البرهان يستنجد بالقوة العسكرية الإيرانية لمساعدته على الصمود

طهران تسعى للسيطرة على الموانئ السودانية قبالة البحر الأحمر.
الأربعاء 2024/02/14
البرهان يلعب آخر أوراقه

الخرطوم – يؤسس استنجاد قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بإيران لصفقة تمنح بموجبها طهران الدعم العسكري واللوجستي لقواته ما يساعده على الصمود أمام تقدم قوات الدعم السريع مقابل منح الجمهورية الإسلامية منفذا على البحر الأحمر لتمديد نفوذها.

وبعد قطيعة استمرت نحو 8 سنوات، يتجه السودان وإيران بخطى حثيثة لفتح صفحة جديدة في العلاقات، وسط توترات إقليمية متصاعدة بين طهران وداعميها من جهة، وواشنطن وحلفائها من جهة أخرى، وحرب يخوضها الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.

وتمثلت آخر خطوات التقارب في زيارة امتدت يومين أجراها وزير الخارجية السوداني علي الصادق إلى طهران في الخامس من فبراير الجاري، بوصفه أول وزير في بلاده يزور إيران بعد 8 سنوات.

واستقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وزير الخارجية السوداني مرحبا برغبة الخرطوم في إحياء العلاقات مع طهران واعتبر ذلك “أساسا لتعويض الفرص الضائعة وتوفير أخرى جديدة”.

ولدى استقباله وزير الخارجية السوداني، أكد الرئيس الإيراني دعم طهران لـ”إرساء حكومة قوية في السودان وسيادته”، معتبرا أن “إعادة فتح السفارتين في طهران والخرطوم وتبادل السفراء يمهدان الأرضية المناسبة لإحياء وتطوير علاقات البلدين”.

وقوبل الترحيب بعودة العلاقات من أعلى مستويات الدولة الإيرانية، بتأكيد سوداني من وزير الخارجية الذي أعلن استعداد بلاده “لاستعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع إيران”.

وفي الزيارة ذاتها، أعرب وزير الخارجية السوداني خلال لقائه نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان عن أسفه لـ”توقف العلاقات بين البلدين”، مؤكدا “إرادة الخرطوم الجادة في تعزيز وتطوير الأواصر مع طهران بمختلف المجالات”.

بدايات التقارب

الجيش يخير التصعيد
الجيش يخير التصعيد

في يناير 2016، وخلال حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير (1989 – 2019)، قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع إيران، ردا على اقتحام محتجين لسفارة السعودية في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرق)، بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر مع مدانين آخرين، بتهمة الإرهاب.

وقبل قطع العلاقات بين البلدين كانت العلاقات بين الخرطوم وطهران وثيقة، وكانت الأخيرة مصدرا وموردا للأسلحة إلى الخرطوم منذ تسعينات القرن الماضي، كما تضمنت العلاقات آنذاك اتفاقيات تعاون عسكرية ودفاعية بالإضافة إلى مشاريع مشتركة.

وبدأ جبل القطيعة بين البلدين في الذوبان بعد نحو 3 أشهر على تعرض السودان لحرب مدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، إثر خلافات بشأن دمج قوات الأخيرة في المؤسسة العسكرية الرسمية.

وفي يوليو 2023، التأم أول لقاء بين وزيري خارجية السودان وإيران على هامش اجتماع وزراء خارجية دول “حركة عدم الانحياز” بالعاصمة الأذرية باكو، وأعلن الوزيران في ذلك اللقاء “استئنافا وشيكا للعلاقات بين البلدين”، ليعلنا رسميا في التاسع من أكتوبر من العام ذاته، قرار استئناف علاقاتهما الدبلوماسية بعد قطيعة 7 سنوات.

وبعد ذلك الوقت، وعلى هامش القمة المشتركة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية بالرياض في نوفمبر 2023، التقى الرئيس الإيراني برئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان وبحثا تعزيز العلاقات بين البلدين.

حرب السودان

صفقة تمنح بموجبها إيران الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني مقابل منحها منفذا على البحر الأحمر

يرى الصحافي السوداني حاتم الكناني أنه “لا يمكن النظر إلى التقارب الإيراني – السوداني بعيدا عن النظر إلى التعقيدات في السودان والحرب التي يخوضها الجيش ضد الدعم السريع”. وقال الكناني إن “تعدد مراكز القرار داخل الحكومة السودانية الحالية يجعل التقارب مع إيران يمثل تيارا حكوميا وداخل الجيش وليس موقفا كاملا للجيش والحكومة معا، باعتبار أن الحرب وتعقيداتها أفرزت مواقف متناقضة داخل الحكومة السودانية أكثر من مرة”.

ومنذ منتصف أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، حربا مع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، خلّفت أكثر من 13 ألف قتيل وما يزيد عن 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا لبيانات الأمم المتحدة. وفي تقييمه للتقارب الإيراني – السوداني الحالي، قال المحلل السياسي السوداني محمد سعيد إن “مستوى العلاقة منخفض حتى الآن، فهو مستوى وزارة الخارجية فقط، وكل طرف يسعى لاختبار هذه العلاقة حاليا”.

برأي سعيد، فإن السودان يحاول من خلال سعيه لترميم علاقاته مع إيران لـ”كسب حليف خارجي جديد، لاسيما أن علاقة الخرطوم مع دول الهيئة الحكومية الأفريقية ‘إيغاد’ تشهد خلافات وتدهورا منذ مدة”. وفي العشرين من يناير الماضي، جمدت الخرطوم عضويتها في الهيئة الأفريقية الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا “إيغاد” التي كانت ترعى جهودا لحل الأزمة عبر محاولة عقد لقاء مباشر بين البرهان وحميدتي.

وأرجعت الخرطوم التجميد إلى ما قالت إنه “تجاهل المنظمة لقرار السودان، الذي نُقل إليها رسميا بوقف انخراطه وتجميد تعامله معها في أي موضوعات تخص الوضع الراهن في السودان”. و”إيغاد” منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية، تأسست عام 1996، وتتخذ من جيبوتي مقرا لها، وتضم دولا من شرق أفريقيا هي: السودان وجنوب السودان وإثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال وجيبوتي وإريتريا.

واعتبر سعيد أن الخرطوم بتقاربها مع طهران “تريد الضغط على المجتمع الدولي واستخدام طهران ورقة ضغط، بجانب الاستفادة كذلك من القوة الإيرانية العسكرية في الحرب الدائرة في السودان ضد قوات الدعم السريع”. وفي الآونة الأخيرة، تداولت تقارير صحفية دولية أنباء عن تزويد طهران الجيش السوداني بطائرات مسيرة قتالية جرى استخدامها في الحرب ضد قوات الدعم السريع.

وأوردت وكالة بلومبرغ أن إيران تقوم بتزويد الجيش السوداني بشحنات من الأسلحة الإيرانية وبطائرات مسيّرة من طراز “مهاجر 6” التي تصنع في إيران. واستعان الجيش في المعارك في أم درمان والخرطوم بالأسلحة الجديدة “في محاولة لإحداث تغييرا في إستراتيجيته بالتحول من الدفاع إلى الهجوم”.

أهداف إيرانية

حح

يشير سعيد إلى أن إيران “تريد أن تكون في المشهد الساخن في البحر الأحمر حيث التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها الحوثيين”. وقال إن “عين إيران على السودان وعلى البحر الأحمر المنطقة الأكثر سخونة حاليا”.

ويحظى السودان بإطلالة على البحر الأحمر بطول يقارب 800 كلم، وهو ما جعله محورا للتنافس الإقليمي والدولي على تشغيل موانئه. وبالسيطرة على الموانئ السودانية، ستحصل إيران وحلفاؤها على موطئ قدم في ممر تجاري بالغ الأهمية بالقرب من اليمن والمملكة العربية السعودية وإسرائيل.

وتضامنا مع غزة التي تواجه حربا إسرائيلية مدمرة، منذ السابع من أكتوبر الماضي، يستهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر، عاقدين العزم على مواصلة عملياتهم حتى إنهاء الحرب على القطاع.

ومنذ مطلع العام الجاري، يشن تحالف تقوده واشنطن غارات يقول إنها تستهدف “مواقع للحوثيين” في مناطق مختلفة من اليمن، ردا على هجماتهم في البحر الأحمر، وهو ما قوبل برد من الجماعة من حين إلى آخر.

ومع تدخل واشنطن ولندن واتخاذ التوترات منحى تصعيديا لافتا في يناير الماضي، أعلنت جماعة الحوثي أنها باتت تعتبر كافة السفن الأميركية والبريطانية ضمن أهدافها العسكرية.

6