البحر المتوسط يفقد أصداف أم اللؤلؤ

فيلفرانش سور مير (فرنسا) – يخشى أن تكون نهاية أصداف أم اللؤلؤ في البحر المتوسط، وهي من أكبر الصدفيات في العالم، قريبة إذ أنها تنفق نتيجة طفيليات يزيد الاحترار المناخي من سرعة انتشارها.
ولا شيء يشي بهول الكارثة على سطح الماء، لكن في الأعماق يتكشّف حجم المشكلة مع انتشار الأصداف الميتة المعروفة علميا باسم “بينا نوبيليس” والتي تتخذ لونا بنّيا عند نفوقها وتفقد غطاءها والحيوانات الصغيرة التي تبيت فيها، من قرديس وسلاطعين صغيرة.
أوليفييه جود غطّاس متحدر من موناكو يجمع صورا يلتقطها في أعماق البحر على موقع “فوكتوبوس” وهو لا يزال مصدوما مما عاينه. يقول “لم نعد نجد صدفة حيّة وإنها مأساة بالفعل”.
ويرتدي أوليفييه بزّة الغطس السوداء ويحمل آلة التصوير في يده قبل أن يغطس في خليج فيلفرانش سور مير في جنوب شرق فرنسا. وهو خليج محمي نسبيا تحيط به دارات فاخرة ويحظر على السفن أن ترسو في بعض مواقعه ويستقطب هواة استكشاف الآثار في قاع البحر.
ويستولي القلق أيضا على زميلته في الغطس ليدوين كورار، العضو في جمعية “نيتشردايف” في كان.
ثمة كميات كبيرة من الجراثيم والفيروسات والطفيليات الكامنة في المتوسط تهدد الكائنات البحرية
وهي تصرّح “تعود حالات النفوق الأولى التي سجّلت هنا في الساحل الشرقي لفرنسا المطلّ على البحر المتوسط إلى أكتوبر، ويقول البعض إنها على الأرجح بداية انقراض أنواع أخرى”.
ويعدّ صدف أم اللؤلؤ في الواقع مؤشرا إلى نوعية الساحل المتوسطي. وقد تبلغ الصدفة 1.20 متر ويمتدّ نموّها على 45 سنة وهي تحفظ كلّ المواصفات الفيزيائية والكيميائية في الموقع المحيط بها.
وتقول ماريا ديل مار أوتيرو الخبيرة في مركز التعاون من أجل المتوسط التابع للاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة، إن “الوضع مقلق للغاية”، مشيرة إلى أن هذا الصنف “على وشك الزوال في إسبانيا.
وسوف نرى ماذا سيحصل مع ارتفاع حرارة المياه في الأشهر المقبلة في المناطق التي لم تطلها بعد هذه الظاهرة في البحر الأدرياتيكي”.
وتنتشر النقاط الحمراء على خارطة ديل مار أوتيرو التي تحدث بانتظام منذ بداية الأزمة. وتعكس هذه النقاط حالات النفوق الكثيفة التي تتخطّى نسبتها 85 بالمئة.
وتشمل المناطق المعنية الساحل الإسباني للمتوسط خصوصا، فضلا عن جزر البليار وجنوب قبرص وقسم من السواحل التركية. ولم توفّر هذه الأزمة من شرّها صقلية واليونان.
ولم تعرف تحديدا بعد الطريقة التي وصل فيها الحيوان الأولي الذي يتعرض لأصداف أم اللؤلؤ إلى هنا، ولا طريقة تكاثره.

فهذا الكائن الذي ينشر جراثيم سامة ينتمي إلى نوع فتك بشدة بزراعة اللآلئ في كاليفورنيا سنة 1957. ووفق أحد التحليلات، عثر عليه في الجهاز الهضمي لبعض أصداف أم اللؤلؤ النافقة، وهو ربما أدخل إلى المتوسط عن طريق مياه الصابورة (مياه التوازن) من السفن التجارية.
ويقول عالم الأحياء البحرية الفرنسي ناردو فيسنتي من معهد بول ريكار لعلوم المحيطات، “ثمة كميات كبيرة من الجراثيم والفيروسات والطفيليات الكامنة في الوسط التي تعمل بكامل طاقتها” بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وهو يروي ما حصل معه في أكتوبر قائلا “كنت في محمية سكاندولا الطبيعية في كورسيكا. لقد وضعت علامة في حقل يضم حوالي أربعين نوعا بعمق يتراوح بين 26 و40 مترا. هي أصداف قديمة عائدة لحوالي ثلاثة عقود بطول يصل إلى 80 سنتيمترا أراقبها منذ مطلع التسعينات. وفي 2017، كان الحقل بوضع ممتاز.. هذه السنة كان كل شيء نافقا، بنسبة 100 بالمئة”.
ويضيف “لم أكن أتصور أن يحصل ذلك يوما”، مشيرا إلى أن حرارة المياه “كانت تتخطى 20 درجة على عمق أربعين مترا، هذا غير طبيعي البتة. في المبدأ هي 13 أو 14 درجة مئوية”.
وأكثر البلدان المتضررة هي إسبانيا حيث يعتبر الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة أن أصداف أم اللؤلؤ مهددة بشكل حرج بالانقراض، وهي المرحلة الأخطر في التصنيف قبل الانقراض من الحياة البرية. وقد وضع برنامج تجريبي إنقاذي في هذا البلد لمحاولة الحفاظ على أصداف قليلة في الأحواض المائية.
ورغم الإقرار بأن الوضع كارثي، يتمسك فيسنتي بالأمل في إيجاد حل لإنقاذ أصداف أم اللؤلؤ. وهو يقول “ستبقى هناك بقع لهذه الأصداف بما سيتيح إعادة نشر بذورها في باقي أنحاء المتوسط”.