البذور الأصلية التونسية بين الاحتكار ورغبة المزارعين في ترويجها

مزارع تونسي يسعى إلى استعادة الأصناف القديمة من البذور والمحافظة على الموروث الجيني الأصيل.
الخميس 2023/01/12
الجميع متجندون لزراعة البذور الأصلية

تونس - رغم أن البذور الأصلية تتميز بقيمتها الغذائية العالية وبتأقلمها مع المناخ المحلي، إلا أن الزراعة في تونس تعتمد على البذور المستوردة، وهو ما يقول مزارعون إنه يضر بقيمة المحاصيل وكميتها، في حين يسعى بعضهم لإعادة الزراعة بالأصناف المحلية الأصلية.

ويسعى المزارع التونسي حافظ كرباع لاستعادة الأصناف القديمة من البذور والمحافظة على الموروث الجيني الأصيل.

كرباع، وهو صاحب ضيعة في مدينة بني حسان من ولاية المنستير شرق تونس، يقول إنه يبادر منذ فترة بتجميع البذور التونسية الأصلية، ويسعى لتكوين فريق مع زملائه المزارعين لتحقيق هذا الغرض.

ولا يقتصر نشاط كرباع على العمل العادي بغرض الربح، بل يقول إن ما يقوم به “نابع من إرادة وحب للوطن”.

حافظ كرباع: أسعى للحفاظ على البذور الأصلية وليس الربح المادي
حافظ كرباع: أسعى للحفاظ على البذور الأصلية وليس الربح المادي

ويتحدث عن تواصل و”تفاعل” بينه وبين عدد من الأصدقاء من الوطن العربي ككل، لجلب بذور قمح تونسية استعملت في دول أخرى.

وحسب كرباع، فإن “بعض العيّنات متوارثة من أراض في الساحل التونسي (شرق)، بالإضافة إلى بذور من الجنوب والشمال، كما توجد عيّنات أخرى جلبها لنا أصدقاء من المغرب والجزائر وليبيا”.

ويتواصل وزملاؤه من المزارعين مع البنك الوطني للجينات، حيث “تُجرى تحاليل مخبرية للتثبّت من سلامة البذور التي تم استرجاعها والتأكد من خلوّها من أي شوائب أو نقلها لأمراض قد تضرّ لاحقًا سواء بالتربة أو بالمحاصيل”.

ويشدد كرباع على أنه يعمل علنًا وهدفه الوحيد “المحافظة على بذور تونس الأصلية لا غير”، وأنه يقوم بذلك “دون سعي للربح المادي”.

وبالإضافة إلى تجميع البذور، يعمل أيضًا على “استرجاع النبات والشتلات والأشجار التونسية الأصلية”، كما أن هدفه مستقبلاً هو “استرجاع فصائل حيوانات تونسية”، وفق قوله.

لكن رحلة البحث عن البذور الأصلية التي بدأها كرباع، لم تكن خاليةً من العراقيل التي واجهته بين وقت وآخر.

وعن ذلك يقول “إدارة الفلاحة بمحافظة المنستير منعتني منذ عامين من منح مزارعين آخرين بذورًا أصلية، بحجة أن القانون يمنع تداول بذور أصلية غير مسجلة في السجلّ المحليّ مخافة انتقال الأمراض عبرها”.

لكنّ كرباع أكد أن “ذلك القانون لا يعني الفلاحين بل أصحاب المنابت والمُوَرّدين للبذور”، وأضاف “أنا متمسّكٌ بالقانون الدولي الذي يخوّل لي بيع وتداول البذور المحلية الأصلية”.

ويرى إلياس باباي، وهو دكتور وباحث بالبنك الوطني للجينات، أن “ما يقوم به بعض المزارعين على غرار كرباع من خلال السعي وراء تجميع واستعادة البذور الأصلية بادرة طيبة”.

وأشار الباحث التونسي إلى أنّ “الأصناف القديمة تتميز بنسبة عالية من البروتينات وهي جيدة من حيث القيمة الغذائية ومقاومة الأمراض (أمراض التربة) كما أنها قادرة على التأقلم بحسب نوعية التربة والمناخ المميز لتلك المنطقة”.

وبحسب باباي فإنّ “القمح يمثل أكبر زراعة في تونس، والتونسي يعدّ من أكثر المستهلكين في العالم للحبوب”.

ويوضح أنه “تتم زراعة القمح الصلب على الأغلب بنسبة 80 في المئة في تونس، فيما يتم استيراد 20 في المئة من الخارج، على عكس القمح الليّن تمامًا، حيث يُستورد بنسبة 80 في المئة من الخارج، ويزرع بنسبة 20 في المئة منه محليًا”.

البذور الأصلية.. قيمة غذائية عالية
البذور الأصلية.. قيمة غذائية عالية

ويشرح باباي أنه “توجد 3 أنواع من البذور الأصلية التي تتم زراعتها في تونس، كما تتم المحافظة عليها في بنك الجينات (مركز حكومي مخصص لحفظ عيّنات البذور)”.

وبحسب الباحث “يختص النوع الأول بالبذور الأصلية، حيث يعدّ قديمًا وأصليًا كلّ صنف زرع في تونس لأكثر من 50 سنة”.

ويضم النوع الثاني من البذور “الأصناف المحسّنة، وفيها أيضا نوعان، منها ما يتم تحسينه وتعديله جينيًا داخل مخابر البحث التي يتابعها ويشرف عليها باحثون تونسيون، ويتم فيما بعد تجربتها، وإذا ثبت تأقلمها مع التربة والمناخ يتم اعتمادها من قبل المزارعين”.

أما الصنف الثالث، بحسب باباي، فهو “المحسّن المستورد عبر شركات تجلب البذور التي تعمد وزارة الفلاحة في تونس إلى تجربتها، وإذا ثبت أنها ستعطي جودة وإنتاجية، يتم بيعها وتوزيعها على المزارعين”.

وفي حديثه، أشار الباحث بالبنك الوطني التونسي للجينات أيضًا إلى أنه “لا يسمح للفلاحين بيع البذور الأصلية، وإنما توضع فقط تحت رقابة وزارة الفلاحة”.

وحسب باباي فإن “الأصناف المحسّنة هي الأكثر مبيعًا ذلك أنها ذات مردودية وإنتاجية أكبر، وبالتالي تحقق ربحا ماديّا للمزارع”.

ولفت إلى أنّ “ما يضرّ التربة هو الأسمدة الكيميائية، فهي أكبر خطر على الإنسانيّة، أما الأصناف المحسّنة من البذور فهي غير مضرّة كما يتمّ الترويج له”.

ووفق المصدر ذاته فإن “البنك الوطني للجينات يحافظ على أكثر من 25 ألف عيّنة من البذور الأصلية، بينها حوالي 6 أو 7 آلاف تمّ استرجاعها من بنوك أجنبية في المكسيك والتشيك وأستراليا والهند والولايات المتحدة وألمانيا”.

6