الانقلابات في منطقة الساحل تعاني أمام هجمات الجهاديين

مع مرور الوقت تجد مالي والنيجر وبوركينا فاسو نفسها في وضع صعب من خلال انفراد المجموعات الجهادية بها مع وجود دعم غير كاف من مجموعة فاغنر الروسية. لكن ذلك لم يمنع الأنظمة الجديدة من الاستمرار في التحدي والاعتماد على الذات.
دكار- تشهد دول الساحل الثلاث (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) التي شهدت انقلابات في السنوات الماضية وضعا أمنيا صعبا في ظل تزايد أنشطة الجهاديين والحركات الانفصالية في وقت يتساءل فيه المراقبون إن كان هذا التصعيد ناجما عن عجز أم أن هناك دوائر تخطط لإرباك هذه الدول ووضع اتحادها الثلاثي أمام تحديات أمنية معقدة.
ووجدت الدول الثلاث أن المعارك مع الانفصاليين والجهاديين تحتاج إلى تحالفات أوسع وأمتن من الرهان على عناصر محدودة العدد من مجموعة فاغنر الروسية، وإلى قوات لديها خبرات ميدانية في الحرب مع الجهاديين كتلك التي تمتلكها القوات الفرنسية قبل انسحابها لوجود عدم رضا عليها من الأنظمة ومن الشعوب.
ودارت مواجهات مسلحة مجددا السبت بين الجيش وحلفائه الروس من مجموعة فاغنر للمرتزقة ومجموعات انفصالية من المتمردين في شمال مالي، على ما أفاد متحدث باسم الانفصاليين ومصدر إنساني.
والخميس، اندلعت معارك غير مسبوقة منذ أشهر بين الجيش والانفصاليين في بلدة تنزاواتن القريبة من الحدود مع الجزائر، بعدما أعلن الجيش الاثنين أنّه سيطر على منطقة إن-أفراك الإستراتيجية الواقعة على بُعد 120 كيلومترا شمال غرب تيساليت في منطقة كيدال.
وجعل المجلس العسكري الذي يتولّى السلطة في مالي منذ 2020، من استعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد إحدى أولوياته.
وفقدت الجماعات الانفصالية المسلّحة السيطرة على مناطق عدة في شمال مالي في نهاية 2023 بعد هجوم شنّه الجيش وبلغ ذروته بسيطرة قوات باماكو على مدينة كيدال، معقل الانفصاليين.
وقال ألمو أغ محمد أحد المتحدثين باسم تنسيقية حركات أزواد، وهي تحالف جماعات انفصالية يهيمن عليها الطوارق، لوكالة فرانس برس “أؤكد استئناف المعارك السبت في ناحية زقاق” مضيفا “ندحر العدو”.
وأزواد منطقة في شمال مالي يطالب المتمردون الطوارق باستقلالها عن باماكو.
والخميس، قال محمد المولود رمضاني المتحدث باسم تنسيقية حركات أزواد إنّ “المرتزقة الروس التابعين لمجموعة فاغنر يخطّطون بمعيّة الجيش المالي للاستيلاء على تنزاواتن، آخر ملاذ للمدنيين الذين فرّوا من انتهاكاتهم”.
وأضاف أنّ “وحدات من جيش أزواد منتشرة في المنطقة تشتبك حالياً مع العدوّ لصدّ تقدّمه”.
وتابع “نواجه تقدّماً ونحمي السكان المدنيين النازحين”. وقال المتحدّث “لقد كبّدنا مرتزقة فاغنر ومعاوني الجيش المالي خسائر عديدة”.
كما أفاد مصدر إنساني في شمال مالي أن “المواجهات استؤنفت السبت في زقاق على طريق كيدال بين متمردي تنسيقية حركات أزواد وعسكريي فاغنر ومالي”.
وعلق مصدر عسكري مالي “كل ما يسعني قوله إن القوات المسلحة تواصل السبت الدفاع عن وحدة وسلامة الأراضي في منطقة كيدال”.
كما أعلن الجيش عن “هبوط طارئ” لمروحية بعدما واجهت “صعوبات”، دون وقوع ضحايا. وقال متحدث باسم التنسيقية إن الانفصاليين “أصابوا مروحية” ما أدى إلى تحطمها.
وترافق هجوم الجيش ومجموعة فاغنر في شمال مالي مع ورود مزاعم عديدة عن انتهاكات ارتكبها العسكريون والمرتزقة ضد المدنيين منذ 2022، وهو ما تنفيه السلطات المالية.
وتعاني مالي منذ 2012 من أعمال عنف ترتكبها جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية الجهاديين وعصابات إجرامية.
والطوارق هم جماعة عرقية تسكن منطقة الصحراء الكبرى، ومنها أجزاء من شمال مالي. ويشعر العديد منهم بالتهميش من جانب الحكومة المالية.
وشنت الجماعة الانفصالية تمردا ضد حكومة المجلس العسكري في مالي في 2012، لكن جماعات إسلامية قادت هذا التمرد في ما بعد.
وأبرمت الجماعة اتفاق سلام مع باماكو في 2015 لكن حركة الإطار الإستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية المتمردة انسحبت من المحادثات في نهاية 2022.
وقبل أيام قتل 15 جنديا في النيجر خلال معارك في منطقة تيرا (جنوب غرب) قرب بوركينا فاسو، على ما أعلنت وزارة الدفاع النيجرية.
وقتل 21 “إرهابياً” خلال المعارك، و”دُمّرت” ثماني دراجات نارية كانوا يستقلونها، بحسب الوزارة، التي أكدت أن مركبتين تابعتين للجيش النيجري دُمّرتا أيضا.
ويأتي هذا الهجوم بعد مرور عام على الانقلاب الذي أوصل نظامًا عسكريًا إلى رأس السلطة في النيجر في 26 يوليو 2023.
لكن العجز عن مواجهة الجهاديين لم يمنع من زيادة الدعم العسكري للانقلاب في النيجر، حيث تجمع الآلاف في العاصمة نيامي الجمعة لإحياء الذكرى الأولى.
وارتدى عدد كبير منهم ملابس عليها صور أعضاء النظام وهتفوا باسم رئيس المجلس العسكري عبدالرحمن تياني.
وقالت فاتي حسن التي تنتمي لمجموعة نسائية تشكلت بعد الانقلاب “نحن نحتفل، ستستعيد بلادنا العزيزة سيادتها تدريجيا”، في ما كانت أبواق الفوفوزيلا تصدح في المكان.
وفرضت على الملعب الذي استضاف فعالية الذكرى السنوية إجراءات أمنية مشددة بما فيها نشر مركبات مدرعة في محيطه.
ووصل تياني على إيقاع طبل تقليدي لتحية الحاضرين لكنه لم يخاطب الحشد.
وقال رئيس الوزراء علي ماهامان لامين زين “لم يحدث في تاريخ بلادنا الحديث أن نال حدث مثل هذا الدعم الشعبي الكبير”.
وبعد الاستيلاء على السلطة طرد المجلس العسكري القوات الفرنسية العام الماضي في ما من المتوقع استكمال رحيل القوات الأميركية في أغسطس.
كما نأت النيجر بنفسها عن بعض دول غرب أفريقيا، وقطعت علاقاتها مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
لكنها شكلت “تحالفا” مع القادة العسكريين في بوركينا فاسو ومالي الذين أرسلوا ممثلين لحضور الفعالية.
وتقاتل هذه الدول الثلاث جماعات جهادية، ويشير المجلس العسكري في النيجر للوضع الأمني كمبرر لانقلابه.
ومع ذلك تستمر الهجمات إذ قُتل العشرات من المدنيين والجنود في الأشهر القليلة الماضية.
وقال إبراهيم نياندو رافعا علم البلاد “جئت لدعم الجنود، إنهم يقومون بعمل جيد حتى الآن”.
كما تقربت النيجر من تركيا وإيران وروسيا التي شوهدت أعلامها في الملعب.
وفي ما أحيا المجلس العسكري مرور عام على توليه السلطة، لا يزال الرئيس المعزول محمد بازوم محتجزا في مقر إقامته الرسمي.
الدول الثلاث تجد أن المعارك مع الانفصاليين والجهاديين تحتاج إلى تحالفات أوسع وأمتن من الرهان على مجموعة فاغنر
وأدان جيش بوركينا فاسو مقاطع فيديو تداولها مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع تُظهر أشخاصا يمثلون بجثث ويصفون أنفسهم بأنهم من الجنود ومقدمي الخدمات المعاونة للجيش، في مشهد يظهر حدة العداء للجهاديين الذين يسعون للاستفادة من التغييرات في المنطقة واعتبار الدول الثلاث خاصرة رخوة.
وقالت القوات المسلحة ببوركينا فاسو في بيان الأربعاء “في الأيام القليلة الماضية، جرى تداول لقطات مروعة على وسائل التواصل الاجتماعي لوحشية غير معتادة”.
واستنكرت “الأفعال المروعة”، وقالت إنها تتنافى مع قيمها العسكرية. وسارت على خطى جيش مالي بالتعهد بالتحقيق في المقاطع وتحديد هوية مرتبكي هذه الأفعال.
ويقاتل جيشا مالي وبوركينا فاسو تمردا مسلحا في منطقة الساحل الأفريقي منذ اندلاعه لأول مرة في مالي قبل 12 عاما.
ولم تفلح المجالس العسكرية حتى الآن في الوفاء بوعودها بقمع التمرد والتصدي لأعمال العنف التي أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين.