الاكتشافات النفطية تعاضد رؤية الكويت 2035 المتعثرة

يأمل الكويتيون في استثمار عائدات الاكتشافات النفطية الجديدة للمضي قدما في روية 2035 التنموية والقطع مع العقبات السياسية التي ساهمت بشكل جذري في تعثر الرؤية التي انطلقت قبل سبع سنوات ولم تحقق إلى الآن تقدما يذكر.
الكويت - قبل أسبوعين، أعلنت شركة نفط الكويت عن اكتشاف كبير للنفط الخفيف والغاز المصاحب في حقل النوخذة البحري، ما يوفر موارد مالية جديدة تعاضد رؤية الكويت 2035 المتعثرة.
وقالت شركة نفط الكويت إن الحقل الواقع شرق جزيرة فيلكا الكويتية يغطي مساحة تقدر بـ96 كيلومترًا مربعًا مع تقديرات أولية للاحتياطيات بنحو 2.1 مليار برميل من النفط الخفيف و5.1 تريليون قدم مكعب من الغاز، أو ما يقرب من 3.2 مليار برميل من المكافئ النفطي. ينتج بئر النوخذة حاليًا 2800 برميل فقط من النفط الخفيف وسبعة ملايين قدم مكعب من الغاز المصاحب يوميًا.
وكشف الشيخ نواف الصباح، الرئيس التنفيذي لشركة البترول الكويتية، أن البلاد تخطط لزيادة إنتاج النفط الخام من حوالي 2.4 مليون برميل من الخام يوميًا حاليًا إلى أكثر من 4 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2035 من خلال التعاون مع شركات النفط العالمية الكبرى.
وفي تطور رئيسي آخر، يستعد مشروع مشترك بين مؤسسة البترول الكويتية (ك أف سي) وأرامكو السعودية الآن لإطلاق مناقصة، هندسة وشراء وبناء وتركيب، كبيرة قريبًا للعمل في حقل الدرة المشترك للغاز البحري . ومن المتوقع أن ينتج الحقل مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز و84000 برميل أخرى يوميًا من المكثفات.
الهيكل الإداري الذي يعاني من الترهل ويستمرئ الامتيازات دون عمل، يعد بمثابة مشكلة أكثر تعقيدا من عدم توفر المال
ويقول الكاتب المالي أليكس كيماني في تقرير على موقع أويل برياس الأميركي إنه مع ذلك، فإن خطة الكويت لزيادة إنتاج النفط والغاز بشكل حاد تشكل مغامرة محفوفة بالمخاطر.
وقبل أيام، توقع استطلاع أجرته رويترز لآراء خبراء الاقتصاد أن تنمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بمعدل أبطأ بكثير في العام الحالي بسبب تخفيضات إنتاج النفط الجارية.
وتوقع استطلاع لآراء 24 خبيراً اقتصادياً أن يتوسع اقتصاد المملكة العربية السعودية بمعدل هزيل يبلغ 1.3 في المئة في العام الحالي، بانخفاض عن توقعات 1.9 في المئة في استطلاع أجري في أبريل و3.0 في المئة في يناير.
ومن المتوقع أن يبلغ متوسط نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي 1.9 في المئة في عام 2024. ومع ذلك، من المتوقع أن يكون أداء الكويت هو الأسوأ، حيث ذكر نفس الاستطلاع أن البلاد ستعاني من أعلى معدل تضخم في المنطقة بينما سيظل اقتصادها في حالة ركود.
وهذا يتناقض بشكل حاد مع ما حدث قبل عامين فقط عندما أدت أسعار النفط المرتفعة إلى نمو 85 في المئة في عائدات النفط في الكويت، مما أدى إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8.5 في المئة وانخفاض العجز المالي بنسبة 70 في المئة، وهو أول انخفاض منذ انتشار كوفيد.
وفي نفس العام، شهد بنك الكويت الوطني ، أكبر بنك في البلاد، زيادة صافي أرباحه بنسبة 40.5 في المئة على أساس سنوي ليصل إلى 1.7 مليار دولار.
ويعتمد اقتصاد الكويت بشكل رئيسي على النفط، فهي خامس أغنى دولة في العالم من حيث نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي وخامس أكبر منتج في منظمة أوبك، وهي موطن لـ101 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة، وهي سابع أكبر احتياطي في العالم.
وبحسب بيانات وزارة المالية الكويتية، يشكل النفط 91 في المئة من الصادرات والإيرادات، مما يجعل الدولة الخليجية الصغيرة غنية للغاية ولكنها أيضًا عرضة لتقلبات أسعار النفط.
وعلى النقيض من ذلك، بلغت الإيرادات غير النفطية للمملكة العربية السعودية في العام الماضي 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة في التاريخ بفضل خطة التنويع الاقتصادي (رؤية 2030).
وفي الوقت الذي تعمل فيه دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بقيادة المملكة العربية السعودية، على إصلاح اقتصاداتها بشكل نشط لتكون أقل اعتمادًا على الوقود الأحفوري، تتطلع الكويت إلى مضاعفة إنتاج النفط والغاز.
ومثلها كمثل المملكة العربية السعودية، أقرت الكويت إستراتيجية رؤية 2035 في محاولة لتحويل البلاد إلى مركز تجاري ولوجستي.
وكانت لدى الكويت أحلام كبيرة، بما في ذلك بناء ثلاث مناطق اقتصادية جديدة بالإضافة إلى مدينة الحرير، وهي تكتل حضري مستقبلي بقيمة 130 مليار دولار من شأنه أن يدفع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 13 في المئة إلى 16 في المئة ويخلق أكثر من 200 ألف فرصة عمل.
ونجحت الخطة في البداية: ففي السنة المالية 2021-2022، اجتذبت الكويت 350 مليون دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، بما في ذلك صفقة بنية أساسية بقيمة 102 مليون دولار بين شركة نفط الكويت والمشروع المشترك الصيني المصري سينوثورا بيلدينغ.
وفي العام الماضي، دخلت شركة غوغل كلاود في شراكة مع حكومة الكويت لدعم التحول الرقمي في البلاد.
ولكن لسوء الحظ، يبدو أن رؤية 2035 واجهت بعض العقبات المبكرة: في عام 2022، احتلت الكويت المرتبة الأخيرة في مؤشر المغتربين المطلعين، حيث أشار المشاركون إلى نقص فرص العمل والبنية التحتية الرديئة وثقافة الأعمال السلبية بشكل عام.
ومن الطبيعي أن تلجأ الكويت الآن إلى استغلال الثمار المنخفضة، وهو ما يعرضها بشكل أكبر لأسواق الطاقة الهشة.
وقال جهاد الحميضي، الرئيس التنفيذي لبنك الأهلي المتحد الكويتي “ستستمر أسعار النفط في التقلب، مما يؤثر على الناتج المحلي الإجمالي للكويت… والإصلاحات السريعة في مجالات مثل التنويع الاقتصادي، والإدارة المالية، وأسواق العمل والإسكان ضرورية في هذه المرحلة”.
ومرت رؤية الكويت 2035 بعد إطلاقها في يناير 2017، تنفيذاً لتوجيهات أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، بالكثير من المحطات التي جعلتها تتأخر في تحقيق أبرز أهدافها، والتي منها جائحة كورونا التي أثرت على الاقتصاد العالمي والكويتي.
لدى الكويت أحلام كبيرة بما في ذلك بناء ثلاث مناطق اقتصادية جديدة بالإضافة إلى مدينة الحرير وهي تكتل حضري مستقبلي بقيمة 130 مليار دولار
وخلال الجائحة هبطت أسعار النفط الذي يعد مصدر الإيرادات الأبرز للدولة الكويتية، وهو ما أثر على موازنة البلاد وتراجع اقتصادها في حينها، وعلى رؤيتها الطموحة في تنويع مصادر دخلها.
كما شهدت الكويت خلال السنوات الماضية صداماً كبيراً بين مجلس الأمة والحكومة، وهو ما أثر كثيراً على تقدم الرؤية وتنفيذ أهدافها المختلفة، خاصة أنه يتم تقييمها بناءً على التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشهدها البلاد.
ويقول مراقبون إنه في حين يمكن إيجاد سبل لتحريك عجلة التنمية من مصادر تمويل عدة من قبيل توجيه بعض احتياطات الصندوق السيادي أو القروض، فإن الهيكل الإداري الذي يعاني من الترهل ويستمرئ الفوز بامتيازات من دون عمل، يعد بمثابة مشكلة أكثر تعقيدا من مشكلة توفر أو عدم توفر المال.
ويشير المراقبون إلى أن مشروع أيّ رؤية تنموية يتطلب إرادة سياسية مسبقة قائمة على إصلاح هيكلي يضمن شفافية الاستثمارات فيها، وإخضاعها لرقابة مالية صارمة، وإنشاء إدارات تعمل وفقا لأسس غير تلك السائدة حاليا في الإدارات الحكومية القائمة على المحاباة والإنفاق غير المدروس، وكسب الامتيازات الخاصة لصالح “طبقة القياديين” دون مراعاة مستويات الإنجاز.
وعاد الحديث داخل الأوساط السياسية والإعلامية عن تنفيذ رؤية التنمية والتحديث المعروفة بـ”الكويت 2035″ في ظل الواقع السياسي الجديد الذي أوجدته قرارات أمير البلاد الجديد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح الأخيرة القاضية بحل البرلمان وتعليق العمل بالدستور لفترة لا تزيد عن أربع سنوات.