البشرية تواجه "أكبر تحد" في العشرين عاما القادمة

يضع العالم المخاطر البيئية على رأس قائمة التحديات التي تواجه البشرية، لتضاف إليها خلال العام الماضي الأوبئة، متناسيا خطرا أكبر هو الهجمات الإلكترونية التي قد تشعل حربا نووية، وتشكل ما وصفه علماء بـ”التحدي الأكبر” خلال السنوات العشرين القادمة.
لندن - تركيز العالم الذي انصبّ على جائحة كوفيد – 19 والحجم الهائل لتأثير الجائحة على البشرية، التي انتشرت خلال العام الماضي وما زالت تشكل خطرا ماثلا حتى اليوم، ربما حوّل الانتباه عن أخطار أرضية أخرى.
التحذير أطلقه الفلكي البريطاني مارتن ريس خلال حديث مع عالم الفيزياء الفلكية الأميركي فريدريك لامب بجامعة إلينوي وعضو هيئة تدريس أساسي في برنامج الحد من التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي.
وكان هذان العالمان الرائدان ضمن مجموعة من المتحدثين الذين شاركوا في الاجتماع الافتراضي للجمعية الفيزيائية الأميركية، وهي منظمة تأسست عام 1899 لتعزيز المعرفة بالفيزياء.
حرب إلكترونية

جو بايدن: على خصومنا أن يعرفوا أنني لن أقف مكتوف اليدين
عند مناقشة العقبات التي تواجه البشرية في المستقبل، أثار ريس فكرة أن الهجمات الإلكترونية من بين أكبر التحديات نظرا لسهولة إطلاقها.
وقال ريس وهو أيضا المؤسس المشارك لمركز دراسة المخاطر الوجودية بجامعة كامبريدج “ما يخيفني حقا هو أنه من الممكن صنع سلاح بيولوجي أو التسبب في هجوم إلكتروني باستخدام الحد الأدنى من المعدات، والمعدات الأساسية متاحة للعديد من الأشخاص. أرى أن التحدي الأكبر في العشرين عاما القادمة هو ضمان عدم حدوث هذا”.
وكان ريس قد أثار الجدل والاهتمام إثر نشره عام 2003 لكتاب “الساعة الأخيرة” الذي تحدث فيه عن القرن الحادي والعشرين وخصوصاً العام 2020 الذي سيشهد مقتل مليون إنسان نتيجة تدخلات العلماء في التعديل الوراثي للأحياء والاستنساخ البشري والحيواني والزراعة النسيجية وغيرها من علوم بيولوجية. وفي هذا الكتاب تأكيدات لمخاوف من احتمالات فناء الكون.
ووافق لامب زميله مؤكدا “لكي يستمرّ البشر على الأرض يجب أن يأخذوا المخاوف من نشوب حرب إلكترونية في المستقبل القريب على محمل الجدّ جنبا إلى جنب مع الأوبئة والكوارث البيئية الأخرى”.
وأوضح ريس “الدفاع الصاروخي لم يكن قادرا أبدا على الحماية من هجوم نووي، وليس هناك احتمال أن يكون ذلك ممكنا في المستقبل المنظور. والإنفاق على الدفاع الصاروخي جعلنا أقل أمانا، من خلال التسبب في زيادة خصومنا المحتملين لترساناتهم النووية”.
وأضاف “إذا أردنا جميعا، (سكان الأرض)، ضمان ترك كوكبنا في حالة أفضل للأجيال القادمة فنحن بحاجة إلى تعزيز النشر الحكيم للتكنولوجيات الجديدة مع تقليل مخاطر الأوبئة والتهديدات الإلكترونية وغيرها من المخاطر العالمية والكوارث”.
المخاوف نفسها تكررت في دراسة شارك في إعدادها باحثون أميركيون وصينيون قالوا إن الهجمات الإلكترونية على الأنظمة النووية يمكن أن تؤدي إلى نشوب حرب يُستخدم فيها السلاح النووي، وإن حروب الفضاء الإلكتروني قد تنتقل إلى الواقع مهددة حياة الملايين.
الدراسة التي استغرق إنجازها ثلاث سنوات أجراها معهد “شانغهاي” الصيني للدراسات الدولية ومؤسسة “كارنيغي” الأميركية، وحذرت من أن القوى الكبرى لا تفتقر فقط إلى آلية للتعامل مع خطر الهجوم على الأنظمة النووية وتحوله إلى حرب، بل إنها لا تدرك التهديد الكامل لذلك.
ونبهت الدراسة إلى أن الخطر قائم حتى لو كانت نية التجسس الإلكتروني على دولة مّا دفاعية، ذلك أنه من المحتمل أن ترد الدولة الضحية للتجسس بانزعاج شديد وقد تستخدم أسلحتها النووية قبل اختراقها، محذرة كلاّ من واشنطن وبكين من الانجرار إلى الخيار النووي.
أسرار نووية
وتمتلك الولايات المتحدة حوالي 5800 رأس نووي، بينما لا يتجاوز ما تملكه الصين 200 رأس نووي.
وكانت الصين قد اتهمت خلال العام الماضي الولايات المتحدة بالتورط في عملية تجسس إلكتروني. في المقابل اتهمت “مايكروسوفت” الصين باختراق برنامج البريد الإلكتروني لسرقة البيانات من باحثين ومؤسسات أميركية.
وأكد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي الاتهامات قائلا إن مكتبه يحقق في نحو 2000 قضية اختراق يشك في أن جهات صينية تقف وراءها، مشيرا إلى زيادة بنسبة 1300 في المئة في تحقيقات التجسس الاقتصادي على مدى السنوات الماضية.
لا يمكن القول إن الحكومات تجهل تماما مخاطر الهجمات الإلكترونية، التي أثارت حربا كلامية بين واشنطن وموسكو وأدت إلى تدهور العلاقات بينهما. وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد وعد فور انتخابه أن إدارته ستجعل ما أسماه حملة تسلل إلكتروني استهدفت شبكات الحكومة أولوية قصوى، مهددا أنه سيجعل الأطراف المسؤولة عن مثل هذه الهجمات تدفع “ثمناً باهظاً”.
وأضاف بايدن، في بيان “على خصومنا أن يعرفوا أنني، كرئيس، لن أقف مكتوف اليدين أمام الهجمات الإلكترونية على أمتنا”.
إلى ذلك، نقل موقع “بوليتكو” عن مسؤولين أميركيين، أن الإدارة الوطنية للأمن النووي اختُرِقَت خلال الهجمات الإلكترونية الأخيرة، لافتين إلى أن هناك أدلة على أن القراصنة اخترقوا شبكات إدارة الترسانة النووية.

مارتن ريس: الهجمات الإلكترونية أكبر تحد نظرا لسهولة إطلاقها
ويعتقد أن بعض أعمق الأسرار الأميركية قد تكون سرقت في عملية منظمة امتدت أشهراً، نُسبت إلى نخبة من قراصنة الحكومة الروسية. ويخشى من أن يكون القراصنة قد استولوا على أسرار نووية وبيانات لقاح كورونا أو مخططات أنظمة أسلحة الجيل التالي؟ معرفة الجواب تتطلب أسابيع وربما سنوات في بعض الحالات.
من الواضح أن هذه الحملة التي يقول خبراء الأمن السيبراني إنها تعرض تكتيكات وتقنيات جهاز الأمن الاستخباراتي الخارجي الروسي ستصنّف بين أكثر الحملات المثمرة في سجلات التجسس الإلكتروني.
وتُعدّ الوكالات الحكومية الأميركية، بما فيها وزارتا الخزانة والتجارة، من بين عشرات الأهداف ذات القيمة العالية في القطاعين العام والخاص، المعروف أنها اختُرِقَت منذ مارس، من خلال تحديث تجاري لبرنامج وُزِّع على الآلاف من الشركات والوكالات الحكومية في مختلف أنحاء العالم.
ومنذ صدور التحديث استخرج القراصنة بعناية البيانات وقاموا في غالبية الأوقات بتشفيرها بشكل لم يوضح ما سُرِق، كذلك فإنّهم غطّوا مسارات تتبعهم بعناية.
منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ومع احتدام الحرب على الإرهاب ودخول الجماعات الجهادية والإرهابية الفضاء الإلكتروني باعتباره ساحة للصراع مع القوى الكبرى بدأ الحديث في أوساط الدراسات الاستراتيجية عن ثورة في شؤون الاستخبارات (RIA) التي نقلت الجاسوسية ثاني أقدم مهنة في العالم من “الأزقة المظلمة الملتبسة بالسرية” إلى ساحة الفضاء الإلكتروني المكشوفة.
أصبح التجسس الإلكتروني من أبرز التهديدات الأمنية الحديثة التي تتعرض لها الحكومات والمواطنون من طرف استخبارات خارجية أو أخرى داخلية تجاه مواطنيها على حد سواء، وقد تضاعفت عمليات التجسس الإٌلكتروني مع التطور التكنولوجي الحاصل في خوادم الإنترنت، حتى أن هناك من الحكومات من شرّعت بشكل غير مباشر للتجسس الإلكتروني داخليا و خارجيا على المؤسسات و المواطنين.
قلق أمني
وحاليا، فإن كل شخص تقريبا يحمل أدوات تجسس محتملة متعددة. فيمكن إصابة الهواتف المحمولة وأنظمة الحاسب الآلي ببرمجيات خبيثة يمكنها السماح لأطراف معادية بالسيطرة على الميكروفونات والكاميرات عن بعد، وتحويلها إلى منصات جمع مقاطع صوتية ومقاطع مصورة سرّية. كما أن مكبرات الصوت الذكية والأدوات الأخرى التي تدعم الاتصال بالإنترنت معرّضة للقرصنة وأن يتم استخدامها كأدوات تجسّس.
تزايد التهديدات الأمنية التقليدية كالإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة والتجسس بصيغته التقليدية أدى بأجهزة الاستخبارات إلى مضاعفة عملياتها في إطار التجسس الإلكتروني على المؤسسات والأفراد، وذلك مرده إلى “القلق الأمني” الذي أصبح يراود أجهزة الاستخبارات بتضييع معلومات مهمة قد تساعدها في الوقاية والاستباق والتنبؤ بخطر معين، ولو على حساب اختراق القوانين المحلية والدولية التي تحمي الخصوصية الفردية والجماعية.
القلق الأمني وصل ببعض أجهزة الاستخبارات إلى مرحلة “الهوس الأمني” والشك وعدم الثقة في أيّ طرف مهما كان مؤسسة رسمية أو مواطنا عاديا، بحيث طورت الاستخبارات تقنيات التجسس الإلكتروني والسيبراني بهدف عدم تفويت أيّ معطيات ومعلومات قد تساعدها في الكشف عن “أسرار استراتيجية.”
لكن الإشكالية التي تثير القلق هي ما يتعلق باستغلال بعض أجهزة الاستخبارات التجسس الإلكتروني في سبيل المتاجرة بالمعلومات والخصوصيات و تسريبها لأطراف خارجية حليفة أو عدوّة ، مما يطرح تهديدا مباشرا للأمن القومي للدولة.