البرلمان الليبي يصعّد ضد باتيلي بسبب مبادرة تمهد لإجراء انتخابات

بنغازي – يعكس خطاب التصعيد لرئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح ضد إحاطة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي أمام مجلس الأمن الدولي وإعلانه تشكيل لجنة توجيهية سيكون دورها على الأرجح إعداد قاعدة دستورية للانتخابات، حالة من التشنج والارتباك، حيث كان يعول على التفاؤل الذي أبداه قبل سفره إلى نيويورك.
وطرح باتيلي خلال إحاطته أمام مجلس الأمن، مبادرة لتيسير إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، تقضي بتشكيل لجنة توجيهية رفيعة المستوى تجمع كل أصحاب المصلحة، والمؤسسات، والشخصيات، والقادة القبليين، والنساء، والشباب، وتقوم بتيسير اعتماد الإطار القانوني وخارطة الطريق المحددة وفق جدول زمني للانتخابات، إضافة لتعزيز التوافق على أمن الانتخابات واعتماد مدونة سلوك لكل المرشحين.
وأثار هذا الإعلان الذي يعكس توجه المبعوث الأممي نحو استبعاد البرلمان والمجلس الأعلى للدولة من مهمة تحديد قاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات، حفيظة مجلس النواب الذي سارع بإصدار بيان مساء الاثنين مستنكرا فيه إحاطة باتيلي وما تضمنته من فشل النواب والأعلى الدولة.
ويرى مراقبون أن رئيسي مجلسي النواب الليبي والأعلى للدولة عقيلة صالح وخالد المشري كان يعتقدان أن إبدائهما في العلن رغبة في تجاوز الجمود السياسي والانتقال إلى المسار الانتخابي، سيشفع لهما لدى المبعوث الأممي وسيظل ينتظر اعتماد الأعلى للدولة تعديل الإعلان الدستوري الثالث عشر (الإطار القانوني الليبي الحالي الذي أجريت على أساسه الانتخابات البرلمانية السابقة) بما يسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية.
ووصفت رئاسة البرلمان الليبي، في بيان إحاطة المبعوث الأممي لدى ليبيا، أمام مجلس الأمن الدولي بأنها تضمنت مغالطات فيما يتعلق بفشل مجلسي النواب والأعلى للدولة في الاتفاق على قاعدة دستورية، معتبرة أن ما جاء في كلمة المبعوث يتنافى مع فقرات الإحاطة التي أقرت بصدور التعديل الدستوري الثالث عشر.
وكان عقيلة صالح قد أقر التعديل الدستوري داخل البرلمان لكن رغم موافقة خالد المشري على الخطوة إلا أن أعضاء في المجلس الأعلى للدولة رفضوا التعديل وهو ما عطل جلسة للتصويت على تعديل الإعلان الدستوري الأحد.
وأكد باتيلي أن التعديل الدستوري لمجلس النواب مثير للجدل في ليبيا ولم يعالج القضايا الخلافية مثل أهلية المرشحين ولم يتضمن جدولا زمنيا للانتخابات.
وأضافت رئاسة المجلس، في بيانها أن إحاطة باتيلي لم تطرق إلى تعطيل انعقاد جلسة مجلس الدولة "من قبل القوى القاهرة التي أفشلت الانتخابات العام 2021"، وعدم إشارة المبعوث الأممي لـ"الفشل الذي لحق بباقي المؤسسات المنوط بها مهام جسام لإنجاح أي عملية انتخابية وسياسية".
ولئن رحبت بدعم المجتمع الدولي لحق الشعب الليبي في إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتثمين دور البعثة الأممية في هذا الصدد، فإنها اعتبرت أن العملية السياسية "ملكية ليبية"، وأنها "الضامن الوحيد لإنجاح أي مبادرات في هذا الشأن، وهو ما أكدت عليه المادة 64 من الاتفاق السياسي الليبي، التي حصرت الدعوة لانعقاد لجنة الحوار في طرفي الاتفاق (مجلس النواب ومجلس الدولة) دون غيرهما من الأجسام والكيانات داخلية كانت أم خارجية".
وعبرت عن استغرابها عدم حديث باتيلي عن "عرقلة المصالحة وتعطيلها وكذلك الفساد وإهدار المال العام، من أهم العوامل لتعطيل العملية الانتخابية بالبلاد"، معتبرة أن ذلك "يضع البعثة الأممية في دائرة الكيل بمكيالين، ويضعها في جانب عدم الحياد بين الأطراف الليبية".
وقالت إن مجلس النواب "عمل بكل جد مع مجلس الدولة والبعثة الأممية في إنجاز المطلوب، في ظل التعقيدات المحلية والدولية، وأنجز القدر اللازم لإجراء الاستحقاق الانتخابي في أقرب الآجال".
وأضافت "نذكِّر كل الليبيين، والمبعوث، والمجتمع الدولي بأن تحميل مجلس النواب وحده هذه المسؤولية هو أمر غير صحيح، وينافي الواقع الليبي، فالتدخل الخارجي، وعدم إكمال خارطة مخرجات جنيف في الآجال المحددة بالفعل، وعدم استكمال أهم مسارين، المصالحة والأمن، أهم العوائق أمام إنهاء الأزمة الليبية".
وأكدت أن مجلس النواب "عمل بكل جد مع مجلس الدولة والبعثة الأممية في إنجاز المطلوب، في ظل التعقيدات المحلية والدولية، وأنجز القدر اللازم لإجراء الاستحقاق الانتخابي في أقرب الآجال"، داعيًا "باقي شركاء الوطن تغليب المصلحة الوطنية لتحقيق إرادة الليبيين في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".
كما طالبت المجتمع الدولي "بدعم المؤسسات الليبية في الاضطلاع بمهامها، لا سيما تلك المتعلقة بإقرار التشريعات الانتخابية، وقوانين تنظيم الإنفاق العام، وتفعيل الآليات الدولية ضد من يعملون على مصادرة عمل المؤسسات الشريكة في المسار السياسي ومُعرقلي نفاذ التشريعات الليبية".
وعبرت عن رفضها "التدخل السافر في الشأن الليبي، والمساس بجهود المؤسسات الأمنية والضبطية، عندما تقوم بعملها وفق للتشريعات النافذة، وفي التزام تام باللوائح المنظمة لعملها، وفي مراعاة كاملة لحقوق الإنسان، وبما يضمن حماية المصالح العليا للدولة الليبية".
وفي مقابل خطاب التصعيد الذي يعكس حالة من التشنج والارتباك، رحبت الولايات المتحدة على لسان ممثلها المناوب لدى الأمم المتحدة السفير روبرت وود بخطة باتيلي بشأن الانتخابات في ليبيا.
وقال وود في كلمة أمام مجلس الأمن متفقون بنسبة مئة بالمئة على ضرورة مساعدة باتيلي، لأن خطته تدعم المسار الوحيد الذي يقود الليبيين إلى السلام والمتمثل في إجراء الانتخابات كما أشار إلى ضرورة تطوير آلية لإدارة الإيرادات من خلال توحيد البنك المركزي في شرق وغرب البلاد.
واعتبر عضو مجلس النواب صالح افحيمة، أن إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن الدولي تفتقر إلى آليات حقيقية للتنفيذ.
وأوضح في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك، أن باتيلي إذا استطاع إيجاد آليات واقعية ناجعة لتطبيق كل ما جاء في الإحاطة فسيكون قد منح البلاد فرصة تاريخية للخروج من الأزمة والنهوض مجددًا، داعيًا إلى ضرورة مساعدته في مساعيه.
كما تحدث عن عثرات تعيق رفاق باتيلي في سعيهم الحثيث نحو الحل، من بينها معضلة إقناع المعترضين على ترشح مزدوجي الجنسية، والعسكريين، وترشح سيف القذافي، فضلا عن معضلة حل الخلاف بين من يرى ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية ومن يرى الدخول في مرحلة انتقالية رابعة.
ويرى مراقبون أن رفض فرقاء ليبيا لمبادرة باتيلي يعكس عدم رغبتهم في إيجاد مخرج من المأزق السياسي المستمر، لأن الانتخابات قد تبعدهم جميعا عن السلطة.