البرلمان العراقي متشبث بقوانين جدلية مزمنة تهدد حرية الصحافة

القانون هو مشروع لتقييد الحريات وليس تقنينها وتنظيمها كما تدعي الحكومة والسياسيون الذين يقفون وراءه.
الأربعاء 2022/12/07
البرلمان يحارب حرية الرأي بدل الفساد

بغداد - عاد الجدل حول الحريات العامة وحرية التعبير في العراق، بعد عرض مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي في القراءة الأولى في مجلس النواب، حيث خرجت الأصوات المنددة بالقانون الذي اعتبر “دكتاتوريا”.

ويرى صحافيون أنه على الرغم من وجود قانون في الدستور العراقي يضمن حق التعبير عن الرأي، إلا أن بعض الكتل المدعومة بالميليشيات تدفع إلى تشريع قانون يقيد حق التظاهر والحريات الصحافية بشكل مقنن.

ويقولون إن القانون هو مشروع لتقييد الحريات وليس تقنينها وتنظيمها كما تدعي الحكومة والسياسيون الذين يقفون وراءه، حيث أن الحريات في العراق يكفلها الدستور ولا تحتاج إلى قوانين تضع أمامها العراقيل، لذا فإن هذا القانون حال إقراره “يعد من أخطر القوانين لأنه يتعلق بالتعبير والحريات والحق في التظاهر ويسعى لتقييدها”.

وتنص المادة 38 من الدستور العراقي لعام 2005 على أن “الدولة تضمن، دون المساس بالنظام العام والأخلاق، حرية التعبير بكل الوسائل”.

وفي نفس المادة، “تضمن الدولة حرية الصحافة والمطبعة والإعلان والإعلام والنشر، وكذلك حرية التجمع والتظاهر السلمي”.

وقانون حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، هو جزء من مجموعة من القوانين التي أقرتها السلطتان التشريعية والتنفيذية منذ سنوات، لكنها قوبلت دائمًا بمعارضة من وسائل الإعلام العامة والمتخصصين فيها.

وأعربت العديد من الدوائر النيابية والعامة عن اعتراضاتها على بنود مشروع قانون “حرية الرأي والتعبير”، منذ أن ظهرت مسوداته الأولى في عام 2010. وقدم المشروع الأول لذلك القانون، بعنوان “حرية الرأي والتجمع والتظاهر السلمي”، إلى البرلمان لقراءته الأولى في عام 2016، وسط اعتراضات وتوصيات من منظمات دولية ومحلية لتعديل العديد من أحكامه المثيرة للجدل المتعلقة بالتنظيم والمظاهرات والوصول إلى المعلومات. وأدت هذه الاعتراضات إلى إعادة مشروع القانون إلى الأرفف البرلمانية، لكنه ظهر مرة أخرى في عام 2019 قبل تلبية اعتراضات حقوق الإنسان.

وبعد ثلاث سنوات عاد مشروع القانون للظهور مرة أخرى في القراءة الأولى بعد أن قدمه مجلس النواب السبت الماضي، الأمر الذي أثار حفيظة المعنيين بالحريات.

واعتبرت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة تهافت الكتل السياسية في مجلس النواب على إدراج مشاريع جدلية مزمنة تهدد حرية العمل الصحافي “أمرا يبعث على  القلق”.

وأعلنت الجمعية، في بيان لها الاثنين رفضها الشديد لـ”تمسك عدد من أعضاء مجلس النواب، بمشاريع القوانين المرفوضة من قبل أصحاب المصلحة المباشرة فيها، ولاسيما ما يسمى بـ”مشروع قانون جرائم المعلوماتية” أو مشروع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي”.

وأشارت إلى أنها كانت جزءا إلى جانب العديد من المنظمات التي قدمت “تعديلات مفصلة لهذين المشروعين على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية”.

وقالت إن “تغافل مجلس النواب عن المواقف المدنية وأصحاب الرأي والأسرة الصحافية والمنظمات الدولية، يعطي مؤشرا سلبيا إزاء أداء البرلمان الحالي، ويخلق منه عدوا للشارع لا صوتا له”.

وحملت الجمعية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني “مسؤولية إرساله حزمة القوانين المزمنة مرة أخرى إلى البرلمان، دون الاكتراث لمستقبل حرية التعبير والعمل الصحافي”.

ويشير معارضون للقانون إلى أن وجود مثل هذا القانون سيضع قيودا كبيرة على حرية الصحافة المطبوعة والإلكترونية، وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت بشكل كبير في كشفت العديد من ملفات الفساد عن طريق الوثائق المسربة إليها والتي وضعت الدولة العراقية ومؤسساتها الرقابية والأمنية والقضائية في حرج كبير أمام الرأي العام المحلي والدولي.

ويضيفون أنهم يتوجسون من إقرار قانون التعبير أو أي قانون في هذا الاتجاه، لأنه سيعطي السلطة العليا للقوى السياسية المرتبطة بالقوى الخارجية اليد العليا لضرب العمل الصحفي وحرية التعبير للناشطين، خصوصا أن الشبكات الاجتماعية تعتبر صلة الوصل بين الناشطين أثناء الحراك الشعبي.

ولفت البعض إلى أن الحكم على أحد أصحاب الرأي بالسجن ثلاث سنوات، بتهمة إهانة أحد مؤسسات الدولة أو رموزها، وفقا لقانون العقوبات العراقي لسنة 1969، يشير إلى وجود إرادة سياسية لتجاوز الدستور والاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحرية التعبير، وإعادة إنتاج دكتاتورية.

وأصدرت محكمة جنايات الرصافة في العاصمة بغداد الاثنين حكما على الناشط حيدر حميد بالسجن ثلاث سنوات بعد رفع دعوى قضائية ضده، بتهمة الإساءة إلى نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي السابق أبومهدي المهندس.

ويشهد البرلمان حراكا لإحدى الكتل السياسية لإيقاف تمرير مشروع القانون وقد حظي بتأييد عدد من الناشطين والإعلاميين.

وحذرت رئيسة كتلة الجيل الجديد سروة عبدالواحد السبت من تمرير قانون حرية التعبير عن الرأي، وأشارت إلى أنه “دكتاتوري”.

وأعربت قوى مدنية والنيابية عن اعتراضها الشديد على هذا القانون من خلال جمع تواقيع 36 نائبا لمنع إقرار القانون بشكله الحالي ومحاولة فرض تغييرات في بعض المواد التي تتناوله. وتتعلق بتنظيم الاحتجاجات والتجمعات السلمية.

وأكدت عبدالواحد أنه “تم البدء في جمع التواقيع لسحب القانون لغرض التعديل”، مطالبة الصحافيين والإعلاميين والناشطين ومنظمات المجتمع المدني والشارع الشعبي العراقي بكل أطيافه بـ”الوقوف ضد هذا القانون وعدم السماح للبرلمان بتشريعه”. وأضافت أن “القانون يتضمن عقوبات وفقرات جزائية كثيرة في موضوع حق التظاهر والاجتماع السلمي وأخذ الإذن للتظاهر قبل فترة معينة، وهناك مصطلحات وعبارات مطاطية ممكن لأي أحد أن يستخدمها ضد كل من يريد التظاهر والتعبير عن رأيه”.

وفي محاولة لتهدئة هذه المخاوف ذكرت لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب أن “قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي لن يتم تمريره قبل تقديم التعديلات والآراء والمقترحات من القطاعات الشعبية”، في محاولة لطمأنة المواطنين والصحافيين والنشطاء والقوى المدنية التي عارضتها.

16