البطء في تراجع معدلات زواج الأطفال بالعالم يُصعّب القضاء على الظاهرة

نيويورك - أعلنت اليونيسف في تقريرها الأخير أنّ معدّلات زواج الأطفال، ولاسيما الفتيات، واصلت التراجع في العقد الأخير في العالم لكن بوتيرة بطيئة للغاية، محذّرة من أنّ القضاء على هذه الظاهرة سيستغرق أكثر من 300 سنة إذا ظلّت الأمور على حالها. وقالت المعدّة الأساسية للتقرير كلوديا كابا لوكالة فرانس برس “لقد أحرزنا بلا شكّ تقدّماً على صعيد التخلي عن ممارسة زواج الأطفال، خصوصاً في العقد الماضي، لكنّ هذا التقدم ليس كافياً”.
وفي تقريرها قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة إنّه “رغم التراجع المستمرّ في معدّلات زواج الأطفال في العقد الأخير، ثمّة أزمات عديدة تهدّد بتراجع المكتسبات التي تحقّقت بشقّ الأنفس في هذا المجال، بما في ذلك النزاعات والصدمات المناخية والتأثيرات الجارية لجائحة كوفيد – 19”. وأضاف “يتعيّن أن يكون التراجع العالمي أسرع بـ20 ضعفاً لتحقيق هدف التنمية المستدامة بإنهاء زواج الأطفال بحلول عام 2030”.
ونقل التقرير عن المديرة التنفيذية للمنظمة التابعة للأمم المتّحدة كاثرين راسل قولها إنّ “العالم غارق في أزمات فوق الأزمات القائمة التي تحبط آمال الأطفال المستضعفين وأحلامهم، لاسيما البنات اللاتي يجب أن يكنّ طالبات على مقاعد الدراسة وليس عرائس”. وأضافت “علينا أن نبذل كل ما في وسعنا لضمان حقوق الأطفال بالتعليم وبحياة قائمة على التمكين”.
وحذّر التقرير من أنّ “الأزمتين الصحية والاقتصادية، وتصاعد النزاعات المسلّحة، والتأثيرات المدمّرة لتغيّر المناخ، تجبر الأسر على السعي إلى ملاذ زائف من خلال زواج الأطفال”. ولفت التقرير إلى أنّ تداعيات جائحة كوفيد – 19 “أدّت إلى تقليص عدد الحالات التي كان يمكن تجنّبها في مجال زواج الأطفال بمقدار الرُبع منذ العام 2020”.
وبحسب التقرير فإنّ “640 مليون بنت وامرأة يعشن اليوم تزوّجن أثناء طفولتهن، أو 12 مليون بنت سنويا”. وأضاف أنّ “نسبة الشابات اللاتي تزوّجن في مرحلة الطفولة تراجعت من 21 في المئة إلى 19 في المئة منذ إصدار آخر تقديرات قبل خمس سنوات”. وحذّر التقرير من أنّ “منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والتي توجد فيها ثاني أكبر حصة من المجموع العالمي للعرائس من البنات (20 في المئة) ، تحتاج إلى أكثر من 200 سنة لإنهاء هذه الممارسة بحسب المعدل الحالي للتقدم”.
ووفقاً للتقرير كذلك فإنّ “منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي أخذت تتخلّف عن الركب أيضاً، وهي على مسار سيجعل معدّل زواج الأطفال فيها ثاني أعلى معدل إقليمي في العالم بحلول عام 2030”. أما منطقتا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى فقد “توقف التقدم فيها بعد فترات من التقدّم المستمرّ”، بحسب اليونيسف.
وحذّرت اليونيسف من أنّ “البنات اللاتي يتزوّجن في مرحلة الطفولة يواجهن تبعات مباشرة وأخرى تمتد مدى الحياة، وتكون الأرجحية أقلّ أن يبقين في المدارس، كما يواجهن خطراً أكبر بالحمل المبكر الذي يزيد بدوره خطر المضاعفات الصحية والوفيات بين الأطفال والأمهات”.
كذلك “يمكن أن تؤدي هذه الممارسة إلى عزل البنات عن أسرهن وصديقاتهن واستبعادهن عن المشاركة في مجتمعاتهن المحلية مما يتسبب بأضرار كبيرة على صحتهن العقلية وعافيتهن”. وشدّدت راسل على وجوب “أن نركّز على إبقاء البنات في المدارس وأن نضمن توفير فرص اقتصادية لهنّ”. ويعرَّف زواج الأطفال على أنه أيّ زواج رسمي أو أيّ ارتباط غير رسمي بين طفلٍ تحت سن 18 عاماً وشخص بالغ أو طفل آخر.
وقالت اليونيسيف في تقرير نشر في العام 2022 حول زواج الأطفال “في الوقت الذي تناقص فيه انتشار زواج الأطفال في جميع أنحاء العالم، من واحدة من بين كل أربع فتيات تزوجن قبل عقد من الزمن إلى حوالي واحدة من كل خمس فتيات في يومنا، لا تزال هذه الممارسة واسعة الانتشار. وقبل جائحة كوفيد – 19، كانت 100 مليون فتاة معرضة لخطر زواج الأطفال في العقد المقبل. والآن، هناك ما يصل إلى 10 ملايين فتاة إضافية معرّضات لخطر زواج الأطفال”. وتدعو أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة إلى اتخاذ إجراء عالمي لإنهاء انتهاك حقوق الإنسان هذا بحلول عام 2030.
◙ البنات اللاتي يتزوجن في مرحلة الطفولة يواجهن تبعات مباشرة وأخرى تمتد مدى الحياة، وتكون الأرجحية أقلّ أن يبقين في المدارس
وبحسب اليونيسيف يحرم زواج الأطفال الفتيات من طفولتهن ويهدد حياتهن وصحتهن. وأكدت اليونيسيف أن البنات اللواتي يتزوجن قبل بلوغهن سن 18 سنة أكثر عرضة للعنف المنزلي ويقل احتمال بقائهن في المدرسة. كما يعانين من مشاكل اقتصادية وصحية أسوأ من أقرانهن غير المتزوجات، وتنتقل في النهاية إلى أطفالهن وتزيد من الضغط على قدرة البلد على توفير خدمات صحية وتعليمية جيدة.
وتحمل الفتيات العرائس وهن مراهقات، ما يزيد من خطر التعرض للمضاعفات خلال فترة الحمل والولادة عليهن وعلى أطفالهن الرضّع. وقد تؤدي هذه الممارسة أيضاً إلى عزل الفتيات عن العائلة والأصدقاء واستبعادهن من المشاركة في مجتمعاتهن، ما يؤثر تأثيراً كبيراً على سلامتهن البدنية والنفسية. وبما أن زواج الأطفال يؤثر على صحة الفتاة وعلى مستقبلها وعلى العائلة فقد يفرض أعباء اقتصادية فادحة على المستوى الوطني، بالإضافة إلى الكثير من المضاعفات الجسيمة على التنمية والرفاه.
وتتطلب معالجة مشكلة زواج الأطفال الاعتراف بالعوامل المختلفة التي تؤدي إلى استمرار هذه الممارسة. وبينما تختلف جذور هذه الممارسة عبر البلدان والثقافات، فإن الفقر ونقص الفرص التعليمية ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية تؤدي إلى إدامتها.
فبعض العائلات تُزوّج بناتها مبكراً للتخفيف من العبء الاقتصادي أو لكسب الدخل. وقد تفعل عائلات أخرى ذلك لأنها تؤمن بأن هذا سيؤمّن مستقبل بناتها أو حمايتهن. كما أن القواعد والصور النمطية حول أدوار الجنسين وسن الزواج، وكذلك المخاطر الاجتماعية والاقتصادية للحمل خارج الزواج، تدعم هذه الممارسة.