الانتخابات الكويتية: التنازلات والانسحابات بديل عن التشاوريات

التساؤلات تدور الآن حول مَنْ قام بترتيب هذه الانسحابات، ولصالح مَنْ من المرشحين.
الخميس 2023/05/25
التحضير للانتخابات لا يبدأ من هنا ولكن من مجالس القبائل

الكويت - تعيد قبائل الكويت التي حُرمت من إجراء انتخابات “فرعية”، أو مما يسمى بـ”التشاوريات” لاختيار مرشحيها إلى مجلس الأمة، تنظيم صفوفها من أجل تحقيق الهدف نفسه من دون مخالفة للقانون، وذلك من خلال ترتيب انسحابات بعض المرشحين لصالح مرشحين آخرين وفقا لـ”تشاوريات” غير معلنة يتولى إدارتها زعماء القبائل أو من ينوب عنهم. وهو ما يعني أن المنع لم يعد يحقق الغرض منه.

وحتى بعد إغلاق باب الترشيحات برزت ظاهرة انسحاب العديد من المرشحين لتقليص عدد المؤهلين للفوز بأصوات قبائلهم وللحيلولة دون تشتت هذه الأصوات. وتدور التساؤلات الآن حول مَنْ قام بترتيب هذه الانسحابات، ولصالح مَنْ من المرشحين الذين بلغ عددهم 376 مرشحا يوم إغلاق أبواب الترشيح، قبل تراجع عددهم إلى أقل من 250 مرشحا فيما بعد. كما تذهب التساؤلات إلى ما إذا كان انسحاب المرشحين سيؤدي إلى إجراء تحقيقات، أو إثارة طعون، من جانب الذين يتأثرون بنتائجها.

ويقول مراقبون إنه في حال تعددت الطعون، فمن غير المستبعد أن تكون سببا لإبطال شرعية المجلس الجديد، أو على الأقل اندلاع سجالات حولها.

ولاحظت مصادر إعلامية محلية أن “سياسة التنازلات والانسحابات لترتيب الصفوف أصبحت بديلا عن التشاوريات”، وقالت إن “لجوء بعض القبائل لتقليص المرشحين إلى الحد الأدنى من شأنه التأثير بشكل كبير في حصة كل قبيلة بالبرلمان المقبل، وما يتبع ذلك من تعقيد مهمة بعض المرشحين في الوصول إلى عتبة النجاح، التي يُرجح ارتفاعها في الانتخابات المقبلة عن سابقتها بسبب الانخفاض التاريخي لأعداد المرشحين”.

التيارات التي تتنافس على المقاعد البرلمانية تتسم بالهلامية وتستند إلى النفوذ الشخصي أو العائلي لبعض شخصياتها

وتعد قضية “تشاورية شمر” أو ما تعرف باسم قضية “شمر ومطير” التي أثيرت حين قامت قبيلة شمر بإجراء انتخابات فرعية من أجل اختيار ممثل رسمي لها في مجلس الأمة عام 2020 واحدة من أبرز قضايا “التشاوريات” التي أحيلت إلى القضاء، وانتهت بحبس النائب مرزوق الخليفة، والنائب السابق سلطان اللغيصم، وآخرين يصل عددهم إلى 29 بين مشارك ومنظم، بموجب قرار أصدرته محكمة التمييز في مارس 2022. وأعيدت القضية إلى التداول بعد أن أصدر أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد قرارا بالعفو عنهم مؤخرا.

وينص القانون على أنه “يعاقب كل من نظم أو اشترك في تنظيم انتخابات فرعية أو دعا إليها، وهي التي تتم بصورة غير رسمية قبل الموعد المحدد للانتخابات لاختيار واحد أو أكثر من بين المنتمين لفئة أو طائفة معينة”.

ويقصد المُشرّع من القانون تلافي الانقسام الاجتماعي على أساس قبلي أو طائفي، إلا أن الوقائع ما تزال تظهر أن الولاءات القبلية والطائفية تشكل عاملا مؤثرا في الحياة العامة وتبرز من جديد كلما جرى تنظيم انتخابات، لأن البلاد ليست فيها أحزاب معلنة، تعيد “ترتيب” الخارطة الاجتماعية على أساس سياسي، بدلا من الأساس القبلي.

وتخاض الانتخابات في الكويت على أساس ترشيحات فردية، ولكن المرشحين الذين يفوزون بالمقاعد الخمسين في مجلس الأمة، لا بد أن تقف وراءهم “قوة” ما. والقبائل هي أحد أهم القوى المؤثرة في البلاد، إلى جانب “قوة” الدعم الذي توفره الأسرة الحاكمة، أو التيارات السياسية غير الرسمية، مثل التيار السلفي والإخواني والشيعي الموالي لإيران، أو “التيار الإصلاحي” أو “طبقة التجار”، فضلا عن شخصيات وطنية تتمتع بنفوذ شخصي أو عائلي.

في حال تعددت الطعون، فمن غير المستبعد أن تكون سببا لإبطال شرعية المجلس الجديد، أو على الأقل اندلاع سجالات حولها

ويعود تاريخ الانتخابات الفرعية بالكويت إلى سنة 1971، حيث نظمت قبيلة العجمان أول انتخابات فرعية في منطقة الأحمدي وشاع استخدامها بين القبائل والطوائف.

ووقع ثاني استخدام لها في مجلس 1975، ونظمتها قبيلتا العجمان وعنزة، وبعد ذلك أجرتها القبائل الكبيرة في الكويت مثل العوازم والمطير اللتين تعدان الأكبر عدداً في الكويت.

واستمر استخدامها إلى أن تم تجريمها في عام 1998، بعد أن قدم نواب تابعون “للتيار الوطني الكويتي” في مجلس الأمة مشروع قانوناً يقضي بمعاقبة منظمي الانتخابات الفرعية والداعمين لها والمشاركين فيها.

ويقول مراقبون إن التيارات التي تتنافس على المقاعد البرلمانية في الانتخابات الراهنة، تتسم بالهلامية وتستند إلى النفوذ الشخصي أو العائلي لبعض شخصياتها، مما لا يجعلها تيارات مستقرة، أو تقوم على برنامج “وطني” محدد. وهو ما يشمل “المعارضة” لأنها كلمة قد تعني معارضة سياسات الحكومة، إلا أنها لا تضمن توافقا على برنامج سياسي مضاد. كما أن المعارضة هي “خلائط” من القبائل والتيارات التي لا يجمعها جامع أو موقف موحد حيال القضايا التي تواجه البلاد.

ويرى المراقبون أن هذا الواقع يزيد أوضاع البلاد تعقيدا، لجهة غياب التناسق السياسي، كما أنه يزيد في عدد “المعارضين” للحكومة، لأن كل مَنْ لا يعد مواليا لها، يُصبح معارضا، ويمكنه أن يتسبب في إثارة المشاكل أمامها أو تقديم استجوابات، غالبا ما تؤدي إلى عرقلة عمل الحكومة أو استقالتها.

وللخروج من هذه الدائرة المغلقة، طرح بعض المرشحين فكرة أن يتم إجراء الانتخابات على أساس قوائم وطنية، تمثل التيارات السياسية الرئيسية. ويرون أن هذا هو السبيل الأمثل للتوافق مع مقاصد المشرّع، لجهة إعادة بناء التماسك الاجتماعي على أساس وطني، بدل الأساس القبلي أو الطائفي أو المذهبي.

6