البتراء تستعد لاستقبال عشاق العجائب السبع

باتت مدينة البتراء الأثرية منذ إعلان السلطات الأردنية عن عودة الرحلات الجوية الخارجية، تعيش حالة من التأهب القصوى على أمل استقبال السياح من جديد بعد غياب لحوالي سبعة أشهر. وحفاظا على سلامة زائريها من الإصابة بكورونا تحرص هيئة المدينة الوردية على اعتماد مجموعة من التدابير الوقائية أساسها التعقيم.
عمان - مع استئناف الأردن مؤخرا للرحلات الجوية الخارجية المنتظمة من وإلى نحو 40 دولة، يأمل قطاع السياحة المتضرر الأكبر نتيجة تداعيات انتشار كورونا، في أن يعود له الزخم بعد تأثر حركة النقل الجوي في العالم والأردن.
وكانت الحكومة الأردنية قد علقت منتصف مارس الماضي جميع الرحلات الجوية في إطار تدابير الإغلاق التي فرضتها للحد من تفشي الفايروس.
وتأتي على رأس القطاع السياحي المتضرر درة الأردن السياحية، مدينة البتراء الأثرية التي غادرها آخر سائح بتاريخ 16 مارس الماضي، وتحولت منذ ذلك الحين إلى مدينة أشباح بشكل لم تشهده المدينة منذ اكتشافها منتصف القرن الماضي.
ويأمل القائمون على قطاع السياحة في عودة الحياة للبتراء التي أصبحت مدينة مهجورة، وأصبح حوالي 200 مرشد سياحي و1500 من البدو، بما في ذلك الخيول والحمير والجمال العاملة في الموقع الأثري، من سكان بلدة وادي موسى، عاطلين عن العمل.
وقبل فتح المدينة الأثرية انطلقت أعمال لإعادة تأهيلها مع اعتماد إجراءات جديدة للحفاظ على سلامة الزوار والموظفين على حد سواء.
وأوضح مفوض المحمية والسياحة الدكتور إسماعيل أبوعامود لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن السلطة قامت وبالتشاور مع الجهات الحكومية المختلفة؛ بتصميم دليل يضم أهم تدابير السلامة والوقاية الصحية؛ تماشيا مع المبادئ التوجيهية لوزارة الصحة ووزارة السياحة والآثار، واعتمدت أحدث التدابير والإرشادات الصحية المتبعة من قبل الأقسام الحكومية الأخرى ومنظمة الصحة العالمية.
وأضاف أبوعامود أنه تم تصميم هذه التدابير والتوجيهات لطمأنة الموظفين والزوار بأن الحفاظ على صحتهم وسلامتهم أمر في غاية الأهمية، ولضمان استمرارية العمل في ظل بيئة آمنة في محمية البتراء الأثرية.
وتتضمن الإجراءات تعزيز تدابير وممارسات النظافة والتكيف معها، والتركيز على الممارسات المثلى المتبعة بخدمة تقديم الطعام والشراب، وإجراء تدريبات بشكل مستمر للتأكد من أن جميع الموظفين على دراية بواجباتهم أثناء العمل منذ لحظة وصولهم إلى مكان العمل وحتى مغادرتهم، والإشراف والدعم لضمان الالتزام بالإجراءات والتدابير المطلوبة.
كما أن هيئة البتراء لم تتوقف عن تعقيم الموقع الأثري في محاولة لجذب السياحة المحلية والقيام بالحد من الأضرار التي لحقت بصناعة السياحة في البتراء والتي تساهم في الاقتصاد الأردني بحوالي 12 في المئة إلى 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن ذلك لم يغيّر شيئا من الحال البائس طوال 6 أشهر مضت.
فقبل أن تضرب الجائحة العالم، كانت البتراء المكان الأكثر جاذبية للسياح في الأردن. كما أنها من أهم الوجهات السياحية في العالم، وهي المدينة التي احتفلت بالزائر المليون لأول مرة في تاريخ السياحة الأردنية، في نوفمبر 2019، فهي رمز للأردن.
وشوهد الآلاف من الزوار يوميا وهم يتجولون في الموقع التاريخي الجميل لاستكشاف الخزنة، وهو مبنى رائع عمره 2000 عام، وممر السيق الضيق (المدخل الرئيسي للبترا) وكذلك المكان المرتفع الذي يسمّى المذبح.
وتعد البتراء المشهورة بعمارتها المنحوتة بالصخور والتي تقع على بعد 225 كلم جنوب عمان، الوجهة المفضلة للسياح الأجانب في الأردن. وقد اختيرت عام 2007 كواحدة من عجائب الدنيا الجديدة. لكنها اليوم أشبه بمدينة أشباح.
ويعتبر محمد النوافلة، صاحب شركة سياحة تعمل في البتراء، أن ما حدث منذ الجائحة هو بمثابة كارثة، قائلا “كان عدد السياح يرتفع أو ينخفض في الماضي، وفقا لمختلف الأوضاع التي كانت تحدث في منطقة الشرق الأوسط. أما الآن فلا يوجد سياح في 45 فندقا في البتراء وغرفها البالغ عددها 3000 غرفة. هذا الأمر لم يحدث من قبل على الإطلاق”.
وكان يخشى أن تتأخر عودة السياح لعام أو عامين وأن تكون إجراءات السفر المستقبلية منفّرة للسياح خصوصا أن أغلبهم من كبار السن والمتقاعدين، إلا أن عودة عجلة الرحلات الجوية الخارجية المنتظمة في الأردن إلى الدوران مجددا، أنعشت الآمال بالعودة القريبة للباحثين عن متنفس بعيدا عن قيود كورونا.
وتحوز المدينة الوردية (نسبة إلى ألوان صخورها) باعتبارها إحدى عجائب الدنيا السبع موقعا على خارطة السياحة المحلية والدولية.
وتقول السلطات إن حوالي 80 في المئة من سكان البتراء البالغ عددهم نحو 38 ألف نسمة يعتمدون بشكل مباشر أو غير مباشر على السياحة كمصدر رئيسي للدخل.
وفيما استمرت المطارات والمنافذ البرية والبحرية بالعمل طيلة الفترة السابقة من أجل تأمين عودة عشرات الآلاف من المواطنين العالقين في الخارج، لم يغير ذلك من حال المدينة الخاوية على عروشها، فالعائدون تم تأمينهم ليكونوا بأمان مع عائلاتهم ليس أكثر.
وأغلقت العشرات من الفنادق المنتشرة حول البتراء ومدينة وادي موسى القريبة أبوابها، وأوقفت العديد من موظفيها عن العمل، واستمرت في دفع نصف الأجور لمن أبقتهم على كوادرها إلى حين تغير الحال وعادت تعمل من جديد.
وأفاد مدير أحد الفنادق ذات الــ3 نجوم بأنه “إذا استمرت الأزمة فإنهم سوف يغلقون الفندق، إنه أمر مؤكد”، مضيفا “إننا نعد أنفسنا في غضون أيام لإغلاق الفندق وإبلاغ الجميع للذهاب إلى منازلهم”.
وعندما أوقفت السلطات الأردنية الرحلات الجوية الدولية وأغلقت المطارات في مارس الماضي، لم يكن أحد يعلم ما إذا كان الموقع السياحي سيفتح أبوابه في عام 2020، حيث أنه وبسبب تفشي كورونا لم يعد السياح يصلون للمكان، كما أن الغموض كان سائدا حول مستقبل كافة العاملين في القطاع السياحي في البتراء شأنهم شأن باقي رفقائهم في مواقع سياحية أخرى، إلا أن خصوصية البتراء لم تسمح يوما للعاملين فيها بأن تكون لهم نشاطات خارج الموقع التابع للمدينة التاريخية والأثرية المدرجة على لائحة التراث العالمي لليونسكو.
وفي محاولة منها للمساعدة في الحفاظ على حركة السياحة، دعمت الحكومة الأردنية برنامجا يجذب السكان المحليين للسفر إلى وجهات سياحية مختلفة داخل الأردن وعلى رأسها البتراء كوجهة سياحية جاذبة، حيث تغطي الحكومة 40 في المئة من الجولات للأردنيين و20 في المئة للمقيمين الأجانب.
لكن حتى مع هذه الإجراءات الحكومية لمساعدة القطاع، لم يستطع السياح الأردنيون المحليون المنهكون ماديا أصلا من تبعات كورونا إنفاق الكثير من المال كما اعتاد أن يفعل الزوار الأجانب في المدينة القديمة، والتي توفر فقط زيارة للموقع القديم خلال النهار دون القدرة على توفير أي نوع آخر من الترفيه للعائلات أو الأسواق الجاذبة خلال الليل أو النهار، وهو ما يحتاجه السائح المحلي أكثر من الأجنبي.
وأعلن الأردن الأسبوع الماضي أنه بموازاة فتح المنافذ الجوية والبرية والبحرية فإنه سيستقبل المسافرين تبعا لتصنيف الوضع الوبائي للدول التي سيأتي منها المسافرون، موزعين على قوائم خضراء، وصفراء، وحمراء، بحيث تكون الدول الخضراء الأقل خطرا، أما الحمراء فهي الأشد خطورة.
وذكر وزير النقل خال سيف أن عملية تسيير الرحلات الجوية المنتظمة من الأردن وإليه، لن تتم إلا بموافقة تلك الدول التي صنفها الأردن ضمن المستويات الثلاثة، مشيرا إلى وجود دول مطاراتها مغلقة حتى الآن، ودول قد لا ترغب باستقبال رعايا من دول أخرى. وتعهد سيف بـ”محاورة” تلك الدول؛ للوصول إلى طيران حقيقي منظم.
ويتعين على القادمين إلى الأردن من جميع الدول تعبئة نموذج البيانات الصحية، قبل 24 ساعة من الوصول، إضافة إلى نموذج التعهد بالالتزام بالتعليمات، وأيضا معلومات عن مكان وجودهم الأساسي أثناء المكوث في الأردن.
ويدفع المسافر ثمن فحص الـكشف عن الفايروس إلكترونيا عبر موقع “فيزيت جوردان” وذلك لجميع الدول على اختلاف تصنيفاتها.
وعلى المسافر أن يثبت عند وصوله المطار أنه أمضى آخر 14 يوما في تلك الدولة التي قدم منها.
وتهدف الحكومة من وراء التصنيف إلى تحديد الإجراءات التي يجب أن يتبعها المسافر القادم إلى الأردن، تبعا لتصنيف الدولة التي جاء منها.