الامتناع عن التدخين لا يضمن الحماية الكاملة من سرطان الرئة

هامبورغ (ألمانيا) – كشفت أبحاث علمية جديدة أن دخان السجائر يحمل معه شبح سرطان الرئة، أينما حل، ولا يقتصر فقط على من يدخنون. فالمدخنون يستنشقون 15 بالمئة فقط من دخان سجائرهم، فيما ينتشر 85 بالمئة من الدخان المتصاعد في الجو ويهدد حياة غير المدخنين في أماكن العمل والأماكن العامة.
وهذا ما أكدته دراسة ألمانية سابقة، بعد التوصل إلى نتائج ملفتة مفادها أن ضحايا التدخين السلبي أكبر بكثير من ضحايا تعاطي المخدرات الممنوعة ومرضى جنون البقر والسارس مجتمعة. ووفقا للمختصين الألمان، فإن 2140 غير مدخن يموتون سنويا من مرض تصلب شرايين القلب و770 من الجلطة و260 من سرطان الرئة.
وقال أولريش كايل أحد المسؤولين عن الدراسة، التي نشرت في الموقع الألماني دويتشه فيله، إن 60 رضيعا يموتون سنويا نتيجة وجودهم في بيئة منزلية مدخنة أو نتيجة إدمان أمهاتهم أثناء الحمل على التدخين. وأضاف الخبير أن الدخان السلبي يحمل الكثير من المواد السامة مثل حامض البُروسيك والأمونياك، ولكن أيضا الكثير من المواد المُسببة لمرض السرطان مثل بترابيرين والكاديوم والكروم وغيرها.
يتفق خبراء بريطانيون مع ما توصل إليه الأخصائيون الألمان ويؤكدون أنه رغم ارتباط 85 بالمئة من حالات سرطان الرئة بالتدخين، لن يضمن الامتناع عن التدخين الحماية الكاملة من مخاطر الإصابة بسرطان الرئة وغيره من أنواع السرطان.
نقلت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، عن تشارلز سوانتون، كبير الأطباء السريريين بمؤسسة أبحاث السرطان الخيرية بالمملكة المتحدة، قوله، “إن مشكلة انتشار سرطان الرئة بين غير المدخنين ليست بالمشكلة الهينة، فإن ما يتراوح بين 5 و10 بالمئة من المصابين بسرطان الرئة في عيادتي لم يدخنوا قط”.
يعتقد الكثير من الناس أنهم في مأمن من الإصابة بسرطان الرئة طالما أنهم لا يدخنون السجائر، بشكليها الكلاسيكي والإلكتروني، ويتصور جلهم أن التعرض للتدخين السلبي لا يمكن أن يحمل هذا الخطر بأي شكل من الأشكال، لأن السرطان هو نتيجة حتمية، وفق اعتقادهم، للإفراط في التدخين
جدير بالذكر أنه ثمة تفاوت أيضا بين الجنسين في هذا الصدد، إذ خلصت دراسة إلى أن واحدة من كل خمس مصابات بمرض سرطان الرئة لم تدخن السجائر قط، مقارنة بواحد من بين كل عشرة رجال.
ويشير إحصاء لعدد مرضى سرطان الرئة الذين خضعوا لجراحات من 2008 إلى 2014 في المملكة المتحدة إلى أن 67 بالمئة من المصابين بسرطان الرئة الذين لم يدخنوا على الإطلاق كانوا من النساء.
ويعزى هذا التفاوت إلى أن عدد الرجال المدخنين إجمالا يفوق عدد النساء المدخنات، وإن كان ثمة استثناءات في بعض الدول، وهذا يعني أن النساء أكثر عرضة للتدخين السلبي. وذلك لأن فرص زواج النساء من مدخنين أعلى من فرص زواج الرجال من مدخنات.
أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن “النساء والأطفال كثيرا ما يعجزون عن المطالبة بتخصيص مساحات خالية من دخان التبغ، بما في ذلك في منازلهم”.
كما لفت باحثون إلى أن تعرض النساء للتدخين السلبي يضعف خصوبتهن، أيضا، علاوة عن بقية المخاطر المهددة للحياة. فقد حذّرت إحدى الدراسات الأميركية، السيدات من التدخين السلبي الذي يزيد خطر إصابتهن بالعقم وانقطاع الطمث مبكرا.
أوضح الباحثون من معهد روزويل بارك الأميركي للسرطان، أن دراسات سابقة ربطت بين تعاطي التبغ وإصابة النساء بالعقم وانقطاع الطمث، لكن لم يكن من الواضح ما إذا كان التدخين السلبي يجلب نفس المخاطر.
وللتأكد من ذلك، تابع الباحثون 93 ألفا و676 من السيدات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 50 إلى 79 عاما، في الفترة ما بين 1993 إلى 1998.
ورصدت الدراسة، عدد السنوات التي كانت تدخن فيها المشاركات، وعدد السجائر اليومية. أما بالنسبة إلى غير المدخنات، فقد تم سؤالهن عما إذا كن تعرضن لدخان التبغ السلبي في العمل أو المنزل، خلال مرحلة الطفولة والبلوغ.
ووجد الباحثون أن التدخين يرتبط بزيادة خطر إصابة المدخنات بالعقم بنسبة 18 بالمئة، كما أنه يسبب انقطاع الطمث المبكر لديهن بنسبة 45 بالمئة، بحيث ينقطع الطمث عند سن 50 عاما بدلا من 51.
كما وجد الباحثون أن السيدات اللاتي لم يدخنّ قط، وتعرضن إلى التدخين السلبي زادت لديهن نسب الإصابة بالعقم بنسبة 14 بالمئة، وكن أكثر عرضة لانقطاع الطمث المبكر بنسبة 26 بالمئة.
منظمة الصحة العالمية: "النساء والأطفال كثيرا ما يعجزون عن المطالبة بتخصيص مساحات خالية من دخان التبغ"
وكشفت إحصاءات المعهد الوطني الأميركي للسرطان عن أن التدخين السلبي يزيد من فرص إصابة غير المدخنين بسرطان الرئة بنسبة 20 إلى 30 بالمئة، ويحصد أرواح 430 ألف شخص في العالم سنويا، 64 بالمئة منهم من النساء.
وأشارت دراسة أميركية إلى أن 17 بالمئة من المرضى الذين شُخّصوا بسرطان الرئة في الفترة ما بين عامي 2011 و2013 لم يدخنوا قط، بينما لم تتعد هذه النسبة 8.9 بالمئة في الفترة ما بين عامي 1990 و1995، ما يدل على أن نسب إصابة غير المدخنين بمرض سرطان الرئة في تزايد.
وفي تايوان زادت نسبة المصابين بالمرض بين الأشخاص الذين لم يدخنوا على الإطلاق من 31 بالمئة في الفترة ما بين 1992 و2002 إلى 48 بالمئة في الفترة ما بين 2008 و2011. ويختلف سرطان الرئة الذي يصيب المدخنين عن سرطان الرئة الذي يصيب غير المدخنين، لأن كلا النوعين قد نتج عن تغيرات وطفرات في جينات مختلفة. إذ تبين أن أكثر حالات سرطان الرئة لدى غير المدخنين نتجت عن طفرات في جين (إي.جي.أف.آر)، ويمكن علاج هذا النوع من سرطان الرئة بعقاقير جديدة وفعّالة تستهدف هذه الطفرات في الجين.
وتشير آخر إحصاءات الصندوق العالمي لأبحاث السرطان إلى أن سرطان الرئة هو أكثر أنواع السرطان انتشارا على مستوى العالم، بعد أن شُخّصت 1.8 مليون حالة إصابة جديدة بسرطان الرئة في العام 2012، كان 58 بالمئة منها في الدول النامية.
لكن مشكلة انتشار سرطان الرئة لا تقتصر على الدول النامية فحسب، إذ تُشخص سنويا 45 ألف حالة في المملكة المتحدة، و230 ألف حالة في الولايات المتحدة، و12.500 حالة في أستراليا. يلفت الأخصائيون إلى أن احتمالات النجاة من هذا المرض لم تتحسن إلا بنسبة ضئيلة على مدار العقود القليلة الماضية. إذ زادت فرص البقاء على قيد الحياة لعشر سنوات بعد التشخيص من 3 بالمئة في عام 1971-1972 إلى 5 بالمئة في العام 2010- 2011.
بينما تراجعت معدلات الوفاة الناجمة عن مرض سرطان الثدي خلال الفترة نفسها بنسبة 34 بالمئة.
ويقوم فريق بحثي بدراسة التغيرات التي تطرأ على سرطان الرئة مع مرور الوقت لدى 850 مريضا. وهذه الدراسات تفسح المجال لاستكشاف الاختلافات بين المرضى المدخنين وغير المدخنين، وبين الرجال والنساء. وتتيح نتائج هذه الدراسات للباحثين تصميم العلاج الفعّال الذي يناسب كل مريض على حدة.
قد تحمل نتائج الأبحاث التي توصل لها الباحثون حتى الآن آمالا لمرضى سرطان الرئة. ولكن يجب أن نتذكر دائما أن: “مرض سرطان الرئة لا يفرق بين مدخن وغير مدخن، وعليك أنت أيضا أن تحذر منه كحذرك من غيره من أنواع السرطان”.