البطالة تخنق المجتمع التركي وتركن قضايا الشباب على الهامش

مشاكل المجتمع التركي لا تقف عند الحد من الحريات والحقوق ومحاولات فرض نمط مجتمعي مختلف عما عهده الأتراك من مختلف الفئات الاجتماعية، بل تتجاوزها إلى معاناة الشباب من ارتفاع نسب البطالة بنسق سريع خلال الأشهر الأخيرة، في المقابل لا يجد العاطلون على العمل إجراءات ملموسة واستراتيجيات واقعية هادفة لتخليصهم من هذه الآفة غير الوعود الشفهية التي تطلقها الجهات الرسمية التي نادرا ما تثير هذا النوع من المشاكل الاجتماعية وتطرحها للنقاش بحثا عن حلول.
الأربعاء 2015/12/16
احتجاجات دون جدوى

أنقرة - مما لا شك فيه أن الفئة الاجتماعية الأكثر احتياجا للحصول على عمل هي فئة الشباب التي تحمل على عاتقها بناء مستقبلها ومستقبل المجتمعات والدول، هذا ما أثبتته الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، غير أن هذه الفئة التي من المفترض أن تكون في صدارة الفئات الاجتماعية الفاعلة والمفعّلة تجد نفسها قيد الإهمال في تركيا حيث يعيش الشباب التركي على وقع أزمات اقتصادية أدت إلى ارتفاع سريع ومتواصل في نسب البطالة في صفوفه.

تؤكد المؤشرات والإحصائيات الرسمية على أن نسبة البطالة في تركيا بلغت أكثر من 10 بالمئة وتزداد هذه النسبة في أوساط الشباب لتصل إلى 18.3 بالمئة. وبحسب آخر الأرقام الرسمية التي صدرت في غضون الشهر الجاري فإن المعدلات في أوساط خريجي الجامعات ارتفعت إلى 12.1 بالمئة، لكن هذه النسب المصرح بها رسميا ترتفع أكثر فأكثر في الأرقام غير الرسمية فبينما تشير الجهات الرسمية إلى وجود نحو ثلاثة ملايين عاطل عن العمل في تركيا فإن هذا الرقم يقارب 5.5 مليون في الأرقام غير الرسمية.

وتتصدر البطالة قائمة المشاكل المزمنة في تركيا، حيث لا تبدو أفاق حلها قريبة ولا توجد خطط مضبوطة تحدد سقفا زمنيا قريب المدى لمعالجة المشكلة بطرق جدية تثبت للشباب أن للحكومة سياسات اجتماعية تنكب على تحسين أوضاعهم المعيشية وتحرص على وضع وتطبيق خطط توقف الانتشار المتوسع للبطالة وهو ما من شأنه أن يخرجهم من دائرة اليأس في رحلة البحث عن عمل ويعيد لهم الأمل في تحقيق طموحاتهم واستثمار طاقاتهم لتحسين مستواياتهم المعيشية والنهوض بعائلاتهم.

ولعل فئة الشباب الأكثر تضررا من البطالة هي الحاصلة على شهادات علمية جامعية فهؤلاء بذلوا سنوات من أعمارهم في سبيل الحصول على مؤهلات علمية من المفترض نظريا أن تؤمن لهم فرصا أكبر في الحصول على وظائف مقارنة بغيرهم ممن تخلوا عن خيار التعليم لبناء مستقبل أفضل، إلا أن الواقع الذي يواجهه الحاصلون على شهادات عليا في تركيا يأتي بنتائج عكس المسلمات النظرية حيث تشهد أوساط الخريجين زيادة درامية في معدلات البطالة مقارنة بغيرهم.

وبحسب بيانات معهد الإحصاء وهيئة التوظيف الحكوميين فإن عدد الباحثين عن عمل من خريجي الجامعات يبلغ 355 ألفا، أما عدد الباحثين عن عمل من خريجي المعاهد فيقدر بـ315 ألفا، وعدد الباحثين عن عمل من خريجي المدارس الثانوية وما يعادلها 817 ألفا.
في تركيا تتزايد معدلات البطالة مع تزايد الدرجات العلمية التي يحصل عليها الفرد
معدلات البطالة في أوساط المتعلمين تنخفض كلما زاد المستوى التعليمي في الدول المتقدمة بفضل ما تتيحه لهم شهاداتهم الجامعية من حظوظ أوفر في التوظيف مقارنة بغيرهم من الشباب الذي لم يبلغ المستوى التعليمي العالي، بينما في تركيا تتزايد معدلات البطالة مع تزايد الدرجات العلمية التي يحصل عليها الفرد. هذا التزايد السريع لمعدلات البطالة في أوساط خريجي الجامعات يكشف أن المتعلمين في تركيا لا يحظون بميزات الأولوية في التوظيف.

لذلك فإن الشاب التركي يجد نفسه مدفوعا بشكل غير مباشر نحو فقدان الرغبة في التعلم بما أن التعليم لم يعد الوسيلة المثلى للحصول على وظيفة وتأمين حياة كريمة ومستوى عيش مرموق يتماشى مع طموحاته غير أن العزوف عن التعليم أو التوجه إلى الحصول على تكوين بعيدا عن المؤسسات التعليمية لا يمثل بدوره الحل الأمثل للحصول على عمل وتحقيق النجاح لأن نسب البطالة مرتفعة في الوسط الشبابي من مختلف الخلفيات وهو في تزايد مطرد باعتراف من الجهات الرسمية حيث تكشف بيانات معهد الإحصاء في برنامج الحكومة لعام 2015 أن معدلات البطالة في أوساط الشباب شهدت تزايداً خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث وصلت العام الماضي إلى 17.1 بالمئة بعدما كانت 15.8 بالمئة في عام 2012، أما في أغسطس هذا العام فقد بلغت 18.3 بالمئة.

وتقف الأزمات الاقتصادية المتنامية في تركيا والسياسات الاجتماعية المرتعشة التي تفتقد الحرص على ضمان رفاهية المواطن التركي وراء نشأة وتصاعد العديد من المشاكل والأزمات الاجتماعية من بينها تراجع المقدرة الشرائية وتدني مستوى العيش والبطالة وما ينجر عنهما جميعا من ظواهر اليأس والاكتئاب التي تودي بالشباب والمراهقين نحو الانحراف والجريمة ونحو دخول مجال الكسب غير المشروع بالانضمام إلى العصابات الإجرامية التي تقوم على التهريب والتجارة في الممنوعات وغيرها.

ذو الفقار دوغان: تخطى معدل البطالة حاجز 10.9 بالمئة، فيما يرتفع هذا الرقم بين الشباب إلى أكثر من 20 بالمئة

ويقول الرئيس السابق لجمعية المراسلين الاقتصاديين ذو الفقار دوغان في حديث له مع وكالات أنباء تركية “تخطى معدل البطالة حاجز 10.9 بالمئة، فيما يرتفع هذا الرقم بين الشباب إلى أكثر من 20 بالمئة وفي عهد حزب العدالة والتنمية ارتفع عدد مليارديري الدولار. كما وصل عدد الفقراء وغير الخاضعين للتأمين الاجتماعي إلى 20 مليون شخص. كما وصل عدد المواطنين الذين يتابَعون قانونيًا بسبب ديون البطاقات الائتمانية إلى 4 ملايين شخص. وبدأت البنوك تسترد القروض مبكرًا (…) فالثقة في الاقتصاد والسياسة والحكومة والقضاء والعدل في تركيا وصلت إلى أقل مستوياتها. ولا أتذكر أي فترة وصلت فيها الضغوط والتشاؤم إلى هذا المعدل الكبير على مدار حياتي المهنية الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود”.

ويؤكد دوغان فكرته حول تردي الأوضاع الاجتماعية في ظل حكم الحزب الإسلامي منذ عام 2002 بقوله “يحاول رئيس الوزراء داود أوغلو بيع الأحلام من خلال البرامج والمخططات التي أعلنها أسبوعًا بعد أسبوع وتستهدف عام 2018 وما بعده. فما قدمه من وعود بشأن تجهيز العرائس وتوفير الشقق السكنية وتقديم هدايا ذهبية للأمهات اللائي يلدن ثلاثة أطفال كلها وعود خاوية لا أساس لها.
وفي الواقع فإن دعم الدولة بنسبة 15 بالمئة لمحدودي الدخل الذين يجمعون الأموال لسنوات من أجل شراء جهاز بناتهم أو شراء شقة سكنية، هو يخدع المواطن البسيط بوعد ادخار الأموال، ومن ثم استغلال هذه الأموال لمحاولة تعويض الاقتصاد الذي يعاني بسبب رؤوس الأموال التي بدأت بالهروب.

ورغم ما تصرح به حكومة العدالة والتنمية من تحقيق ازدهار اقتصادي بالتوازي مع النمو والاستقرار الاجتماعي إلا أن الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية تؤكد بالأرقام أن هذه التصاريح بعيدة عن الواقع ويصفها محللون اقتصاديون بأنها من باب التباهي والتفاخر والمغالطات لأن الدخل القومي للفرد لم يسجل ازدهارا يذكر كما شهدت المواد الاستهلاكية تضخما في الأسعار وشهد الاستثمار الأجنبي انكماشا وتراجعا في الأشهر الأخيرة وهذه الظروف مجتمعة لن تؤدي إلا إلى ارتفاع معدلات البطالة وتدهور الأوضاع الاجتماعية بنسق متسارع في ظل تغافل وإهمال الحكومة لتحسين أوضاع الشباب وهو ما يجعلهم على الهامش في جميع مناحي الحياة.

12