"البعاد" في أفغانستان.. عادة تقديم العذراوات فدى لتسوية النزاعات

كابول - يتخذ العنف ضد المرأة أشكالا متعددة لكنه يكون أكثر حدة من حيث تبعاته واستمراريته إذ لم يتوقف عند الممارسات الفردية وامتد إلى ممارسة جماعية تستمد منطلقها من الموروث الاجتماعي والأعراف التي تزعم الجماعة أنها حريصة على الالتزام بها على أنها جزء من ثقافتها وهويتها.
تقول تقارير منظمة الأمم المتحدة التي تصدرها بعثتها في أفغانستان إن تطبيق القانون الخاص بالعنف ضد المرأة يتعرض لإعاقات كثيرة بما فيها عدم الإبلاغ عن حوادث العنف وعدم إجراء تحقيقات في معظم هذه الحوادث، وأن القانون الذي صدر في أغسطس عام 2009، والذي يجرم زواج الأطفال والزواج القسري وبيع وشراء النساء تحت ذريعة الزواج، والبعاد، والإجبار على التضحية بالنفس وباقي أنواع العنف ضد المرأة بما في ذلك الاغتصاب والضرب، لا تنفذ مقتضياته ولا العقوبات المسلطة على مرتكبي الجرائم.
أكبر العوائق التي تحول دون تطبيق القانون تتمثل في الثقافة التي أصبحت راسخة في عقلية الأفغانيين رجالا ونساء فالرجال يحرصون على التخلص من تبعات ما اقترفوه من أخطاء وجرائم على حساب الأخت أو البنت صغيرة السن رغم براءتها مما اقترفه، أما النساء فهن يشاركن في هذه الجريمة في حق فتاة بريئة بقبولهن لمواصلة تطبيق البعاد كقصاص من الأنثى بذنب قريبها الذكر.
|
ورغم هذا الواقع، إلا أن هناك أفرادا من المجتمع المدني ومن المثقفين مازالوا يقاومون العادات الرجعية في المجتمع الأفغاني ومن بينها البعاد. عادل معلم أفغاني يبلغ من العمر 24 سنة قرر أن يحتج ضد ممارسة البعاد فخيم منذ أكثر من ثلاثة أسابيع أمام مقر البرلمان الأفغاني في كابول تعبيرا عن احتجاجه على هذه الممارسة، وفي الأثناء تلقى تهديدات بالقتل من قبل والديه لأنه يحاول التعدي على تقليد تمارسه العائلات الأفغانية خاصة منها المنتمية إلى قبائل الباشتون منذ عقود بتقديم بناتها لحل خلافاتها.
وتتحدث بعض الفتيات أو النساء اللاتي قدمن كقرابين في البعاد أنهن يتعرضن للضرب والإهانة وسوء المعاملة وقد تصل الأمور في بعض الحالات إلى القتل. إحدى النساء ضحايا البعاد من ولاية باروان شرقي البلاد، تروي تجربتها لشبكة آن بي سي الإخبارية دون الإفصاح عن اسمها (حماية لها) تقول إنها قدمت في سن الـ22 ربيعا لرجل أربعيني متزوج ولديه 8 أبناء مؤكدة أنها وجدت نفسها كورقة للمساومة لفض مشكلة أخيها الذي أطلق النار على قريب زوجها الحالي على وجه الخطأ. وتضيف “لن أسامح عائلتي على ما فعلوه بي، فعائلة الضحية لم تقبل اتفاق السلام مع عائلتي إلا بعد تسليمها فتاتين من عائلتنا في المقابل وفي الأخير تم اقناعها بقبول فتاة واحدة وكنت أنا سيئة الحظ وقد جاءني والدي باكيا ليقول إنني إذا رفضت فإن أخي سوف يقتل”.
وأكدت المتحدثة أنها كانت في جحيم من المعاناة لو لم تنجب فتاتين أعادتا لها طعم الحياة قائلة “لم أعش هنا.. كنت دائما أعامل من قبل زوجي وباقي أفراد العائلة على أنني عدوهم كثيرا ما تعرضت للضرب والتوبيخ حتى من أبناء زوجي” وتضيف مكررة تعبيرها عن غضبها لما ارتكبته عائلتها في حقها “لا يمكن أن أسامح عائلتي، فقد كانت لدي أحلامي وطموحاتي بمستقبل زاهر أكون فيه طبيبة لكن الآن ضاع مني كل شيء”.
القانون الخاص بالعنف ضد المرأة يتعرض في تطبيقه لإعاقات كثيرة بما فيها عدم الإبلاغ عن حوادث العنف
البعاد ممارسة لم تستثن الأطفال، وقصة الفتاة شكيلا ذات الثماني سنوات مثال حي، فقد هاجمت مجموعة من الرجال من قرية مجاورة منزل عائلتها وأخذوها وقريبتها للقصاص من عمها الذي هرب مع زوجة أحد رجال القرية، تقول شكيلا “وضعونا في غرفة مظلمة ثم عمدوا إلى ضربنا بالعصي مرددين ‘عمكما هرب بعيدا مع امرأتنا متعديا على شرفنا وسوف تدفعان الثمن’ ولكننا كنا محظوظتين وتمكنا من الفرار من الاحتجاز”.
معاناة ضحايا البعاد جعلت عادل (المنحدر من أكثر القبائل المحافظة والمتمسكة بهذه العادة وهي الباشتون) يرفض هذه الممارسة ويعلن احتجاجه ضدها دون خوف خاصة وأن اثنتين من أخواته إحداهن طفلة في الثانية عشرة من عمرها تم تقديمهما لتسوية نزاع، كما أن عائلته استلمت امرأتين في حوادث مشابهة. ما يعرفه عن قصص الضحايا جعلت عادل يقدم على الاحتجاج متحديا عائلته والمنظومة الاجتماعية والعرفية التي ينتمي لها معبرا عن موقفه من البعاد بقوله “هذه الممارسة تتعارض مع الإسلام ومع الإنسانية”.