “ينظر السكان المحليون عادة إلى وحدات الأمم المتحدة بتشكيك وازدراء”.

وجرت أيضًا تظاهرات مناهضة للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث تطالب الحكومة بـ”تسريع” رحيل بعثتها.

استخدام القوة ملاذ أخير للدفاع
استخدام القوة ملاذ أخير للدفاع

وفي ظلّ حملات التضليل الإعلامي، تقول جولي غريغوري من مركز ستيمسون البحثي الأميركي إن الأمم المتحدة عملت كثيرًا على تحسين تواصلها الإستراتيجي واتصالها مع السكان وزيادة الوعي العام بما يمكن لقواتها تحقيقه وعدم تحقيقه.

وبذلك، فإن أحد المبادئ الثلاثة لحفظ السلام واضح: لا يُسمح لجنود حفظ السلام سوى باستخدام القوة كملاذ أخير للدفاع عن أنفسهم أو عن البعثة، فهم ليسوا أداة لفرض السلام ولا قوة مكافحة للإرهاب.

لكن بعض الحكومات في أفريقيا “تعتبر أن الأمم المتحدة تضيع الكثير من الوقت في الحديث عن حقوق الإنسان ولا تخصص وقتًا كافيًا للقضاء على المتمردين الذين يمثلون مشكلة” بحسب غوان، مشيرا إلى البديل المتمثل في مجموعة فاغنر الروسية المسلحة التي تشكّل “وصفة لمزيد من الفوضى”.

واعتبرت غريغوري أن الانقسامات داخل مجلس الأمن الدولي لا تساعد في تحسين الوضع، موضحة “أعتقد أن مستويات المعارضة التي نراها من قبل الدول المضيفة – ليس كلّها لكن بعضها – مرتبطة بالانقسامات في مجلس الأمن”.

وأضافت “تستخدمها الدول المضيفة للأسف كوسيلة ضغط للدفع باتجاه تحقيق مصالحها الخاصة”.

وحذّر لابودا من أن قرار مالي “سيبعث ربما بإشارة إلى الحكومات الأخرى مفادها: إذا لم تكوني راضية، يمكنك أن تتطلّبي، يمكن أن يقلّل ذلك من مساحة المناورة” لدى الأمم المتحدة.

أسباب الفشل

على الرغم من أن موازنة قوات حفظ السلام تصل إلى 7 مليارات دولار سنويّا، إلا أنها تمثل أقل من نصف واحد في المئة من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي
على الرغم من أن موازنة قوات حفظ السلام تصل إلى 7 مليارات دولار سنويّا، إلا أنها تمثل أقل من نصف واحد في المئة من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي

غالبا ما تفشل القوات التابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام في تحقيق أهدافها الرئيسية في العديد من مناطق انتشارها. وتعزو أستاذة العلوم السياسية بكلية بارنارد بجامعة كولومبيا سيفيرين أوتيسير أسباب فشلها إلى عدة عوامل:

* نقص الموارد: من الصعب إلقاء اللوم على منظمة الأمم المتحدة بشأن تلك المسألة، لأنها تعتمد على المساهمات المادية من أعضائها. وعادةً ما تُوجِّه قيادات قوات حفظ السلام اللوم إلى مجلس الأمن الدولي لعدم توفيره الموارد الكافية. وعلاوة على ذلك، فإن القوى العظمى لا تكترث كثيرًا بالأزمات التي ترسل من أجلها القوات الأممية في ظل قلة الموارد المتاحة للقيام بمهامها.

وعلى الرغم من أن موازنة قوات حفظ السلام تصل إلى 7 مليارات دولار سنويّا، إلا أنها تمثل أقل من نصف واحد في المئة من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.

ومن المتوقع أن تساعد الأمم المتحدة في حل أكثر من ربع الحروب الدائرة في العالم بالاعتماد على تلك الموازنة. وحتى عندما تقدم الدول القوية والدول التي تساهم بقواتها موارد وفيرة لإحدى عمليات حفظ السلام، فإن جهودها غالبًا ما تفشل. ولذا، ترى قيادات قوات حفظ السلام أنه لا بد من توفير الدعم المالي واللوجيستي اللازم، والمزيد من الأشخاص المدربين، لإنجاح مهماتها في تحقيق السلام والاستقرار بمناطق النزاع. وتدعو كذلك إلى عدم وضع القيود على عمل قوات حفظ السلام لأن هذا يؤدي إلى نتائج مأساوية.

* تبني إستراتيجية خاطئة: تتجاهل إستراتيجية الأمم المتحدة التعامل مع المواطنين العاديين، وفي المقابل تفضل التعامل مع النخب. وبذلك، تغفل المنظمة الأممية عن القيام بما ينبغي من خلال تبني إستراتيجيات تركز على نهج “من أسفل إلى أعلى”، والذي يقوم على المعرفة الجيدة بمجتمعات مناطق الانتشار، والسماح بمشاركة الشعوب أنفسهم للوصول إلى أفضل السبل لتعزيز السلام.

الاحتجاجات الشعبية في مواجهة بعثات الأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية ومالي وغيرها من الدول والتداعيات المترتبة عليها تثير الكثير من التساؤلات

ويشكو بعض السكان في المناطق التي تعمل بها قوات حفظ السلام من غطرستها، وأنها قليلًا ما تقوم بأعمالها، وينتقدونها، ويرونها شكلًا جديدًا للاستعمار. كما تنتشر بعض الادعاءات بمشاركة بعض جنودها في التعذيب والاعتداءات الجنسية والاستغلال مما تسبب في ضرر جسيم لسمعة الأمم المتحدة. وانطلاقًا مما سبق، فإن السكان المحليين غالبًا ما يرفضون التعاون مع المبادرات الأممية.

* ضآلة عدد القوات المشاركة: نظرًا إلى أن الأمم المتحدة ليس لديها قوات عسكرية خاصة بها، وأن قوات حفظ السلام تعمل في ظل ظروف قاسية وبنية تحتية متهالكة ومسؤولين فاسدين، فإن عدد القوات المشاركة على الأرض ضئيل للغاية. وغالبًا ما تتردد الدول في المخاطرة بحياة جنودها في صراعات لا تملك أي مصلحة فيها. ولذلك، غالبًا ما يستغرق الأمر شهورًا لتحشد المنظمة الأممية القوات التي تحتاجها، وينتهي الأمر بمشاركة جنود غير مدربين وذوي أجور ضعيفة.

* تدخل ضباط بعض الدول في عمليات حفظ السلام: يحتاجُ مجلس الأمن الدولي إلى إجبار الدول التي تساهم بقواتٍ على التوقف عن التدخل في العمليات على الأرض، ومطالبة ضباطها باحترام التسلسل القيادي. ولكن قوات حفظ السلام لا يمكنها إلقاء المسؤولية على مجلس الأمن بشأن جميع أوجه القصور.

ورغم كل القيود والصورة السلبية التي تشوبها حالات اعتداء جنسي بسبب جنود الأمم المتحدة، يشدد الخبراء على ضرورة عدم نسيان “النجاحات” التي حققتها عمليات الأمم المتحدة.

وقالت ديال إن “الصورة التي تتراءى لنا عن عمليات حفظ السلام تشوبها إخفاقاتها لأنها إخفاقات واضحة وكبيرة”.

وأضافت “لكنها أداة ناجحة إلى حد ما. انتشارها كفيل أحيانًا بالحد من اتساع النزاعات وتقليل عدد الضحايا بالإضافة إلى حماية السكان من المتمرّدين”.

6