الانتخابات الطلابية اختبار لجدية القاهرة في الانفتاح السياسي

تأتي الانتخابات الطلابية لتكون أول اختبار للحكومة المصرية بعد إبدائها انفتاحا سياسيا في التعامل مع معارضيها، الا أنه ورغم نجاح المؤسسة العسكرية في إزاحة تنظيم الإخوان من الساحة، لا يزال النشاط السياسي ممنوعا في الجامعات مما يخفي توجسا حكوميا من معارضة واسعة أو أن يجد تنظيم الإخوان طريقا له في الأوساط الشبابية مجددا.
القاهرة - يستعد مئات الآلاف من طلاب الجامعات المصرية للمشاركة في انتخابات الاتحادات الطلابية التي كانت تجذب قطاعات كبيرة تتعامل معها باعتبارها مقدمة للانخراط في العمل السياسي لاحقا عندما كانت تشهد منافسات محتدمة بين قوى مدنية وأنصار جماعة الإخوان، والتي هدفت دوما للسيطرة عليها لتحريك القواعد الشبابية قبل أن تحظر الحكومة ترشح أي طالب لديه خلفية سياسية أو ينتمي إلى جماعة دينية.
حددت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر الخميس الرابع والعشرين من نوفمبر موعدا لفتح باب الترشح لانتخابات الاتحادات الطلابية التي من المقرر أن تنطلق في الرابع من ديسمبر المقبل، على أن تبدأ الدعاية الانتخابية قبلها بأيام قليلة.
وتسود توقعات بأن يفوق عدد المرشحين حاجز الستة والعشرين ألف طالب، وهو عدد الذين خاضوا غمار الانتخابات العام الماضي، مع إعادة تفعيل عدد من اللجان ذات الارتباط بالأنشطة الفنية والرياضية والثقافية.
وتختبر هذه الانتخابات جدية الحكومة في الانفتاح السياسي، كأول اقتراع يتزامن مع انطلاق جلسات الحوار الوطني، والتوسع في الإفراج عن المعارضين وإتاحة مجال أوسع أمام عمل أحزاب معارضة غابت عن الساحة مؤخرا.
ولم تُدخل وزارة التعليم العالي تعديلات على اشتراطات الترشح، فمازالت تحظر الدعاية السياسية والدينية والطائفية والشعارات الحزبية، وتتوجس من أي تحركات تقود إلى عودة ممارسة العمل السياسي المباشر داخل جدرانها، ووضعت قيودا عديدة على طريقة الدعاية وأشكالها، وأرجعت ذلك للحفاظ على الأعراف الجامعية وحماية منشآتها، وهددت بشطب المخالفين للقواعد الانتخابية.
وتشترط اللائحة أن يكون المرشحون مارسوا من قبل نشاطا طلابيا موثقا في الجامعة وتستثني طلاب السنة الدراسية الأولى، وتحظر مشاركة كل طالب تعرض للمجازاة التأديبية، وألا يكون منتميا لتنظيم أو كيان أو جماعة إرهابية مؤسسة على خلاف القانون (جماعة الإخوان) ويكون المتقدم حسن السيرة وحسن السمعة.
وتبدو هذه المعايير في نظر المراقبين فضفاضة ويتم تفسيرها على أنها باب خلفي لاستبعاد أي شخص لديه انتماءات سياسية معارضة للحكومة.
ويقول مراقبون إن دوائر حكومية ترفض ممارسة العمل السياسي داخل الجامعات، على الرغم من أنه جرى حصار تنظيم الإخوان الذي سيطر على مقاعد الاتحادات سنوات طويلة، وليست هناك موانع حقيقية في أن تكون لدى الشباب الجامعي اتجاهات سياسية داخل الجامعات، لكن الحكومة تخشى أن يتحول السماح بوجوه معارضة إلى بروزها عبر اتحادات الطلاب كمقدمة لاستعادة الزخم السياسي.
وضيّقت الحكومة المصرية الخناق على منافذ الحركة خوفا من حدوث سيولة سياسية في الشارع، حيث تؤمن بأن الحل الأمثل يكمن في استيعاب أحزاب المعارضة والسماح لها بالتعبير عن آرائها في إطار رسمي ومؤسسي يمكن تحجيمه إذا تطلب الأمر.
وتعتقد دوائر أمنية أن السيطرة على الشباب حال استعادوا أدوارهم المعارضة في الجامعات سوف تكون صعبة، ما يدعم استمرار الوضعية التي تكون فيها الغلبة للمنافسة على الحضور الثقافي والاجتماعي والفني والرياضي دون السياسي.
وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس بالقاهرة محمد سيد أحمد إن المجال العام في مصر يسمح بممارسة العمل السياسي في الجامعات، وحالة الاستقطاب السابقة التي خلقها تنظيم الإخوان وقادت إلى مواجهة بتقوية الأحزاب اليسارية والليبرالية لم تعد موجودة، ويمكن استيعاب شباب الأحزاب المختلفة.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن الواقع يشير إلى أن الانتخابات الطلابية تعبر عن توجهات عامة لدى شباب أضحى أكثر ابتعادا عن الأحزاب ولا يملك ميولا سياسية واضحة، وبدأت اهتماماته تتجه للترويج لأنشطة ثقافية ورياضية بالجامعة.
وأوضح أن القاهرة تؤمن بأن تحويل حرم الجامعات إلى ساحة سياسية ليس بالأمر الطبيعي، ولجان النشاط الطلابي لا تتضمن العمل السياسي، كما أن ممارسة السياسة بالجامعة تشي بأن المنافذ الشرعية ممثلة في الأحزاب لا تقوم بدورها، وبالتالي فإنها ستعمل على حظر الشعارات ذات الأبعاد السياسية بما لا يخلق بيئة موازية خارج الإطار الشرعي تساعد على عودة جماعات دينية تجيد توظيف تلك البيئة لصالحها.
وأكد مستشار وزير التعليم العالي لشؤون الأنشطة الطلابية طايع عبداللطيف في تصريحات سابقة أنه من حق لجان اتحادات الطلاب في الكليات الجامعية رفض استقبال أوراق الطلاب المنتمين إلى أحزاب دينية أو جماعات متطرفة ترغب في الترشح لانتخابات اتحادات الطلاب بالجامعات.
وتؤدي محظورات الترشح إلى أن تتحول الانتخابات إلى ما يشبه التزكية لكثير من المناصب، ويعد غياب البرامج السياسية التي تجذب الطلاب للمشاركة سببا مباشرا في عزوف الطلاب الذين يحق لهم التصويب، ما يجعل قطاعات عدة تدرك أنها أمام مرشحين يفتقرون للرؤية المستقبلية والسمات التي تشجعهم على المشاركة.
ومازالت أجواء إجراء الانتخابات دون تدخلات قانونية أو إدارية بعيدة عن الجامعات المصرية، والانفتاح السياسي الذي يمضي بشكل بطيء لم يصل بعد إلى الانتخابات الطلابية مع تزايد شكاوى أساتذة الجامعات من عدم إتاحة حرية العمل السياسي لهم.
وأكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة سعيد صادق أن الحكومة ابتكرت إستراتيجية حقوق الإنسان ودشنت الحوار الوطني والمؤتمر الاقتصادي وتستمر في الإفراج عن نشطاء ومعارضين، لكنها تعاني من مشكلة الاهتمام بالشكل على حساب مضمون التحسن السياسي، وأن قياس نتائج كل هذه الإجراءات يمكن الحكم من خلاله على درجة الانفتاح في الفضاء العام داخل الجامعات.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن النشاط السياسي مازال محظورا في الجامعات ولن يكون متاحا أمام الطلاب اليساريين أن يستعيدوا قوتهم التي اعتادوا عليها حتى مع عدم وجود تنظيم الإخوان الذي كان ينافسهم، ومازالت هواجس اندلاع احتجاجات في الشارع انطلاقا من الجامعات مسيطرة في عقول دوائر حكومية.
ولم تعد الانتخابات الطلابية المفرخ الأول للكوادر السياسية، كما كان الحال في السابق، وانحسر انضمام الطلاب للأحزاب، ولدى دوائر حكومية منافذها التي تختار منها الكوادر الشبابية وتدعم حضورها في ما يسمى بـ”تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين” أو عبر تجهيز كوادر برنامج الشباب الرئاسي.