الانتخابات المبكرة تبقي على نفس الوجوه السياسية في الجزائر

الجزائر- حافظ حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقا في الجزائر، والذي احتج ضد سياساته الآلاف من الجزائريين منذ أكثر من عام ونصف العام، على تصدره للمشهد السياسي، عقب فوزه بالأغلبية في الانتخابات المحلية المبكرة التي نظمت آخر نوفمبر الماضي.
وبات الحزب صاحب أكبر عدد من المقاعد في كافة المجالس المنتخبة، وهي المجالس البلدية والولائية وكذلك البرلمان.
وكشف رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي أن حزب جبهة التحرير الوطني ظفر بـ124 بلدية بأغلبية مطلقة، فيما ينافس قوائم الأحزاب والمستقلين على قيادة 552 بلدية، وفق مبدأ الأغلبية النسبية.
وفي المجالس الولائية حصل الحزب على 471 مقعدا في خمس وعشرين محافظة، دون أن يسجل أغلبية مطلقة في أي من المجالس.
وبالتالي تفرض عليه الأغلبية النسبية الدخول في تحالفات بهدف الظفر برئاسة عدد أكبر من البلديات والمجالس الولائية.
وأبرزت هذه النتائج مشهدا سياسيا مختلطا وإن كانت تهيمن عليه جبهة التحرير بقياداتها التي سيرت الحياة السياسية في الجزائر سابقا، مما يبعد شبح المعارضة الراديكالية عن السلطة الحاكمة ويطمئن عبدالمجيد تبون الذي حاول السيطرة على التحركات الاحتجاجية وحالة الغضب الشعبي بسلسلة من الاستحقاقات الانتخابية لإعادة هيكلة المؤسسات.
وسبق أن تعرض حزب جبهة التحرير لانتقادات شديدة من جانب الطبقة السياسية وفئات واسعة من الشعب الجزائري، بسبب دعمه سياسات الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي أصبح منذ عام 2015 الرئيس الفعلي للحزب. وكان قبل هذا التاريخ رئيسا شرفيا له.
ويحمّل الحراك الشعبي، الذي اندلع في فبراير 2019، حزب جبهة التحرير الوطني مسؤولية معظم المشكلات التي عرفتها البلاد، وحمل شعارات مناهضة له.
وطالبت أصوات عدة بإحالة الحزب إلى المتحف السياسي لأنه “إرث وطني ملك لجميع الجزائريين وليس لفئة معينة من التيار الوطني”، باعتباره قاد كحركة تحررية ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي بين 1954 و1962.
وحاول الحزب مساندة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في رئاسيات 2019، لكن تبون حرص آنذاك على أنه “مرشح الشباب والمجتمع المدني وليس مرشح أي حزب سياسي”.
ومع ذلك يدعم الحزب برنامج الرئيس تبون، ويساند كل مشاريعه الإصلاحية، سواء ما تعلق بتعديل الدستور أو ما اتصل بتنظيم الانتخابات المسبقة، كما يشارك في الحكومة الحالية بعدد من الوزراء.
ومن الواضح أن الحزب صمد في وجه كل العواصف التي ضربته، سواء من الخارج أو من الداخل، بفعل الصراعات الدائمة بين قياداته؛ فعلى الرغم من كل المشكلات والهزات تصدر الحزب جميع العمليات الانتخابية.
وعزا الأمين العام للحزب أبوالفضل بعجي الأمر إلى التغييرات الكبيرة التي أجراها على صعيد الخطاب السياسي للحزب وعلى صعيد السلوكيات والممارسات ومحاربة المال الفاسد، واختيار “أنظف وأفضل المترشحين”.
ولم يخفِ بعجي أن طموح الحزب كان تحقيق نتائج أفضل، “لكن مشكلات في تغطية الهياكل على مستوى بعض الولايات (المحافظات) قلصت حظوظه في فوز أكبر”.
لكن فوز حزب جبهة التحرير الوطني بالمرتبة الأولى في آخر استحقاقين انتخابيين يحمل أيضا تراجعا معتبرا له على صعيد المقاعد؛ فمقارنة بـ2017 فقد الحزب 63 مقعدا بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، إذ حصل يومها على 161 مقعدا مقارنة بـ 98 مقعدا في تشريعيات يونيو الماضي.
وفي الانتخابات المحلية فاز الحزب بـ124 بلدية بأغلبية مطلقة، مقارنة بـ603 بلديات سنة 2017، أي بفارق 479 بلدية.
وتراجع في المجالس الولائية بـ240 مقعدا، بعدما حصل على 471 مقعدا مقارنة بـ711 مقعدا سنة 2017.
وتأتي هذه الأرقام في انتظار ما إذا كان سيستفيد من التحالفات لرفع رصيده.
وبقاء حزب جبهة التحرير الوطني في الصدارة يأتي في ظل إجراء تغييرات جوهرية على قانون الانتخابات والتحول من نظام التصويت على القائمة المغلقة، رأس القائمة، إلى نمط القائمة المفتوحة التي تعني التصويت على الأشخاص.
وتوقع مراقبون منذ مطلع العام الحالي استمرار الحزب رفقة باقي الأحزاب التقليدية كالتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم (إسلامي) في المقدمة، نظرا إلى العزوف الانتخابي وتدني نسبة المشاركة.
وعزا مراقبون الأمر إلى أن الأحزاب التقليدية تملك وعاء ثابتا من المناضلين والقواعد الشعبية التي صقلتها على مدار عقود من الممارسة السياسية الميدانية والتحكم في الجانب التقني للعملية الانتخابية.
وكان الرئيس الجزائري اعتبر خلال مشاركته في التصويت السبت أن نسبة المشاركة ليست برهان كبير للعملية الانتخابية، وإنما “الرهان على حماية صوت الناخب وإبعاد المال الفاسد وشبهات التزوير، باعتبارها أساس إعادة ثقة المواطنين في الفعل الانتخابي”.
في المقابل يرى الصحافي المتخصص في الشأن السياسي جمال فنيش أن حزب جبهة التحرير الوطني استفاد مرة أخرى من ضعف المشاركة التي بلغت 36.58 في المئة فقط.
وتعكس نسبة المشاركة المعلنة العزوف الكبير من قبل الجزائريين عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، رغم أن الانتخابات كانت محلية تدخل في حساباتها العلاقات الاجتماعية والقبلية.
ورغم ذلك قال فنيش إنه من الصعب وضع تحليل دقيق لنتائج الاستحقاقات في ظل غياب أدوات وعمليات لسبر الآراء، لذلك لا يمكن القول إنها تختلف عن سابقاتها على الرغم من التغييرات التي أدخلت على نظام التصويت.
