البرهان يستثمر المكاسب العسكرية الميدانية لتمرير حكومة الجيش

حزام سياسي موال للجيش يجري مشاورات في بورتسودان.
الأحد 2025/02/09
الجيش يفكر في المكاسب العسكرية ويتناسى أوضاع النازحين

بورتسودان (السودان) - جدد رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبدالفتاح البرهان، السبت، عزمه تشكيل حكومة في الفترة المقبلة لاستكمال مهام المرحلة الانتقالية، في خطوة يرى مراقبون أن الهدف منها استثمار النجاحات على الأرض وتحويلها إلى مكاسب سياسية.

ونجح الجيش السوداني في تحقيق تقدم ميداني على جبهة الخرطوم مستفيدا من ظروف صعبة تمر بها قوات الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة.

وجاء حديث البرهان عن حكومة جديدة خلال كلمة ألقاها في ختام مشاورات عقدتها قوى سياسية ومجتمعية بشأن خارطة الطريق للحوار السوداني ـ السوداني بمدينة بورتسودان شرقي البلاد، وفقا لوكالة الأنباء السودانية الرسمية.

وشاركت في هذه المشاورات التي استمرت عدة أيام، قوى سياسية، وحركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام مع الحكومة، إضافة إلى زعماء قبائل، وشخصيات عامة تمثل المجتمعات المحلية بعدد من مناطق البلاد. وقال البرهان في كلمته “نريد لهذا الحوار أن يكون شاملا لكل القوى السياسية والمجتمعية“.

وأضاف “الفترة القادمة ستشهد تكوين حكومة لاستكمال مهام الانتقال“. وتابع “هذه الحكومة (التي سيتم تشكيلها) يمكن تسميتها حكومة تصريف أعمال أو حكومة حرب“.

◙ اجتماعات بورتسودان لا تنفصل عن أخرى بدأت في القاهرة ترمي إلى تدشين حوار سوداني - سوداني بواسطة قوى محسوبة على الجيش

وأوضح أن الهدف من تشكيلها “مساعدة الدولة على إنجاز المهام العسكرية المتبقية، والمتمثلة في تطهير السودان من المتمردين (قوات الدعم السريع).” وأشار البرهان إلى أن الحكومة المقبلة ستكون مكونة من الكفاءات الوطنية المستقلة.

وبعد عزل الرئيس عمر البشير إثر احتجاجات شعبية عام 2019، بدأت فترة انتقالية في السودان بين المجلس العسكري وقوى سياسية مدنية كانت مدتها 4 سنوات.

لكن لم تكتمل الفترة الانتقالية التي كانت ستفضي إلى تسليم السلطة لحكومة مدنية عبر انتخابات حرة ونزيهة، عقب إعلان البرهان في 25 أكتوبر 2021 إجراءات استثنائية منها حل الحكومة الانتقالية واعتقال وزراء وسياسيين وإعلان حالة الطوارئ وإقالة الولاة (المحافظين).

وبعد هذه الإجراءات، شكل البرهان حكومة من وزراء مكلفين، يقودها رئيس الوزراء المكلف عثمان حسين.

وكانت “العرب” قد أشارت قبل يومين إلى وجود اجتماعات في بورتسودان تشارك فيها أحزاب داعمة للجيش السوداني، أبرزها: الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة عثمان الميرغني، وحزب الاتحاد الوطني بقيادة يوسف محمد الزين، وتنسيقية القوى الوطنية، والتحالف الديمقراطي ويقوده مبارك أردول، وشخصيات عامة بينها رئيس لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة المحامي نبيل أديب، وإدارات أهلية ومجتمعية في بورتسودان، وحركات مسلحة متحالفة مع الجيش، وقيادات محسوبة على حزب المؤتمر الوطني (المنحل) حضرت من خلال أحزاب سودانية مشاركة.

وأخذت عملية تجميع تلك القوى وقتا، وتمكنت الأطراف التي تقود الحوار من توسيع دائرة المشاركين فيه، بما يخلق واقعا سياسيا في بورتسودان تقف في خلفيته قوى مؤثرة في المشهد، لا تقول مباشرة إنها ترفض الجلوس مع تنسيقية “تقدم”، لكن تتحجج برفض الجلوس مع أيّ شخص صدر بحقه حكم قضائي، ما يعرقل تواجده.

وقال المحلل السياسي السوداني علي الدالي إن اجتماعات بورتسودان لا تنفصل عن أخرى بدأت في القاهرة، ترمي إلى تدشين حوار سوداني – سوداني بواسطة قوى محسوبة على الجيش، تتكون من مجموعات رفضت التوقيع على بيان مؤتمر القاهرة السابق، ومن المتوقع مشاركتها في أي مفاوضات مستقبلية كممثلين عن الجيش، والذي سيتوجب عليه الدخول لاحقا في مفاوضات مع قوات الدعم السريع لوقف الحرب.

وأضاف الدالي في تصريح لـ“العرب” أن القوى المحسوبة على الحكومة السودانية تريد فرض واقع سياسي عقب انتهاء الحرب، وقطع الطريق على قوى تسعى للتفاوض خارج السودان، ترى أن التواجد في بورتسودان يجعلها في قبضة الجيش.

وتزامن هذا الحراك السياسي من الجيش بعد نجاحات ميدانية واضحة، حيث أعلن الجيش السوداني السبت أنه استعاد السيطرة على قطاع رئيسي في العاصمة الخرطوم، مما وضع خصومه قوات الدعم السريع في مأزق.

وكانت منطقة كافوري الواقعة بولاية الخرطوم شمال (بحري) خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 حين اندلعت الحرب بين هاتين القوتين المتنافستين، والتي خلفت الآلاف من الضحايا وشردت 12 مليون شخص وتسببت بأزمة إنسانية كبيرة.

وأعلن المتحدث باسم الجيش السوداني نبيل عبدالله في بيان “أكملت قواتنا مع الوحدات المتحالفة معها تطهير منطقة أبوقوتة ومناطق بشرق النيل وكافوري من شراذم ميليشيات دقلو الإرهابية،” في إشارة إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”.

وهذه المنطقة التي تعد واحدة من أغنى مناطق الخرطوم ويسكنها مليون نسمة، تشكل معقلا لقوات الدعم السريع. وكان يقيم فيها عبدالرحيم دقلو، شقيق ونائب قائد قوات الدعم السريع. وهذه العملية تجعل الجيش أقرب إلى استعادة السيطرة الكاملة على بحري حيث يعيش نحو مليون نسمة.

◙ حراك سياسي لمحسوبين على الجيش لتشكيل حكومة جديدة يتزامن مع نجاحات ميدانية واضحة خاصة على جبهة الخرطوم

وشن الجيش هجومه على بحري في الأسابيع الأخيرة ودحر قوات الدعم السريع نحو الضواحي. وتشكل بحري مع أم درمان ومركز المدينة إلى الجنوب الخرطوم الكبرى. والجيش الذي كان في موقع دفاعي في بداية الحرب بقيادة عبدالفتاح البرهان، يتقدم منذ عدة أسابيع في العاصمة أمام قوات حليفه السابق.

وأعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها الجمعة من الأعمال الانتقامية المحتملة في المناطق التي استعادت القوات النظامية السيطرة عليها مؤخرا.

وشددت المنظمة غير الحكومية على أنها تعمل على التحقق من صحتها، وأوردت معلومات تحدثت عن “قوائم بأسماء سياسيين وقضاة ومدافعين عن حقوق الإنسان وعاملين في المجال الطبي والإنساني، متهمين بأنهم شركاء لقوات الدعم السريع“.

وتتهم جماعات حقوق الإنسان الجيش والميليشيات المتحالفة معه بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القانون وخطف وتعذيب جسدي ونفسي، لاسيما استهداف المجتمعات المشتبه في وجود صلات لها بقوات الدعم السريع.

كما وردت تقارير عن استهداف مدنيين على أساس عرقهم في المناطق التي يسيطر عليها الجيش.  وكثف الجيش عملياته ضد قوات الدعم السريع في منطقة غرب دارفور الشاسعة.

وفي زالنجي عاصمة وسط دارفور الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، على بعد 1400 كيلومتر من الخرطوم، أدت غارة جوية على حي سكني إلى مقتل ثلاثة أشقاء وشقيقات، وفقا لمجموعة محلية تمثل النازحين واللاجئين.

وفي نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، قتلت غارات جوية نفذها الجيش الأسبوع الماضي 57 شخصا خلال يومين، بحسب ما أفاد مصدر طبي لوكالة فرانس برس.

وتعد نيالا، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع أيضا منذ نهاية عام 2023، مدينة إستراتيجية لها مطار تمر عبره الإمدادات والأسلحة، وفقا لصور من مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل. وبينما تسيطر قوات الدعم السريع على جزء كبير من دارفور، عزز الجيش قبضته على شمال البلاد وشرقها وعلى مناطق في وسط البلاد.

4