مصنع في البصرة يستغل موجات الحر في العراق لاستخراج الملح

البصرة (العراق) – مع ارتفاع درجات الحرارة في جنوب العراق، يجد عمّال أحد مصانع الملح فرصة للاستفادة من هذا الواقع المناخي القاسي.
في مصنع الملح الواقع على مشارف مدينة الفاو بمحافظة البصرة تُستخدم أحواض تركيز كبيرة لاستغلال مياه البحر في إنتاج الملح، ضمن طريقة تعتمد بشكل أساسي على درجات الحرارة المرتفعة الناتجة عن التغير المناخي.
وقال حسام داود العكيلي، مدير الإنتاج في “مملحة البصرة”، “تُعد مملحة الفاو أول منشأة في العراق تعتمد على مياه البحر حصريًا لإنتاج الملح، وهو يختلف تمامًا عن الملح الصخري المستخرج من الآبار أو البحيرات.” وأضاف “رغم أن ظاهرة الاحتباس الحراري تُعد سلبية للكثيرين، فإننا نعتبرها فرصة، إذ تساهم درجات الحرارة المرتفعة في تسريع عملية التبخر، ما يزيد من كفاءة الإنتاج وسرعته، ويُحسّن جودة الملح الناتج.”
التخلص غير السليم من النفايات الناتجة عن عمليات التحلية واستخراج الملح قد يؤدي إلى تلوث المياه الساحلية وتهديد التنوع البيولوجي البحري
وأوضح العكيلي أن العملية الإنتاجية تبدأ بضخ مياه البحر إلى أحواض التركيز، وهي أحواض تمتد على مساحة تُقدّر بسبعة كيلومترات طولًا وثلاثة كيلومترات عرضًا. وقال “كلما ارتفعت درجات الحرارة، ازدادت نسبة التبخر، وبالتالي يزداد تركيز الملح، ثم تُضخ المياه المركزة إلى أحواض البلورة، حيث تتشكل بلورات الملح.”
من جهته قال عبدالخالق صدام العبادي (مستثمر في المشروع) إن المملحة تنتج نحو 350 ألف طن من الملح سنويًا، وأضاف “يُستخدم هذا الملح من قبل وزارة النفط في عمليات استخراج النفط، كما يُزوّد مصانع الملح الغذائي في العراق، ويُستخدم كذلك في إنتاج الأقراص الملحية لتنقية المياه، إضافة إلى دخوله كمادة أولية في صناعة المنظفات.”
ويُعد استخراج ملح البحر أقل تدخلاً بيئيًا مقارنةً بالملح الصخري، إذ لا يتطلب عمليات حفر أو تفجير، ومع ذلك يحذر الخبراء من أن جمع الملح من مياه البحر على نطاق واسع قد يُخلّ بالتوازن البيئي في المناطق الساحلية.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن التخلص غير السليم من النفايات الناتجة عن عمليات التحلية واستخراج الملح قد يؤدي إلى تلوث المياه الساحلية وتهديد التنوع البيولوجي البحري.
وفي هذا السياق قال الباحث والأكاديمي مشتاق عيدان “رغم أن بعض الصناعات -مثل صناعة الملح وزراعة فسائل النخيل- تستفيد من درجات الحرارة المرتفعة، فإن الآثار السلبية لتغير المناخ تفوق بكثير هذه الفوائد المحدودة. فالاحتباس الحراري يهدد بتهجير السكان، وتغيير أنماط الطيور، وتقلص الثروة السمكية والحيوانية.”
وعلى عكس الكثير من المزارعين الذين تتلف الحرارة الشديدة محاصيلهم خلال الصيف في العراق، يفرح مزارعو النخيل في البصرة بالجو الحار الذي يعجّل بنضوج التمر.
وقال مزارع النخيل العراقي عباس علي عبداللطيف إنه ينتظر الجو الحار في موسم الصيف هذا “على أحرّ من الجمر.” فكلما زاد ارتفاع درجات الحرارة، التي تصل هذه الأيام إلى نحو 50 درجة مئوية في البصرة بجنوب العراق، ازدادت سعادة عبداللطيف لأن الحرارة تُعجّل بنضوج محصول التمر على شجر النخيل الذي يزرعه، كما أن ارتفاع الحرارة يُسهم في زيادة إنتاج النخيل وجودته.
وأضاف “بينما يتأثر مزارعون آخرون بدرجات الحرارة المرتفعة التي تؤثر على الأشجار، نحن ننتظر الجو الحار على أحرّ من الجمر، لأن الحرارة تخدمنا في نضوج التمر.”
وقال “احترقت أوراق بعض النباتات بسبب الحرارة العالية، إلا أن النخيل يتحمّل مثل هذه الحرارة،” مضيفًا أن ارتفاع الحرارة “زاد إنتاج النخيل، ورفع جودة التمر.”
ويعني ارتفاع درجات الحرارة أنه يمكن لعبداللطيف استخراج وإنتاج شراب التمر المعروف باسم “دبس دمعة” الشائع بين المستهلكين، والذي يحتاج إلى كبسه وتركه تحت أشعة الشمس.
وقال عبداللطيف “إضافة إلى ذلك نستفيد من موجة الحرارة المرتفعة لنصنع الدبس (عسل التمر)، بحيث يُؤخذ التمر ويُوضع في مكابس ويُعرّض لأشعة الشمس. وكلما كانت أشعة الشمس مرتفعة حصلنا على نوعية جيدة من الدبس الذي يُعرف باسم دبس الدمعة.”
وتُصنّف الأمم المتحدة العراق ضمن أكثر الدول عُرضة لتغير المناخ، بسبب شح المياه وموجات الجفاف والارتفاع الشديد في درجات الحرارة، ما يُفاقم التحديات البيئية والاقتصادية في البلاد.
وقد رسمت وكالة الطاقة الدولية خريطة شاملة لتحديات الطاقة في العراق، مع التركيز على المصاعب والأزمات التي يواجهها البلد، وتلك التي سيواجهها حتى نهاية القرن الحالي مع احتمال ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 5 درجات مئوية، وهي مخاطر مناخية تشكل اختبارًا لقدرة العراق على التكيف والمرونة.
وتواجه محافظة البصرة موجة متصاعدة من ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف، تنعكس سلبًا على مختلف جوانب الحياة. فقد أدى تفاقم الظاهرة المناخية إلى تدهور الصحة العامة، لاسيما مع ازدياد حالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس بين الفئات الأكثر هشاشة، بالتزامن مع تراجع جودة الهواء وتزايد معدلات التلوث.
كما تأثرت الزراعة بشكل حاد نتيجة نقص المياه وتملّح التربة، ما تسبب في انخفاض إنتاج المحاصيل وتهديد الأمن الغذائي. وعلى الصعيد البيئي باتت الثروة السمكية في خطر بسبب ارتفاع حرارة المياه وتغير أنماط الهجرة والتكاثر لدى العديد من الكائنات البحرية.
ويواجه السكان أعباء متزايدة على البنية التحتية نتيجة الضغط الهائل على الكهرباء وانهيار منظومات التبريد، ما أدى إلى موجات نزوح بحثًا عن ظروف أكثر ملاءمة للعيش. وفي ظل هذه التحديات تبرز الحاجة إلى تحرك بيئي وتنموي عاجل يضع الإنسان والبيئة في قلب السياسات المناخية المستقبلية.