البرهان في أول زيارة لمصر على وقع هزائم في الخرطوم

زيارة قائد الجيش السوداني لمصر تأتي بينما لم يعد بمقدوره العودة إلى مقر القيادة في العاصمة المحاصر من قبل قوات الدعم السريع.
الثلاثاء 2023/08/29
البرهان يطرق أبواب القاهرة بحثا عن حل لورطته

القاهرة – وصل قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الثلاثاء إلى مطار مدينة العلمين الساحلية في شمال مصر، قادما من مطار بورتسودان الدولي بولاية البحر الأحمر شمال شرق السودان، وكان في استقباله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

وهذه أول زيارة خارجية  للبرهان منذ اندلاع النزاع المسلح في منتصف ابريل الماضي مع قوات الدعم السريع وتأتي بعد خروجه من مقر قيادة الجيش في الخرطوم التي تحاصرها قوات الدعم ومغادرته لبورتسودان بعد أن انحسر نفوذ قواته في العاصمة، بينما لم يتم تحديد مدة الزيارة.

وأفادت الرئاسة المصرية في بيان بأن "اللقاء شهد استعراض سبل التعاون لا سيما عن طريق المساعدات الإغاثية وتطورات الأوضاع في السودان ومسار دول جواره والتشاور حول الجهود الرامية لتسوية الأزمة".
ومطلع أغسطس الجاري، أعلن وزراء خارجية دول جوار السودان وضع خطة عمل تحال إلى زعمائهم، تتضمن ثلاثة أجزاء وهي "تحقيق وقف إطلاق نار نهائي وتنظيم حوار شامل بين الأطراف السودانية وإدارة القضايا الإنسانية"، وفق البيان الختامي.

وقال البرهان في تصريحات لقناة "القاهرة" الإخبارية المصرية "قصدنا من الزيارة أن نضع القيادة المصرية في الصورة الصحيحة واطلاعها على تطورات الموقف"، مضيفا "نحن حريصون على أن نضع حدا لهذه الحرب ونسعى لإقامة فترة انتقالية يستطيع بعدها الشعب أن يؤسس دولة من خلال انتخابات حرة نزيهة".

لكن تصريحات البرهان تناقض مواقفه، حيث أبدى رفضا لمبادرة قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لحل الأزمة في السودان وتأسيس "الدولة السودانية الجديدة" وبناء جيش سوداني جديد ينأى بنفسه عن السياسة.

وقال حميدتي في بيان تحت عنوان "رؤية قوات الدعم السريع للحل الشامل وتأسيس الدولة السودانية الجديدة" إن "الحل للأزمة الراهنة ينبغي أن يكون بالرجوع إلى ما كانت تتمسك به قوات الدعم السريع دوما وهو الحل السلمي".

وأضاف أن "الحرب التي تدور في السودان هي انعكاس لمظهر من مظاهر الأزمة السودانية المتطاولة. وذلك يستوجب أن يكون البحث عن اتفاق لوقف إطلاق نار طويل الأمد مقرونا بمبادئ الحل السياسي الشامل الذي يعالج الأسباب الجذرية لحروب السودان".

وشدد على ضرورة "الإقرار بضرورة تأسيس وبناء جيش سوداني جديد من الجيوش المتعددة الحالية وذلك بغرض بناء مؤسسة عسكرية قومية مهنية واحدة تنأى عن السياسة".

لكن البرهان استبعد الاثنين خلال تفقده جنودا في قاعدة بحرية في بورتسودان التي بقيت بمنأى عن الحرب حتى الآن، أي فرصة للمفاوضات، بينما كان قد لازم لمدة أربعة أشهر مقرّ قيادته الذي كان يتعرّض لحصار وهجمات متتالية من قوات الدعم السريع.

وقال للجنود ولصحافيين في قاعدة فلامنغو البحرية "المجال ليس مجال الكلام الآن.. نحن نكرّس كلّ وقتنا وجهدنا للحرب لإنهاء هذا التمرّد"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع. وكان دقلو نائبا للبرهان في مجلس السيادة قبل الحرب.

واعتبر البرهان الحديث عن خروجه من العاصمة الخرطوم باتفاق سياسي أو صفقة أو بمساعدة جهة خارجية "مجرد وهم".

وتابع في تصريحاته الثلاثاء من القاهرة "نطمئن أصدقاء وجيران السودان أننا ماضون في السعي لإيقاف الحرب ونهايتها واستكمال المسار الديمقراطي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في نهاية المسار الانتقالي حتى يختار السودانيون من يحكمهم". ولم يوضح البرهان طبيعة هذا المسار الانتقالي.
ويرى متابعون أن البرهان في موقف صعب بعد طرح دقلو لمبادرته، ويسعى من خلال انتقاله إلى دول الجوار إلى البحث عن حل يضمن بقاءه في المشهد السياسي.

وفي هذا الصدد قال محلل الشأن السوداني بمعهد ريفت فالي مجدي الجزولي لوكالة فرانس برس إن "مصر هي القوة الإقليمية الرئيسية التي بيدها حل وعقد شؤون السودان"، مضيفا أن "الطبقة السياسية السودانية تدهورت… ولم يعد في مقدورها على الأقل في الوقت الحالي القيام بأي خطوة يعتد بها في اتجاه تحديد مستقبل السودان السياسي، بل صار هذا المستقبل رهين بالدرجة الأولى بمآل الحرب الدائرة الآن".

وكان البرهان قد ظهر الخميس الماضي بمدينة أم درمان غرب العاصمة وتفقد عددا من المنشآت العسكرية. وقبلها كان آخر ظهور له في 18 يوليو الماضي عندما ظهر حاملا سلاحا رشاشا ومسدسا وقنبلة يدوية وهو يرأس اجتماعا عسكريا بمركز القيادة والسيطرة للجيش وسط الخرطوم.

ومنذ منتصف أبريل الماضي يخوض الجيش والدعم السريع اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلف أكثر من  آلاف القتلى أغلبهم مدنيون وأكثر من 4 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.

وأثمرت وساطات سعودية أميركية خلال الأشهر الماضية التوصل لاتفاقات عدة لوقف إطلاق النار لكنها لم تصمد طويلا. كما قادت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيغاد) مبادرة إقليمية لم تثمر أيضا.

وفي الميدان، اشتدت وتيرة المعارك في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، حيث قُتل 39 شخصا على الأقل جراء قصف طال منازل، بحسب ما أفاد شهود ومصدر طبي فرانس برس.

وقالت المصادر "أدى سقوط قذائف على منازل مدنيين في حي السكة الحديد بنيالا إلى مقتل 39 شخصا، معظمهم من النساء والأطفال.. وبينهم أسرة قُتل كل أفرادها".

ووصف الناشط الحقوقي السوداني أحمد قوجا عبر حسابه على موقع إكس، ما حدث في نيالا بأنه "مجزرة.. راح ضحيتها 39 طفلا وامرأة ورجلا في لحظات قليلة".

ونيالا من أكثر المدن التي تتركز فيها المعارك في إقليم دارفور في غرب البلاد حيث يعيش ربع سكان السودان البالغ عددهم نحو 48 مليون نسمة.

والأسبوع الماضي أعلن الجيش السوداني مقتل قائد فرقة المشاة بنيالا. وذكرت الأمم المتحدة في تقرير أن المعارك خلّفت منذ 11 أغسطس "60 قتيلا و250 جريحا و50 ألف نازح".

وأسفرت الحرب منذ اندلاعها عن مقتل نحو خمسة آلاف شخص، وفق منظمة 'أكليد' غير الحكومية، لكن الحصيلة الفعلية مرشحة لأن تكون أكبر لأن العديد من مناطق البلاد معزولة تماما وليس في الإمكان التنقّل ومعاينة الوضع على الأرض. ويتعذّر دفن الكثير من الجثث المتناثرة في الشوارع ويرفض الجانبان الإبلاغ عن خسائرهما.

وفي أربعة أشهر، أُجبر أكثر من 4.6 ملايين شخص على الفرار، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.