الانقسامات داخل المجتمع التركي تهدد حياة اللاجئين السوريين في تركيا

الأربعاء 2017/08/09
مستجيرون من الرمضاء بالنار

أنقرة – أثارت محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في العام الماضي مخاوف اللاجئين السوريين بتركيا. وجعلتهم يطرحون تساؤلات حول مستقبلهم في بلد اللجوء الذي يعيش بدوره حالة من الاضطرابات والانقسامات السياسية التي أثرت في المجتمع التركي ذاته وخلقت فجوات بين مؤيدي الرئيس رجب طيب أردوغان وبين معارضيه ما من شأنه أن يعرض حياة اللاجئين إلى العديد من المخاطر ويهدد أمنهم في تركيا.

أعداد اللاجئين السوريين في تركيا آخذة في الارتفاع في الوقت الذي باتت العديد من الدول الأوروبية تمنع فيه اللاجئين من دخول أراضيها عبر الحدود التركية. وفي ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا العام الماضي، عزم اللاجئ السوري علاء خالدي البالغ من العمر 31 عاما على حزم حقائبه، وقد شعر بالقلق من سقوط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته التي فتحت أبواب تركيا أمام أكثر من 3 ملايين سوري هربوا من الحرب في بلادهم.

واعتقد خالدي أنه من الممكن ألا ترحب الحكومة الجديدة باللاجئين السوريين في تركيا. وقال في مؤتمر صحافي “لا نعرف ما الذي سيحدث لنا لو تغير الحزب الحاكم”.

وبعد سيطرة أردوغان وحكومته على محاولة الانقلاب التي حدثت في 15 يوليو 2016، فرض حالة الطوارئ إلى أجل غير مسمى، وأدى ذلك كله إلى تقسيم المجتمع التركي بين مؤيد لحكم أردوغان ومعارض له.

وقال خالدي، الذي يعمل في شركة برمجيات في منطقة الفاتح بوسط إسطنبول، وهي منطقة مكتظة بعدد كبير من اللاجئين السوريين “تغيّر النظام، سيضعنا بالتأكيد في دائرة الخطر”. واعتبر أردوغان قبول تركيا لاستقبال اللاجئين كمشروع خيري قام به الأتراك تجاه نظرائهم المسلمين، ولا سيما السوريين باعتبارهم يتقاسمون التاريخ مع الأتراك عندما خضعت كل من الدولتين لحكم الإمبراطورية العثمانية حتى عام 1922.

السوريون المنغلقون على أنفسهم لم يتعلموا اللغة التركية، ولن يكونوا قادرين على التكيف مع الثقافة والتقاليد التركية

وفي الوقت الذي أغلقت فيه الدول الأوروبية أبوابها في وجه اللاجئين السوريين إلى درجة أن بعض الدول أعلنت بصراحة موقفها المعادي تجاه استقبال اللاجئين، استوعبت تركيا الكثير من النازحين. وحصل بعض السوريين المقيمين في تركيا على فرص عمل غير مشروعة، وتعرض بعضهم إلى الاستغلال وعملوا في الزراعة والحضائر وغيرها.

وتناولت بعض التقارير أن بعضهم وخاصة الأطفال والنساء يعملون في ظروف غير إنسانية. وأصدر أردوغان عددا محدودا من تصاريح العمل التي يمكن من خلالها رفع أجور بعض اللاجئين السوريين العاملين في تركيا، وطرح فكرة إمكانية تقدم السوريين بطلب للحصول على الجنسية التركية في العام الماضي وذلك ليكسب المزيد من التأييد.

وفي الوقت ذاته تعالت أصوات من جانب العديد من الأتراك تدّعي تورط بعض اللاجئين السوريين في جرائم مختلفة تمس بأمن واستقرار تركيا، وظهر هشتاغ "لا أريد السوريين في بلدي" ليجوب صفحات التواصل الاجتماعي في تركيا. وأبدى العديد من رجال السياسة الأتراك قلقهم إزاء تضخم الكيان السوري في بلدهم.

ودعا كمال كيليتشدار أوغلو، أكثر المعارضين تأثيرا بعدما قاد مظاهرة ضخمة ضد الحكومة في يوليو الماضي، إلى إجراء استفتاء وطني حول قضية اللجوء السوري، مؤكدا على أن تزايد أعدادهم سيجعل من الصعب تحديد هوية المشتبه فيهم ضمنهم.

ويعيش حوالي 300 ألف لاجئ سوري في 26 مخيما تديره الحكومة التركية، وتتجمع الغالبية العظمى من مجموع السكان في مدن مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير وغازي عنتاب بالقرب من الحدود السورية.

السوريون يشكلون نسبة 3.6 بالمئة من سكان تركيا، ويتضح وجودهم في مناطق بعينها مثل الفاتح، حيث تتراص محلات الحلوى والوجبات السريعة

ويشكل السوريون نسبة 3.6 بالمئة من سكان تركيا، ويتضح وجودهم في مناطق بعينها مثل الفاتح، حيث تتراص محلات الحلوى والوجبات السريعة بجانب بعضها البعض على طول الأرصفة، وتظهر اللافتات التي تُعلّق على واجهات المحلات مطبوعة باللغة العربية. ويشير العديد من الخبراء إلى حدوث بعض التوتر وسوء الفهم بين الأتراك والسوريين بسبب عدم إتقان السوريين للغة التركية.

وقال سليم كورو، المحلل في مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية في تركيا “في البداية بدت فكرة تقاسم الحضارات جيدة وساعدت على تسيير الكثير من الأمور بسلاسة. ولكننا نرى أن أحياء السوريين آخذة في الازدياد خاصة في المدن الكبرى، فالسوريون المنغلقون على أنفسهم في الأحياء التي يعيشون فيها لم يتعلموا اللغة التركية، ولن يكونوا قادرين على التكيف مع الثقافة والتقاليد التركية، وهذا ما يسبب العديد من المشكلات على المدى البعيد”.

وفي متجر بقالة صغير بمنطقة الفاتح، يقول كينان، صاحب المتجر البالغ من العمر 37 عاما وهو سوري من دمشق، إن جميع زبائنه من السوريين. وأضاف أن الأتراك لا يتعاملون معه بمجرد أن يعرفوا أنه سوري. وقال “هم يقبلون وجودنا ولكنهم لا يحبوننا حقا”.

ويعيش كينان، وهو مهندس معدات طبية هرب من دمشق أوائل عام 2016، في شقة بمنطقة الفاتح مع خمسة من اللاجئين الآخرين. وقال إنه منذ اندلاع الاشتباكات بين الأتراك والمهاجرين من جنوب قارة آسيا في جزء آخر من المدينة، كان يحرص على ألا يتحدث بالعربية.

وأضاف كينان، الذي يعمل بجد حتى يستطيع إرسال الأموال إلى زوجته وابنه في دمشق “يسوء الأمر يوما بعد يوم بالنسبة إلينا، وهذا هو ما أخشاه! ففي وسائل التواصل الاجتماعي، أشاهد دائما قصصا ومنشورات لسوريين تعرضوا للقتل في تركيا. هم يشعرون أننا نأخذ أماكنهم في الوظائف، وسيفقدون صبرهم تجاهنا عن قريب”.

وفي مطعم سوري يعدّ الدجاج ويقع في شارع الفاتح الرئيسي، أظهر حسن سقا، 15 عاما وهو لاجئ من مدينة حلب السورية، ندبة على أذنه من آثار شجار حدث بينه وبين جار تركي، وقال إنه حاول أن يأخذ منه المال عنوة والسبب هو أن هذا الجار التركي لم تكن لديه وظيفة في حين أن حسن وابن عمه يعملان.

يقول هيثم محمود، ابن عم حسن “لا توجد علاقة ودية بين السوريين والأتراك، إنما هي علاقة عمل فقط”. يعمل هيثم، البالغ من العمر 26 عاما، في مصنع لتجميع الصناديق إلى جانب العديد من العمال السوريين الآخرين مقابل 350 دولارا شهريا يرسل جزءا منها إلى أسرته في حلب. وأضاف محمود “هنا، نحن نأكل وننام ونعمل فقط. كل منا يود العودة مرة أخرى إلى موطنه سوريا”.

12