الاقتراض سلاح العائلات التونسية لمجابهة مصاريف العودة المدرسية

تونس - تواجه غالبية العائلات التونسية الارتفاع المشط في أسعار المستلزمات المدرسية الذي يرجعه المتابعون للشأن التربوي إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، وتلجأ بعض الأسر إلى الاقتراض أو إلى الأسواق الموازية رغم رداءة البضاعة المعروضة وخطورتها على صحة الأطفال.
ويستعد أكثر من مليونين ونصف المليون تلميذ تونسي للعودة المدرسية التي تنطلق في 17 سبتمبر 2019، وما يزيد من حجم الضغوط النفسية المسلطة على الآباء أن العودة المدرسية هذا العام ارتبطت بإجراءات جديدة، تمثلت إضافة إلى تعميم التسجيل عن بعد، وفي تدريس اللغة الفرنسية بداية من السنة الثانية أساسي والإنكليزية بداية من السنة الرابعة أساسي، وهو ما أكده رياض بوبكر مدير المركز الوطني البيداغوجي.
وبعد التسجيل بدأت العائلات في شراء اللوازم المدرسية لكنها اكتوت بغلاء أسعارها في ظل انعدام الرقابة الاقتصادية وتفنن أصحاب المحلات في وضع أسعار لا تناسب العائلات من الطبقة المتوسطة والضعيفة.
وأكد رئيس الغرفة الوطنية النقابية لتجار الجملة للمواد المدرسية والمكتبية فيصل العباسي ارتفاع الأسعار لكن كذبته وزارة التجارة في تصريحات لمسؤوليها.
وقال العباسي إن نسبة ارتفاع الأسعار وصلت إلى 60 بالمئة بين 2017 و2019، لافتا إلى أن الزيادات قد شملت أكثر من 50 بالمئة من احتياجات التلميذ المدرسية. وأوضح أن الأمر يرتبط بدرجة أولى بالزيادات في المواد الأولية إلا أن الزيادات التي تحدث في تونس تكون عادة بشكل غير مدروس.
نسبة ارتفاع الأسعار وصلت إلى 60 بالمئة بين 2017 و2019، وشملت الزيادات أكثر من 50 بالمئة من احتياجات التلميذ المدرسية
وقال العباسي إن المساحات التجارية تلعب دورا مهما في غلاء أسعار اللوازم المدرسية بنسبة 30 بالمئة باعتبار أنها أصبحت المقصد الأساسي للمشتري التونسي، وهو ما يعطيها إمكانية واسعة للتحكم في الأسعار.
ورغم استقرار أسعار الكتب المدرسية للسنة الرابعة على التوالي وفق ما أكده مدير المركز البيداغوجي رياض بوبكر لـ”العرب” إلا أن ارتفاع أسعار بقية اللوازم المدرسية جعل بعض العائلات تضطر إلى الاقتراض وأخرى تنتظر أن تمتدّ إليها أيادي المحسنين، وشق ثالث حرم نفسه من الاصطياف وحضور المناسبات العائلية حتى لا يواجه هذا الموعد السنوي خاوي الوفاض.
وتقول نجيبة الكوكي مطلقة وأم لثلاث بنات إحداهن تدرس في الثانوية العامة “أنهكتنا مصاريف شهر رمضان وعيد الفطر ثم عيد الأضحى لتطل علينا العودة المدرسية ونحن في وضعية مادية لا نحسد عليها، فكثرة المناسبات أرهقت جيب التونسي المطالب في ذات الوقت بتوفير الغذاء الصحي والدواء ودفع معاليم الكهرباء والماء وشبكة التطهير وتأمين عودة مدرسية ناجحة”.
وتؤكد الكوكي أن المسؤولية تكون مضاعفة والحمل أثقل إذا كانت المرأة هي العائل الوحيد للأسرة، وهو ما جعلها تقاطع المناسبات العائلية هذا العام وتحرم نفسها وبناتها من الاصطياف حتى توفر مصاريف الأدوات المدرسية ومعلوم اشتراك النقل، ومعاليم الدروس الخصوصية المفروضة عليها.
وعبرت فاتن الشواشي تلميذة الثانوية العامة عما تمثله هذه المناسبة من فرحة لتلاميذ الصفوف الأولى الذين ينتظرون العودة المدرسية للتزين بالميدعة الجديدة وحمل المحفظة الجميلة ذات الرسوم المختلفة، وهو ما يجعل أولياءهم مجبرين على توفير ما يطلبوه لإسعادهم مهما كلفهم الأمر.
وتقول فاتن “بالرّغم من مجانية التعليم في تونس، فإن المصاريف المترتبة عليه وغلاء أسعار المستلزمات الدراسية، بالإضافة إلى الدروس الخصوصية وبطاقات الاشتراك في النقل المدرسي ومصاريف الأكل تعتبر باهظة وهي في ارتفاع مستمرّ ما يضطر أغلب العائلات إلى الالتجاء إلى الاقتراض”.
وبحسب ما كشفه بحث ميداني قام به المعهد الوطني للاستهلاك نهاية العام 2018 فإن حوالي 1.8 مليون عائلة لا يمكنها التخلي عن القروض أو العيش دونها بسبب الظروف المعيشية الصعبة. وشمل البحث عينة من 3015 رب أسرة وتبين أن 27 بالمئة من العائلات التونسية تعتقد أن التداين أو الاقتراض ضرورة يفرضها ضعف القدرة الشرائية، مقابل 27 بالمئة منها ترى أن التداين ورطة يصعب الخروج منها، و20 بالمئة ترى في التداين حلاّ لتحسين ظروف العيش.
كما أبرز البحث أن 20 بالمئة من الأسر المتداينة تستخدم آلية الدين لتسديد ديون أخرى وبالتالي الدخول في دوامة متواصلة من التداين.
وأمام هذه الوضعية التجأت بعض العائلات إلى المسالك الموازية للتزود بالأدوات المدرسية رغم ما تمثله من مخاطر صحية على التلاميذ.
تقول بسمة الحيدري موظفة بالقطاع الخاص وأم لأربعة أطفال من مستويات تعليمية مختلفة “تقدمت بطلب سلفة من إدارة المؤسسة التي أعمل بها لكن طلبي جوبه بالرفض لأني كنت قد حصلت قبلها على قرض من البنك، فحولت وجهتي نحو المسالك الموازية أين تباع اللوازم المدرسية بأسعار معقولة”.
وتضيف “حتى وإن كانت تفتقر إلى الجودة المطلوبة فهي تفي بالغرض، فتوفير مستلزمات 4 تلاميذ في أقسام مختلفة من المكتبات يمكن أن يستحوذ على راتبي كله”.
وحذّرت الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات، التابعة لوزارة الصحة، في بلاغ لها، من إمكانية احتواء هذه الأدوات المدرسية على مواد كيميائية خطرة تؤثر على الصحّة بصفة حينية (حساسية، تهيّج جلدي) أو على المدى البعيد (أمراض كلى، أمراض سرطانية وغيرها).
وبدورها قامت المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك بحملة توعوية لفائدة الأولياء والتلاميذ للتحسيس بضرورة شراء المواد المدرسية من المسالك المراقبة والإقبال على المواد المؤشرة الخاصعة لتحاليل صحية.
وأكد عبدالجليل الظاهري رئيس المرصد الوطني لحماية المستهلك في تصريح صحافي أن المرصد نبه إلى حدوث انخرام في القدرة الشرائية للتونسي نتيجة مواجهته موسم الأفراح والأعياد وكذلك شهر رمضان مع فصل الصيف، مشيرا إلى أنّ معدل الاختلال في القدرة الشرائية يقدّر بنسبة 6.8 بالمئة.
ولا تتلخص مشاكل العودة المدرسية في الأمور المادية فقط، بل تطول الجانب النفسي لدى الأولياء والتلاميذ على حد السواء حيث تكون الضغوط مسلطة على الطرفين خاصة إذا كان لدى العائلة تلميذ يدخل المدرسة لعامه الأول.
ويقول مراد بلاغة والد طفلين (6 و9 سنوات) “أن يكون لديك تلميذ بالصف الأول وتلميذ بالصف الرابع ليس بالأمر الهين فكلاهما يستحق اهتماما خاصا. ويحتاج تلميذ الصف الأول إلى رعاية فائقة لأنه لا يستطيع الذهاب بمفرده إلى المدرسة ولا يستطيع فراق والديه لساعات طويلة، لذا فمجرد التفكير بأنه سيقضي يوما كاملا بين المدرسة والحضانة دون رؤية أمه سيعمّق إحساس الخوف لديه ويزيد من قلقنا عليه”.
ومن الضروري أن يقنع الآباء أبناءهم أن التنزه لن ينتهي بمجرد الذهاب إلى المدرسة وأن التسلية لن تتوقف وأنه كلما اجتهدوا في أداء واجباتهم يمكنهم التنزه والذهاب للعب. ويوضح الخبراء أهمية تشريك الطفل في شراء المستلزمات المدرسية مع ترك هامش من الحرية له في اختيارها.