البطالة تخنق المجتمع التركي وتركن قضايا الشباب على الهامش

أنقرة - مما لا شك فيه أن الفئة الاجتماعية الأكثر احتياجا للحصول على عمل هي فئة الشباب التي تحمل على عاتقها بناء مستقبلها ومستقبل المجتمعات والدول، هذا ما أثبتته الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، غير أن هذه الفئة التي من المفترض أن تكون في صدارة الفئات الاجتماعية الفاعلة والمفعّلة تجد نفسها قيد الإهمال في تركيا حيث يعيش الشباب التركي على وقع أزمات اقتصادية أدت إلى ارتفاع سريع ومتواصل في نسب البطالة في صفوفه.
تؤكد المؤشرات والإحصائيات الرسمية على أن نسبة البطالة في تركيا بلغت أكثر من 10 بالمئة وتزداد هذه النسبة في أوساط الشباب لتصل إلى 18.3 بالمئة. وبحسب آخر الأرقام الرسمية التي صدرت في غضون الشهر الجاري فإن المعدلات في أوساط خريجي الجامعات ارتفعت إلى 12.1 بالمئة، لكن هذه النسب المصرح بها رسميا ترتفع أكثر فأكثر في الأرقام غير الرسمية فبينما تشير الجهات الرسمية إلى وجود نحو ثلاثة ملايين عاطل عن العمل في تركيا فإن هذا الرقم يقارب 5.5 مليون في الأرقام غير الرسمية.
ولعل فئة الشباب الأكثر تضررا من البطالة هي الحاصلة على شهادات علمية جامعية فهؤلاء بذلوا سنوات من أعمارهم في سبيل الحصول على مؤهلات علمية من المفترض نظريا أن تؤمن لهم فرصا أكبر في الحصول على وظائف مقارنة بغيرهم ممن تخلوا عن خيار التعليم لبناء مستقبل أفضل، إلا أن الواقع الذي يواجهه الحاصلون على شهادات عليا في تركيا يأتي بنتائج عكس المسلمات النظرية حيث تشهد أوساط الخريجين زيادة درامية في معدلات البطالة مقارنة بغيرهم.
في تركيا تتزايد معدلات البطالة مع تزايد الدرجات العلمية التي يحصل عليها الفرد
لذلك فإن الشاب التركي يجد نفسه مدفوعا بشكل غير مباشر نحو فقدان الرغبة في التعلم بما أن التعليم لم يعد الوسيلة المثلى للحصول على وظيفة وتأمين حياة كريمة ومستوى عيش مرموق يتماشى مع طموحاته غير أن العزوف عن التعليم أو التوجه إلى الحصول على تكوين بعيدا عن المؤسسات التعليمية لا يمثل بدوره الحل الأمثل للحصول على عمل وتحقيق النجاح لأن نسب البطالة مرتفعة في الوسط الشبابي من مختلف الخلفيات وهو في تزايد مطرد باعتراف من الجهات الرسمية حيث تكشف بيانات معهد الإحصاء في برنامج الحكومة لعام 2015 أن معدلات البطالة في أوساط الشباب شهدت تزايداً خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث وصلت العام الماضي إلى 17.1 بالمئة بعدما كانت 15.8 بالمئة في عام 2012، أما في أغسطس هذا العام فقد بلغت 18.3 بالمئة.
وتقف الأزمات الاقتصادية المتنامية في تركيا والسياسات الاجتماعية المرتعشة التي تفتقد الحرص على ضمان رفاهية المواطن التركي وراء نشأة وتصاعد العديد من المشاكل والأزمات الاجتماعية من بينها تراجع المقدرة الشرائية وتدني مستوى العيش والبطالة وما ينجر عنهما جميعا من ظواهر اليأس والاكتئاب التي تودي بالشباب والمراهقين نحو الانحراف والجريمة ونحو دخول مجال الكسب غير المشروع بالانضمام إلى العصابات الإجرامية التي تقوم على التهريب والتجارة في الممنوعات وغيرها.
ذو الفقار دوغان: تخطى معدل البطالة حاجز 10.9 بالمئة، فيما يرتفع هذا الرقم بين الشباب إلى أكثر من 20 بالمئة
ويقول الرئيس السابق لجمعية المراسلين الاقتصاديين ذو الفقار دوغان في حديث له مع وكالات أنباء تركية “تخطى معدل البطالة حاجز 10.9 بالمئة، فيما يرتفع هذا الرقم بين الشباب إلى أكثر من 20 بالمئة وفي عهد حزب العدالة والتنمية ارتفع عدد مليارديري الدولار. كما وصل عدد الفقراء وغير الخاضعين للتأمين الاجتماعي إلى 20 مليون شخص. كما وصل عدد المواطنين الذين يتابَعون قانونيًا بسبب ديون البطاقات الائتمانية إلى 4 ملايين شخص. وبدأت البنوك تسترد القروض مبكرًا (…) فالثقة في الاقتصاد والسياسة والحكومة والقضاء والعدل في تركيا وصلت إلى أقل مستوياتها. ولا أتذكر أي فترة وصلت فيها الضغوط والتشاؤم إلى هذا المعدل الكبير على مدار حياتي المهنية الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود”.
ورغم ما تصرح به حكومة العدالة والتنمية من تحقيق ازدهار اقتصادي بالتوازي مع النمو والاستقرار الاجتماعي إلا أن الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية تؤكد بالأرقام أن هذه التصاريح بعيدة عن الواقع ويصفها محللون اقتصاديون بأنها من باب التباهي والتفاخر والمغالطات لأن الدخل القومي للفرد لم يسجل ازدهارا يذكر كما شهدت المواد الاستهلاكية تضخما في الأسعار وشهد الاستثمار الأجنبي انكماشا وتراجعا في الأشهر الأخيرة وهذه الظروف مجتمعة لن تؤدي إلا إلى ارتفاع معدلات البطالة وتدهور الأوضاع الاجتماعية بنسق متسارع في ظل تغافل وإهمال الحكومة لتحسين أوضاع الشباب وهو ما يجعلهم على الهامش في جميع مناحي الحياة.