الاقتصاد السلاح المتاح لأوروبا لدعم الولايات المتحدة في مواجهة الصين

رسالة واشنطن: تكلفة الفشل في منع الحرب قد تُجبركم على خوضها.
الأحد 2022/11/20
أميركا تثير ذعر الأوروبيين لردع الصين

تسعى الدول الأوروبية إلى تجاوز تداعيات  الحرب الروسية ضد أوكرانيا، فيما تطالبها الولايات المتحدة بالاستعداد لكارثة اقتصادية يمكن أن يسببها أي غزو صيني محتمل لتايوان. ويشير الدبلوماسيون الأميركيون في محادثاتهم مع نظرائهم الأوروبيين إلى أن الاقتصاد العالمي سيخسر حوالي 5.2 تريليون دولار سنوياً إذا فرضت الصين حصارا على تايوان، في حين أن غزو تايوان بالكامل سيؤدي إلى المزيد من الكوارث التجارية للعالم.

واشنطن - يستخدم الأميركيون أساليب تخويف مقصودة بسبب رغبتهم في ضم حلفائهم الأوروبيين  إلى جهود ردع أي هجوم صيني محتمل على تايوان، كما يرى المحلل الإستراتيجي الأميركي هال براندز في تحليل نشرته وكالة ”بلومبيرغ“. ويوضح براندز أنه زار العاصمة البريطانية لندن خلال الأسبوع الماضي، في إطار سلسلة لقاءات ومناقشات يجريها مع المحللين والمسؤولين على جانبي المحيط الأطلسي، حيث تأكد من أنه سيكون للحلفاء الأوروبيين دور كبير في أيّ صراع في تايوان، لكن لم يتضح حتى الآن كيف يمكن لأوروبا الموجودة على أحد طرفي إقليم أوراسيا أن تساعد في ردع حرب ستدور على الطرف الآخر أو كسبها.

من الطبيعي أن تطلب الولايات المتحدة دعم أوروبا. فحلف شمال الأطلسي (ناتو) يضم الولايات المتحدة والكتلة الرئيسية من أوروبا، والاتحاد الأوروبي هو ثالث أكبر اقتصاد في العالم. ولكن يظل البعد الجغرافي الذي يفصل بين أوروبا ومنطقة الصراع في مضيق تايوان مشكلة. في الوقت نفسه كتب الصحفي الفرنسي سيلفي كوفمان “الموت لتايوان؟ الأوروبيون لم يوافقوا على ذلك”.

ورغم ذلك هناك إدراك  متزايد بأن أوروبا لا تستطيع  تجاهل أي صراع في مضيق تايوان. فالغزو الروسي لأوكرانيا أثبت أن العدوان في أيّ منطقة يمكن أن يهدد استقرار النظام العالمي ككل وازدهاره. كما أن القدرات العسكرية والاقتصادية المتنامية للصين وتحركاتها الصارمة أثارت المخاوف من أن تحاول إدخال تغييرات جذرية على النظام الدولي الحالي الذي ازدهرت أوروبا من خلاله.

تجاهل الغزو

إذا كان الناتو تحالفا للدول الديمقراطية فإنه لا يستطيع تجاهل عملية غزو دولة ديمقراطية أخرى
إذا كان الناتو تحالفا للدول الديمقراطية فإنه لا يستطيع تجاهل عملية غزو دولة ديمقراطية أخرى

في الوقت نفسه فإنه إذا كان الناتو تحالفا للدول الديمقراطية فإنه لا يستطيع بسهولة تجاهل عملية غزو لدولة ديمقراطية أخرى، إن لم يكن مستعدا لمساعدة الولايات المتحدة في التعامل مع أحد أخطر التحديات لأمنها، ثم ربما ستكون الولايات المتحدة أقل رغبة في الاستثمار في القدرات الأوروبية في المستقبل إذا لم تقف أوروبا إلى جانبها في الأزمة التايوانية، بحسب براندز الباحث المقيم في معهد “المشروع الأميركي” والحاصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة ييل الأميركية.

لقد بدأت الدول الأوروبية، نتيجة لذلك، تقيم محاورها الجزئية الخاصة بها في آسيا. وفي العام الماضي أقر الاتحاد الأوروبي إستراتيجية واعدة “لتحسين القدرات البحرية ونشرها” في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. والآن أعلن الناتو الصين تحديا إستراتيجيا له.

هال براندز: أوروبا ستخسر دعم واشنطن إذا لم تساندها في تايوان
هال براندز: أوروبا ستخسر دعم واشنطن إذا لم تساندها في تايوان

كما حسّنت الدول الأقوى تسليحا في الناتو، غير الولايات المتحدة، ومنها بريطانيا وفرنسا وكندا وهولندا وألمانيا، أنشطتها في مجال المحيط الهادئ. وكجزء  من إستراتيجية “بريطانيا العالمية” بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، نشرت بريطانيا حاملة طائرات في المحيط الهادئ، وعمقت علاقاتها العسكرية مع اليابان وغيرها من الشركاء الإقليميين. كما تسعى لندن لجعل نفسها أكثر محورية في أمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال تحالف “أوكوس” مع الولايات المتحدة وأستراليا.

وانخرطت بريطانيا والولايات المتحدة في إعداد خطة طوارئ للتعامل مع أيّ أزمة عسكرية في تايوان. كما أكد المسؤولون الأميركيون بدء مناقشات مع الاتحاد الأوروبي حول الرد الاقتصادي المحتمل على مثل هذه الأزمة.

ولا يعني هذا أن الموقف الأوروبي بشأن الملف التايواني واضح تماما. فموقف ألمانيا من الصين ملتبس. والإجابة على السؤال المتعلق  بما إذا كانت ألمانيا تسعى لتوسيع علاقاتها التجارية معه الصين أو تقليصها ستختلف باختلاف المسؤول الذي يتحدث.

وإذا كانت الحرب الأوكرانية قد أظهرت  الحساسية الأوروبية لأيّ عمل عدائي في غرب المحيط الهادي، فإنها  أظهرت أيضا محدودية قدرتها على الرد.

وحتى مع زيادة الإنفاق العسكري ستظل قوات الكثير من الدول الأوروبية غير قادرة على العمل بفاعلية بعيدا عن أراضيها.

الردع الاقتصادي

الإتجاه نحو غزو تايوان بالكامل يؤدي إلى المزيد من الكوارث
الإتجاه نحو غزو تايوان بالكامل سيؤدي إلى المزيد من الكوارث

وتأمل واشنطن أن تكون المساهمة الأوروبية الأكبر في الصراع مع الصين اقتصادية، وتتمثل في المشاركة في القيود على الصادرات والعقوبات التجارية والمالية، وحظر الاستثمارات لتقويض ازدهار الصين حتى لو استولت على تايوان. ولكي ينجح هذا النهج في ردع الصين عن غزو تايوان، فإنه يجب تطويره بشكل كامل، والإعلان عنه بوضوح وبشكل مسبق، وهو ما يمكن أن يكون صعبا. بحسب مسؤولين أميركيين وبريطانيين.

وعلى الصعيد العسكري يمكن لأوروبا تقديم المساعدة، من خلال تقديم قدرات متخصصة وسد ثغرات في مناطق أخرى من العالم. كما يمكن لفرنسا وبريطانيا وهولندا وألمانيا تقديم المساعدة في مجال الحرب السيبرانية، من خلال مساعدة تايوان في الدفاع عن أنظمتها وتحديد نقاط الضعف في أنظمة الصين الإلكترونية. كما يمكن للدول الأوروبية المساهمة بالأقمار الاصطناعية وغيرها من أدوات التخابر في جهود التحالف المناهض للصين.

كما يمكن للدول الأوروبية تزويد الولايات المتحدة باحتياجاتها من الذخائر، وربما عرض قدراتها في مجال الهجمات طويلة المدى مثل الصواريخ التي يمكن إطلاقها عبر البحار.

ويرى براندز أنه رغم أن أيا من هذه الإجراءات ليست سهلة، فإن الرسالة التي حملها الدبلوماسيون الأميركيون إلى أوروبا الآن هي أن تكلفة الفشل في منع الحرب يمكن أن تجبر على خوضها ولكن بثمن أفدح.

Thumbnail
7