الانتخابات الرئاسية في ليبيا: مصير غامض ومواقف متباينة

الضغوط المحلية والدولية لا تكفي لإجراء الانتخابات في 24 من ديسمبر.
الأربعاء 2021/12/15
حلم يتلاشى

لم يتبق على الموعد المحدد للانتخابات الرئاسية الليبية سوى أيام معدودة، ورغم ذلك لم يُعلن بعد عن القائمة الرسمية للمترشحين ولم تشهد البلاد حملات انتخابية، مما يُرجح فرضية تأجيل الانتخابات إلى موعد لاحق قد يجنب ليبيا العنف والاضطرابات السياسية التي قد تكون نتيجة حتمية في حال فاز أحد المترشحين المثيرين للجدل والذين يمتلكون حظوظا كبيرة لاعتلاء كرسي السلطة في البلاد.

طرابلس – رغم الضغوط المكثفة لعقد الاستحقاق الانتخابي استكمالا لمسار الحل السياسي في البلاد، لا تزال جهات محلية ودولية متخوفة من الانتخابات الرئاسية في ليبيا وفرضيات إلغائها أو تأجيلها بناء على التوترات السياسية، التي تأخذ منحى متصاعدا ينذر بالعودة إلى مربع العنف.

وقبل عشرة أيام فقط على التاريخ المحدد، لم تعلن بعد القائمة الرسمية النهائية للمترشحين، بينما تثير الخلافات الحادة المستمرة بين الأطراف السياسية الرئيسية شكوكا جدية في إمكان إجرائها في موعدها.

ويفترض أن تكون الانتخابات المحددة في الرابع والعشرين من ديسمبر والتي ستكون، إن حصلت، الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، تتمة للعملية السياسية الانتقالية التي رعتها الأمم المتحدة من أجل إخراج ليبيا من الفوضى التي تلت سقوط نظام معمر القذافي في 2011.

أنس القماطي: الانتخابات في هذه الظروف ستزعزع استقرار ليبيا بالتأكيد

ودعي للمشاركة في الاقتراع 2.5 مليون ناخب. لكن قبل عشرة أيام من الانتخابات، لم تبدأ الحملة الانتخابية بعد، وأرجئ نشر قائمة المترشحين النهائية إلى موعد لم يحدد، ما يجعل حصول الاستحقاق في موعده مستبعدا، ولو أن الحكومة الليبية كررت الأحد جهوزيتها لإجرائه.

كما شدد المجلس الرئاسي الليبي الثلاثاء خلال اجتماع مع البعثة الأممية إلى ليبيا على ضرورة وأهمية إجراء الانتخابات في موعدها المقرر.

وأكد النائب بالمجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني، أن الاستحقاق الانتخابي “يبدو رهانا عسيرا لكنه الأجدر بالالتزام وهو ما سيصنع الفرق”.

وتأتي هذه الدعوات لعقد هذا الاستحقاق الانتخابي المنتظر، فيما ساد منذ أسابيع انطباع عام بأن لا مفر من إرجاء الاستحقاق الانتخابي، لاسيما بعد إرجاء الانتخابات التشريعية التي كان يفترض أن تجري مع الرئاسية، ثم تعرض قانون الانتخابات لانتقادات كثيرة، وصولا إلى ترشح شخصيات مثيرة للجدل إلى الرئاسة.

انقسامات عميقة

يرى نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة جمال بينومار الذي يرأس حاليا المركز الدولي لمبادرات الحوار أن “الانتخابات ستكون مضرة أكثر مما ستكون مفيدة، بسبب الانقسامات العميقة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي”.

ويشير إلى أنه سواء تمّ إرجاء الانتخابات أم لا، فإن ظروف إجراء “انتخابات حرة وعادلة غير متوافرة، فالليبيون منقسمون بشكل أعمق يحول دون قبولهم أو توافقهم على نتائج الانتخابات”.

بيتر ميليت: إرجاء الانتخابات الليبية سيكون أمرا لا مفرّ منه

وفي فبراير 2011، أسقط الليبيون بدعم من حلف شمال الأطلسي نظام معمر القذافي بعد انتفاضة استغرقت بضعة أشهر، وبعد أن حكم “قائد الجماهيرية” البلد منذ 1969. وشهدت ليبيا بعد ذلك انقسامات وخصومات مناطقية، ونزاعات على السلطة، وتصاعد نفوذ الميليشيات وتزايد التدخلات الخارجية وتفشي السلاح.

وفي مارس الماضي، شكلت حكومة انتقالية بعد حوار بين الأطراف الليبية رعته الأمم المتحدة. وتمّ تحديد موعد لإجراء انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية. ثم أرجئت الانتخابات التشريعية إلى ما بعد إجراء الرئاسية. لكن قبل أقل من أسبوعين على الموعد، يشكك ليبيون في إمكان إتمام الانتخابات، بسبب الانقسامات السياسية العميقة التي لا تزال تغذيها التدخلات الأجنبية.

ويقول بينومار إن “مؤسسات مشرذمة، وعدم وجود دولة وقوى أمنية وعسكرية موحدة أو شرعية… كلها عناصر تقود إلى عدم الاستقرار، وهذه المسائل الأساسية بقيت عالقة منذ نحو تسع سنوات”.

وترى أماندا كادليك العضو في مجموعة خبراء الأمم المتحدة حول ليبيا، أن “الحدّ الأدنى للبنى التحتية والمتطلبات الأمنية لانتخابات حرة وعادلة غير موجود حاليا”.

وضع غامض

الحملات الانتخابية لم  تبدأ بعد

تنتشر في البلاد مجموعات مسلحة عديدة. وتنقسم السلطة إلى مركزين أحدهما في الغرب والآخر في شرق البلاد، حيث تسيطر قوات المشير خليفة حفتر على الشرق. وفي الغرب، تكنّ شريحة واسعة من السكان والمجموعات المسلحة عداء كبيرا لحفتر الذي حاول التقدم نحو طرابلس في مواجهة مع الأحزاب الإسلامية الممثلة في حكومة الوفاق خلال العامين الماضيين.

وحفتر مرشح للانتخابات الرئاسية. وهو ليس المرشح الوحيد المثير للجدل، بل هناك سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم السابق معمر القذافي الذي قتل منذ عشر سنوات خلال الانتفاضة الشعبية ضده. كما ترشح إلى الانتخابات رئيس الحكومة الانتقالية الحالي عبدالحميد الدبيبة الذي كان أعلن في وقت سابق أنه لن يترشح.

الحملات الانتخابية لم تبدأ بعد، وأرجئ نشر قائمة المترشحين النهائية إلى موعد لم يحدد، ما يجعل حصول الاستحقاق في موعده مستبعدا

حرم الليبيون نتيجة الحروب والانقسامات من موارد بلدهم الهائلة لاسيما في مجال الطاقة. ودمرت البنية التحتية وأصبح الاقتصاد في حالة يرثى لها والخدمات ضعيفة.

وتتواصل معاناة الليبيين، إذ تشهد طرابلس طوابير انتظار طويلة أمام البنوك، وتنتظر السيارات ساعات أمام محطات البنزين. وتراجعت قيمة الدينار الليبي، وارتفعت أسعار العقارات، وصار انقطاع الكهرباء حدثا يوميا. وفي غياب الكهرباء، تهتزّ المدينة على هدير المولدات. ولا تزال الرافعات الضخمة بعجلاتها الصدئة متوقفة قرب المباني غير المكتملة التي غزتها الأعشاب الطفيلية، في دليل على تعطّل الاقتصاد.

وطال العنف في السنوات الأخيرة قطاع النفط في بلد يحوي أكبر احتياطي من الذهب الأسود في أفريقيا، وصار يستعمل كورقة مقايضة. كما لا يوجد في ليبيا دستور منذ أن ألغاه القذافي عام 1969، وشهدت البلاد خلال الأشهر الماضية دعوات متصاعدة لضرورة إجراء استفتاء وطني على دستور للبلاد قبل أي عملية انتخابية.

ويرى مدير “معهد صادق” أنس القماطي أن “انتخابات في مثل هذه الظروف القانونية والسياسية ستزعزع استقرار ليبيا بالتأكيد”.

ويقول “أي نصر انتخابي لسيف الإسلام أو لحفتر سيجر إلى حرب يبدأ بها من عارضوا القذافي في 2011 أو من قاوموا هجوم حفتر على طرابلس في 2019″، مضيفا أن “ترشيح الدبيبة يثير انتقادات أيضا، فقد تعهد بعدم الترشح، ومعارضوه سيرفضون فوزه” إن حصل.

وزاد في غموض الوضع، تنحي موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيش عن مهامه، قبل شهر من الانتخابات الرئاسية.

ولم تكشف أسباب الاستقالة، لكن دبلوماسيا في الأمم المتحدة قال إن جوهر المشكلة يكمن في “خلافات حول الانتخابات” بينه وبين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. فقد أصرّ كوبيش على إجراء الانتخابات في موعدها، بينما كان غوتيريش مترددا.

وفي سعيه إلى إجراء الانتخابات بأي ثمن، وافق كوبيش على قانون انتخابي مثير للجدل، اتهمه معارضو المشير خليفة حفتر بأنه فصّله على قياسه، ونشره البرلمان الليبي دون التصويت عليه في جلسة عامة.

وعلى الرغم من كل المؤشرات السلبية، يتمسك المجتمع الدولي بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد. ويصف السفير البريطاني السابق في ليبيا بيتر ميليت هذا الموقف “بدفع أعمى لعملية انتخابية من دون أخذ كل الأخطار في الاعتبار”.

وفي حين يرى أن الإرجاء سيكون أمرا لا مفر منه، يضيف أن ثلاث مسائل ستبقى عالقة بعد ذلك “الإرجاء إلى متى؟ من سيحكم في المرحلة الانتقالية؟ وما كانت فائدة المرحلة السابقة؟”.

6