الانحراف والموت جوعا مصير المشردين الذين امتلأت بهم شوارع إيران

لا توجد إحصائيات أو دراسات رسمية إيرانية تكشف المشاكل العميقة التي يعاني منها الشعب الإيراني وهذا ينطبق على المشردين الذين امتلأت بهم الشوارع والساحات العامة، وتقدم السلطات الإيرانية إحصائيات مغلوطة عن الأشخاص فاقدي المأوى في المدن الإيرانية بينما تقول منظمات المجتمع المدني وعديد الدراسات إن الأعداد الحقيقية للمشردين تقدر بأضعاف ما أعلن عنه من طرف الجهات الرسمية.
الأربعاء 2015/12/16
رفاهية العيش على الطريقة الفارسية

لندن - يقول مسؤولون إيرانيون إن هناك حوالي 15 ألف شخص بلا مأوى في العاصمة طهران وضواحيها، بما في ذلك 5 آلاف امرأة. وفي مدينة طهران يعيش معظم المشردين الذين يسمون محليا بساكني علب الكارتون في حي الإمام زادي عبدالله في غرب طهران، وشوش هرندي، وأجزاء من أزاديجان في جنوب طهران. وتعتبر هرندي وشوش هي المراكز الرئيسية التي يتجمع فيها المشردون من النساء والأطفال.

وتضم فئة المشردين شرائح عمرية مختلفة وتتراوح أعمارهم بين الأربعين يوما بالنسبة إلى الرضع والأطفال والثمانين عاما بالنسبة إلى النساء والرجال. وهم من فئات اجتماعية مختلفة، فمنهم من ولد في الشارع لأم مشردة ومنهم من دفعه الفقر والظروف المعيشية القاسية إلى ترك سكنه أو عجز عن توفير ما يكفي من المال لتأجير أو شراء سقف يأويه ومنهم من كان أستاذا أو حلاقا أو رياضيا سابقا.

وتتلقى أكثر من عشر منظمات رسمية في إيران تمويلا حكوميا لمعالجة ظاهرة التشرد، بما في ذلك بلدية طهران، ومنظمة الرعاية الاجتماعية، وتلفزيون جمهورية إيران الإسلامية. ولكن ليست هناك فاعلية أو إنجازات تذكر في اتجاه الحد من أعداد المشردين وهو ما يحيلنا إلى غياب سياسات اجتماعية واستراتيجيات هادفة ومضبوطة لحل مشاكل فاقدي المأوى أو على الأقل للحد من أعدادهم المتزايدة بشكل لافت. وهو أيضا ما يؤكد استشراء الفساد في المؤسسات الرسمية والمصالح المنوط بعهدتها حل المشاكل المستشرية في المجتمع من خلال سوء التصرف في أموال الشعب وفي التمويلات الحكومية المرصودة لحل أزمة التشرد تبعا لغياب الشفافية في هذه المؤسسات.

وفي ظل غياب خطة شاملة للدولة للتعامل مع التشرد، مع غياب قوانين تضمن لهذه الفئة حقوقها وتعين الأجهزة الرسمية المسؤولة عنها فإن ظاهرة التشرد تبلغ أقصى درجات اللاإنسانية في إيران فكل الجهات الرسمية تتبرأ من تحمل مسؤولية المشردين فالشرطة تقول إنها مسؤولية البلدية، والبلدية تمرر المسؤولية إلى منظمات الرعاية وتقول يجب على وزارة الداخلية التعامل معهم.

الحكومة الإيرانية تخلت عن المشردين رغم أنهم أحوج الفئات الاجتماعية للإحاطة والرعاية خاصة منهم الأطفال

ورغم أن إيران تطبق القانون على مدمني المخدرات الذين يمثل المشردون نسبة هامة منهم إلا أنها لا تمتعهم بنفس حقوق مدمني المخدرات في تلقي العلاج في مراكز العلاج من الإدمان على المخدرات.

كل هذه التعقيدات تبرهن عن تخلي الحكومة الإيرانية عن المشردين رغم أنهم أحوج الفئات الاجتماعية للإحاطة والرعاية وخاصة منهم الأطفال والنساء الذين يواجهون صعوبة العيش في الشوارع وما تترتب عليها من أمراض وإدمان وانحراف وإجرام وغيرها من الآفات التي تودي بهم إلى الهلاك وإلى الموت جوعا.

غياب التوجه بشكل رسمي لحل أزمة التشرد خلق سعيا مجتمعيا مدنيا تسعى من خلاله مجموعة من المتطوعين للتقليص من حدة هذه الظاهرة ولإنقاذ حياة المشردين من الموت جوعا حيث يقدم الآلاف من المتطوعين المساعدة في جميع أنحاء إيران للمشردين من خلال مجموعة تسمى “باياني كارتونخابي”، لإنهاء التشرد، أو “وضع حد للنوم في صناديق من الورق المقوى”.

هذه المجموعة نشأت في مايو الماضي عن مبادرة لعلي حيدري وهو مدير في شركة إعلانية في طهران الذي روى تجربته لصحيفة الغارديان البريطانية حيث يقول إنه توجه رفقة أفراد عائلته إلى حي هرندي في جنوب طهران أحد مقرات التجمعات الرئيسية للمشردين في العاصمة الإيرانية. كانوا يحملون معهم 15 وجبة طعام للمشردين. وعند وصولهم ذهل حيدري من هول ما رآه وقال “لم أستطع تحمل الكارثة. توجهت صوب شخصين لأضع وعاء الطعام بجانبهما فأدركت أنهما فارقا الحياة، لقد رأيتهما متوفيين”.

بعد تلك الحادثة ذهب حيدري إلى جيرانه وأصدقائه طالبا طعاما للمشردين. وأعلمهم أن “في جنوب طهران بعض المشردين يتضورون جوعا حتى الموت” وطلب منهم تقديم المساعدة وتأمين بعض الأكل لهم قائلا “يمكنني أن أجمع الطعام وأوزعه بنفسي”.

غياب التوجه بشكل رسمي لحل أزمة التشرد خلق سعيا مجتمعيا مدنيا تسعى من خلاله مجموعة من المتطوعين للتقليص من حدة هذه الظاهرة
ثم قرر حيدري أن يتجاوز عائلته وأصدقاءه، ويدفع المجتمع للمساهمة على نطاق أوسع. وفي يوليو الماضي كرس حيدري ومجموعة من أصدقائه، المنخرطين معه في هذا العمل التطوعي، شبكات التواصل الاجتماعي لطلب المساعدة، وتوجهت المجموعة الأولى من المتطوعين إلى جنوب طهران وقامت بتوزيع المواد الغذائية. وأصبح يوم الأربعاء من كل أسبوع موعدا لتقديم الطعام للمشردين. ويقول حيدري “لقد تمكنا من جمع 5000 وجبة طعام في ليلة واحدة”.

توزع المجموعة المواد الغذائية ليس فقط على الذين لا يملكون مأوى، بل حتى عبر تثبيت ثلاجات في الشارع حتى يتمكن الجيران من ترك وجبات للمحتاجين. ولم يتم بعد تسجيل نشاط حيدري وأصدقائه كمنظمة غير حكومية، لأن العملية تستغرق وقتا طويلا. ولكن حتى من دون تسجيلها، فهي تنشط في أكثر من 20 مدينة بما فيها تبريز وأصفهان وكرمنشاه، وأراك، وشيراز، وذلك بفضل إنستغرام، وفيسبوك وتلغرام.

وبدأ تثبيت الثلاجات في الشوارع في شهر أكتوبر الماضي بعد الحصول على موافقة البلدية حيث يضع المتبرعون الأكل فيها ليتمكن المشردون من الحصول على ما يلزمهم من الطعام للبقاء على قيد الحياة، بالإضافة إلى ذلك، تساعد مجموعة “باياني كارتونخابي” في مكافحة الإدمان بين المشردين، من خلال محاولة الحصول على التعاون والدعم من المؤسسات الرسمية المختصة في ذلك. كما تنظم حلقات تدريبية للمشردين الذين لا يستهلكون المخدرات، وتحاول مساعدتهم في الحصول على عمل.

ورغم كل ما تقوم به هذه المجموعة من المتطوعين بهدف وضع حد لتنامي ظاهرة التشرد في إيران إلا أنها لا يمكن أن تعوض دور الدولة في معالجة مشاكل المشردين ولا مجال للقضاء على التشرد في إيران في ظل تغاضي للسلطات الإيرانية عن تحمل مسؤولياتها تجاه المجتمع وتجاه أضعف فئات الشعب التي بلغت حد الموت جوعا.

12