البحر المتوسط "يغلي".. درجات الحرارة قياسية

تتواصل درجات الحرارة القياسية في البحر المتوسط للسنة الثانية على التوالي وسيكون تأثير ذلك على الشعاب المرجانية وقنافذ البحر والرخويات، ومن جهة ثانية فالبحر الأكثر سخونة يعني عمليات تبخّر أكثر، ومن المحتمل تاليا أن نشهد المزيد من المياه في الغلاف الجوي واحتمال هطول الأمطار سيكون أكبر لأنّ الغلاف الجوي سيكون محمّلا بالمزيد من الرطوبة.
باريس - للسنة الثانية على التوالي، تصل درجات الحرارة في البحر المتوسط إلى مستويات قياسية، مما يهدد الأسماك والنباتات البحرية، ويعزز تكاثر الأنواع الغازية ويزيد من حدة الأمطار في منطقة تتأثر بصورة كبيرة بآثار الاحترار المناخي.
وقال الخبير في الأرصاد الجوية لدى هيئة ميتيو فرانس للأرصاد الجوية روماريك سينوتي “سجّلنا درجة حرارة بين الأحد والاثنين تجاوزت 30 درجة على عوامة قبالة سواحل موناكو، ودرجة حرارة تصل إلى نحو 30 درجة مئوية (29.7 درجة)، على عوامة في الريفييرا التي تقع على مسافة مماثلة من القارة وكورسيكا”.
ويوصف البحر المتوسط بـ“النقطة الساخنة” للتغير المناخي. فهو مساحة جغرافية تُرصد فيها آثار التغير المناخي التي تنعكس أيضا في درجة حرارة البحر. في الوقت الحالي، يُعدّ الخلل في درجة حرارة البحر المتوسط إيجابيا، أي أن الحرارة مرتفعة جدا مقارنة بالمعتاد.
وأضاف روماريك سينوتي “كلما زادت سخونة السائل يتمدد أكثر، وسيكون ارتفاع درجة حرارة البحر المتوسط إذا مرتبطا بزيادة مستوى المياه، وهو ما سنلاحظه على الساحل”.
لكن من جهة ثانية، البحر الأكثر سخونة يعني عمليات تبخّر أكثر، ومن المحتمل تاليا أن نشهد المزيد من المياه في الغلاف الجوي واحتمال هطول الأمطار سيكون أكبر لأنّ الغلاف الجوي سيكون محمّلا بالمزيد من الرطوبة.
درجة الحرارة المرتفعة بشكل استثنائي تجعل الأمطار أكثر كثافة من خلال جعل الغلاف الجوي يخزن المزيد من الرطوبة
تمتص البحار والمحيطات حاليا 90 في المئة من الحرارة الزائدة في الغلاف الجوي، وعندما نقول إنّ متوسط درجة حرارة الأرض يزداد مع التغير المناخي، يكون جزء كبير من هذه الزيادة ممتصا من المحيطات التي تشهد احترارا. ومراقبة درجة حرارة المحيطات ستكون مهمة جدا لرصد التغير المناخي ومراقبة حالة الطقس، فالبحر الدافئ هو عامل مفاقم للوضع، تحديدا بالنسبة إلى موجات الأمطار الغزيرة التي نشهدها في جنوب فرنسا.
وقال الباحث في معهد علوم البحار في برشلونة جوستينو مارتينيز إنّ متوسط الحرارة السطحية اليومية للبحر المتوسط وصل في الحادي عشر من أغسطس إلى 28.67 درجة مئوية، وهو
معطى قريب من الرقم القياسي البالغ 28.71 درجة مئوية المسجل في الرابع والعشرين من يوليو 2023.
وتأتي هذه المعطيات الأولية من بيانات أقمار اصطناعية من مرصد كوبرنيكوس الأوروبي يعود تاريخها حتى العام 1982.
على مدى فصلي صيف متتاليين، كان البحر المتوسط أكثر حرّا مما كان عليه خلال موجة الحرّ غير العادية في صيف 2003، عندما وصل المتوسط اليومي لدرجة حرارة سطح الماء إلى 28.25 درجة مئوية، وهو رقم قياسي سابق دام عشرين عاما.
وقال مارتينيز “الأمر اللافت اليوم ليس الوصول إلى حد أقصى في يوم معين، بل مراقبة فترة طويلة تشهد درجات الحرارة المرتفعة هذه، حتى من دون تحطيم الرقم القياسي”.
وأضاف “منذ عام 2022، كانت درجات الحرارة السطحية مرتفعة بشكل غير اعتيادي لفترة طويلة، حتى عندما نأخذ في الاعتبار مسألة التغير المناخي”.
ومع ذلك، تم الوصول هذه السنة إلى المستوى القياسي المُسجّل عام 2023 “متأخرا أسبوعين عن السنة الفائتة، وعادة ما تنخفض درجات حرارة سطح الماء اعتبارا من نهاية أغسطس”، بحسب مارتينيز.
محليا، تم تسجيل مستويات حرارة تزيد عن 30 درجة مئوية على سطح الماء منذ بداية أغسطس، ولاسيما على عوامة قبالة سواحل موناكو، وأخرى في كورسيكا، وحتى قرب فالنسيا في إسبانيا. وعنونت صحيفة “لا ريبوبليكا” اليومية الثلاثاء، “البحر يغلي في كامبانيا”.
ومنطقة البحر المتوسط التي تعرضت في يوليو، كما حدث في العام 2023، لموجات حرّ وحرائق غابات واسعة في اليونان، صنّفتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي التابعة للأمم المتحدة، منذ مدة طويلة، على أنها “نقطة ساخنة” للتغير المناخي.
قالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي “منذ ثمانينات القرن العشرين، حدث تغيير جذري في النظم البيئية البحرية في البحر المتوسط، مع انخفاض التنوع الحيوي وتكاثر الأنواع الغازية”.

خلال موجات الحر البحرية بين عامي 2015 و2019 في البحر المتوسط، شهد نحو خمسين نوعا (الشعاب المرجانية، وقنافذ البحر، والرخويات، وذوات الصدفتين، ونبتة بوسيدون…) نفوقا هائلا بين السطح وعلى عمق 45 مترا، بحسب دراسة نُشرت في يوليو 2022 في مجلة “غلوبال تشانج بايولودجي”.
وتستفيد من ارتفاع درجات الحرارة الأنواع الاستوائية مثل السرطان الأزرق الذي يدمّر مزارع المحار في دلتا نهر البو في شمال إيطاليا.
وفي صقلية وكالابريا، يلاحظ الصيادون في شباكهم زيادة في كميات الأسماك التي يلتهم أجزاء منها نوع مفترس من الديدان يفضّل المياه الساخنة.
وقد ارتفع متوسط حرارة البحر المتوسط بحوالي 1.2 درجة على مدى السنوات الأربعين الفائتة، بحسب الخبير في الأنواع الغازية فيدريكو بيتي.
وفي سيناريو ارتفاع حرارة الأرض بما يزيد عن 1.5 درجة مئوية منذ عصر ما قبل الصناعة، فإن أكثر من 20 في المئة من الأسماك واللافقاريات المستغلة في شرق البحر المتوسط قد تنقرض محليا بحلول عام 2060، وقد ينخفض دخل صيد الأسماك بنسبة تصل إلى 30 في المئة بحلول 2050، على ما تحذر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي. في المتوسط، يُعدّ العالم أكثر حرّا بنحو 1.2 درجة مئوية.
وفي نيس، ارتفعت حرارة المياه 3 أو 4 درجات فوق المعدل الاعتيادي منذ الخامس عشر من يوليو، مما يمنع الهواء من البرودة ليلا ويجعل السكان منهكين بين يومين حارّين في الكثير من الأحيان.
وبحسب هيئة ميتيو فرانس للأرصاد الجوية، “إنّ درجة الحرارة المرتفعة بشكل استثنائي للبحر المتوسط في الخريف، قد تجعل الأمطار أكثر كثافة من خلال جعل الغلاف الجوي يخزّن المزيد من الرطوبة وهو يتّجه نحو السواحل”، ولكن من دون التسبب بتسجيل أمطار مدمّرة.