البحر أرحم من الحكومة... الجوع يدفع لبنانيين إلى صيد سمكة تسدّ الرمق

فقراء لبنان ينتظرون أن تعلق وجبات أطفالهم في صنارة الصيد.
السبت 2021/06/12
البحر كريم

اللبنانيون يشكون حالهم إلى البحر بعد أن تركهم رجال السياسة على قارعة الحياة يصارعون الفقر والغلاء والبطالة، أغلبهم اليوم غير قادر على توفير قوت عائلته، فحملوا صنارة واتجهوا إلى البحر أو النهر ينتظرونه ساعات لعله يجود عليهم بوجبة تسد الرمق في زمن عز فيه القوت.

بيروت - دفعت الأزمة الاقتصادية والمالية والزيادة غير المسبوقة في أسعار الدجاج واللحوم بعض اللبنانيين إلى البحث عن وسائل مختلفة لإطعام عائلاتهم.

يقف العشرات من الصيادين يوميا في المنارة في بيروت ممسكين بصنارات صيد بسيطة على أمل أن يتمكنوا من الحصول على كيلوغرام أو كيلوغرامين من الأسماك لإطعام أسرهم، وهي الطريقة الأيسر كلفة حاليا للكثير من الناس الذين استبدّ بهم الفقر.

وزاول اللبنانيون الصيد عبر التاريخ مهنة وهواية، كغيرهم من الشعوب التي سكنت قرب السواحل، حيث كان القاطنون قرب المدن الساحلية يعتمدون عليها لكسب رزقهم، خصوصا في طرابلس وصيدا وصور وجبيل، لكنّ اللبنانيين وجدوا اليوم أنفسهم مجبرين على تمضية ساعات بحثا عن سمكة تسدّ الرمق.

قال المواطن اللبناني سامر حمد عبدالرازق لوكالة أنباء (شينخوا)، إنه يزور المنارة بشكل متكرر لصيد بعض الأسماك لتخزينها في ثلاجته.

وأضاف عبدالرازق الذي لا يملك من أدوات الصيد سوى صنارة يعلّق عليها الطعم، وقطعة فلين تبقى عائمة لتشير إلى وجود السمكة، أنه يحرص على توزيع الأسماك على الأسر الفقيرة عندما ينجح في صيد كميات كبيرة منها.

والسمك الطازج لم يكن حلما يراود ذوي البطون الخاوية من الفقراء لغلاء سعره، أما الآن فالحال تبدلت، فاللبناني لم يعد قادرا على توفير غذاء عائلته لذلك وجد ملاذه في البحر أو النهر ينتظر الحظ لعل سمكة ما تعلق بصنارته.

قال المواطن محمد حمية من بعلبك، إنه يأتي بشكل متكرر إلى المنارة لقضاء الوقت في الصيد وتوفير المال من خلال إطعام عائلته الأسماك بدلا من اللحوم التي يبلغ سعرها اليوم 110 آلاف ليرة لبنانية للكيلوغرام الواحد.

Thumbnail

ويواجه لبنان أزمات متعددة في ظل نقص الدولار الأميركي في البلاد، مما أدى إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية وانهيار الليرة اللبنانية.

في الوقت نفسه، يتقاضى معظم اللبنانيين رواتبهم بالليرة اللبنانية، مما أوقع مئات الآلاف في براثن الفقر، علاوة على ذلك، فقد الآلاف من الأشخاص وظائفهم بعد تفشي كورونا والإغلاقات المتتالية التي فرضتها الحكومة وتسببت في تباطؤ الأعمال وإغلاق عدد كبير من الشركات.

ويقضي رفيق سعد حوالي ست ساعات في صيد السمك يوميا، قائلا “أنا مضطر لذلك، لأن لديّ عائلة كبيرة، فلو فكرت يوما بإطعامها أكلة سمك أو لحمة أو حتى وجبة دجاج، لتطلب الأمر مبلغا خياليا لا أملكه ثمنا لوجبة غداء واحدة لذلك أتّكل على نفسي”.

العشرات من اللبنانيين يقفون يوميا ممسكين بصنارات صيد بسيطة على أمل أن يتمكنوا من الحصول على سمك لإطعام أسرهم

وتحدث أحمد دوغان، وهو متزوج وله أربعة أولاد، عن هواية صيد السمك التي كان يمارسها بمزاج، وكيف تحولت إلى مهنة بعد أن فقد وظيفته في شركة خاصة أغلقت أبوابها منذ تفشي الوباء وأصبح عاجزا عن توفير الغذاء لعائلته.

وقال “كنت أصطاد السمك بالصنارة في أوقات الفراغ لكنني اليوم أصطاد بواسطة الشباك، وهي مهمة صعبة تتطلب الكثير من الصبر والعناية، لأننا في معظم الأحيان نصاب بخسارة فادحة نتيجة تمزق الشباك، ونبحر في الليل على متن مركب الصيد ونرمي شباكنا في عمق البحر، ثم نعود في الصباح الباكر لسحب الشباك، وهكذا يوم لنا ويوم للبحر”.

أما عن أنواع السمك التي يمكن أن تقع في شباكه، فقال “إن أكثر الأصناف هي، الجربيدي واللقز والفرافير نبيع بعضها بعد أن ندخر نصيب العائلة حين يكون الصيد وفيرا”.

ويتجه اللبنانيون أيضا إلى الأنهار بحثا عن سمكة في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشونها، فمع ساعات الصباح الأولى، ينطلق الستيني فادي عبدالله وأولاده الثلاثة من بلدة الخيام الجنوبية إلى نهر الوزاني للصيد عند ضفة النهر على مسافات متقاربة، حيث ينتظر كل واحد منهم نصيبه مما سيعلق في صنارته.

Thumbnail

وأشار عبدالله بينما كان ينتزع سمكة متوسطة الحجم التقطتها صنارته، إلى أن صيد السمك في الأنهار بالنسبة له، بات مؤخرا مهنة أكثر من كونه هواية. وأضاف أن صيد السمك النهري بات مصدر رزقه كما شريحة واسعة من العائلات الفقيرة والمتوسطة، وخاصة الأشخاص الذين خسروا وظائفهم نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وقال الشاب العشريني أسعد صعب من بلدة إبل السقي بالجنوب وهو بصدد مراقبة حركة صنارته وسط مجرى النهر “إن السمك النهري مرغوب جدا والطلب عليه يفوق العرض لأنه يسوّق طازجا وأسعاره مقبولة وطعمه لذيذ”، مضيفا أنه يبيع ما زاد عن حاجته لتوفير مواد غذائية أخرى.

من جهته، قال الشاب سامر غياض “غلتنا اليومية من السمك تتراوح بين 2 إلى 5 كيلوغرامات نبيع أغلبها لمواجهة أعباء الحياة المتفاقمة”.

وأضاف “نصطاد السمك بطرق بدائية بحيث نستعمل الصنارة والصندوق والشباك وعملنا يمتد من بداية الصيف وحتى هطول أمطار الشتاء، وبيع السمك يسد رمق العائلة ويؤمن مصدر رزق مقبولا”.

ويستخدم رب العائلة الأربعيني جمال حمود الأقفاص المصممة خصيصا لصيد السمك، بحيث يرمي القفص بعد وضع الطعم فيه في غدير عميق وسط نهر الحاصباني، ومع مرور الوقت تدخل الأسماك لتلتهم الطعم من خلال فتحة صغيرة لتعلق بداخله.

وقال حمود “إن هذه الطريقة البدائية هي الأفضل لجمع كمية كبيرة من السمك النهري الممتاز الذي نبيع معظمه للمطاعم المنتشرة في حوضي نهري الحاصباني والوزاني”.

من جهته لفت سالم ضاهر من بلدة القليعة الجنوبية إلى أنه بات عاطلا عن العمل بسبب الأزمة الاقتصادية وأنه يصطاد السمك في نهر الليطاني محققا الكسب المادي مع الخروج من رتابة الحياة.

Thumbnail
Thumbnail
17