الاستمطار آخر حلول الجفاف في زمن الاحترار

باريس - تُبدي دول عدة على خلفية ظاهرة الاحترار المناخي اهتماما متزايدا بتطوير تقنيات تتيح التحكم في الغيوم لجعلها تمطر مثلا، أو لتقليل أحجام حبات البَرَد، وقد يتسبب هذا التوجه في توترات جيوسياسية. ويتسبب شح الأمطار في حالات الجفاف التي تزايدت وتيرتها وشدتها بنسبة 29 في المئة منذ عام 2000 مع تضرر 55 مليون شخص سنويا.
وحذر تقرير أصدرته الأمم المتحدة من المسار التصاعدي للجفاف في العالم وشدة تأثير ذلك ليس فقط على المجتمعات البشرية وإنما أيضًا على النظم البيئية التي يعتمد عليها بقاء كل أشكال الحياة.
في أستراليا تستكمل شركة الكهرباء "سْنُوي هايدرو" راهنا حملة تلقيح السحب المعتادة في سلسلة جبال سْنُوي ماونتنز، الأعلى في الجزيرة التي تشكّل قارة. وتسعى الشركة الأسترالية إلى زيادة تساقط الثلوج باستخدام مولدات جسيمات يوديد الفضة، مما يمكّنها من تعزيز احتياطيات المياه لإنتاج المزيد من الطاقة الكهرومائية.
وتتعدد أسباب الاحتياجات الكبيرة للمياه، سواء لأغراض الزراعة أو للاستهلاك البشري أو لتوليد الكهرباء، والسبب واحد، وهو ظاهرة الاحترار المناخي. ويعيش 2.3 مليار شخص في دول تعاني مشكلة نقص المياه، وفقاً للأمم المتحدة.
وفي ضوء ذلك تحاول عدة دول إحداث تغيير في الطقس، كالهند وتايلاند والولايات المتحدة والصين. ففي عام 2020 أصدرت بكين تعميما يشرح إستراتيجيتها، وكشفت من خلاله أنها ستمتلك بحلول سنة 2025 نظاماً متطوراً لتعديل الطقس.
كذلك تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة جاهدة لتحقيق هدف مماثل، وأطلق المركز الوطني للأرصاد الجوية في هذا الإطار قبل أعوام برنامجاً لبحوث علوم الاستمطار بهدف الإشراف على منح بحثية بقيمة مليون ونصف مليون دولار أميركي لتحفيز العلماء والباحثين على إيجاد أفكار مبتكرة في هذا المجال. وتكمن أهداف البرنامج في تطوير تقنيات تحسن كفاءة وقدرات التوقع الخاصة بعمليات تلقيح السحب.
ومنذ التعويذات لجلب المطر في العصور القديمة لم تتبدد يوما آمال جعل المطر يهطل عند الطلب. وفي نهاية أربعينات القرن العشرين أطلقت الولايات المتحدة محاولات في هذا المجال، من بينها ما هو لأغراض عسكرية، فخلال حرب فيتنام كانت "عملية بوباي" التي أطلقها الجيش الأميركي تتألف من تلقيح السحب في محاولة لإبطاء قوات هو تشي منه، لكنّ فاعلية هذه الخطة لا تزال موضع نقاش.
ومنذ ذلك الحين لم تشهد التقنيات إلا تغييرا طفيفا نسبيا، مع أن أبحاثا تُجرى في الوقت الراهن. وتقوم هذه التقنيات عموما على نثر جسيمات يوديد الفضة والملح الاسترطابي وسواها في السحب، إما بالطائرة أو بواسطة مولدات أو صواريخ من الأرض. وبعد ذلك تؤدي الجسيمات الصغيرة التي تُضَخ في السحابة إلى تعديل بنيتها، ويُفترض أن تجعلها تُمطر.
لكنّ لتلقيح السحب عيوبا، أبرزها أن من الصعب تقييم الفاعلية الحقيقية لهذه التقنية. وفي فرنسا تعتمد الجمعية الوطنية لدراسة ومكافحة آفات الغلاف الجوي، التي أُسِّسَت في مطلع خمسينات القرن الماضي، هذه التقنية لتقليل أضرار البَرَد على المحاصيل الزراعية.
وقالت مديرتها كلود بيرتيه إن "تقييم فاعليتها لا يزال صعبا بسبب التنوع الكبير في هذه الظاهرة الطبيعية". إلا أن "سْنُوي هايدرو" أكدت أن بياناتها "تُظهر وجود علاقة بين المناطق التي تلقت يوديد الفضة وتلك التي تلقت الكمية الأقل من البَرَد"، ملاحِظة زيادة في الثلوج بنسبة 14 في المئة في جبال سْنُوي ماونتنز أثناء حملات تلقيح السحب.
♦ الصين كشفت عن خططها الرامية إلى السيطرة على الطقس من خلال تقنية الاستمطار التي تهدف إلى إنتاج الأمطار والثلوج بشكل اصطناعي
وهذا الأمر ليس سوى جانب واحد من المشكلة، إذ تشير الباحثة في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية الفرنسي مارين دو غولييلمو ويبر، التي خصصت أطروحتها لهذا الموضوع، إلى أن "الفكرة الرئيسية في إطار التغيّر المناخي هي أن الاهتمام منصب على ندرة الموارد المائية، مما سيؤدي إلى المزيد من الصراعات على هذه الموارد".
وبناء على ذلك "ستصبح التقنيات التي يقال عنها إنها توفر القدرة على استمطار السُحب، بينما قد يستغرق ذلك ساعات في وضع طبيعي، أكثر فأكثر موضع تنازع". ومن الأمثلة على ذلك أن مسؤولا إيرانيا رفيع المستوى اتهم عام 2018 إسرائيل بسرقة السحب الإيرانية، واتهمت الهند الصين باستخدام تقنيات لسرقة الأمطار الهندية.
وفي أواخر عام 2020 كشفت الصين عن خططها الرامية إلى السيطرة على الطقس من خلال تقنية الاستمطار التي تهدف إلى إنتاج الأمطار والثلوج بشكل اصطناعي، والتي من خلالها ستكون قادرة على تغطية مساحة تصل إلى نحو 5.5 مليون ميل مربع بحلول عام 2025، أي ما يعادل مساحة أكبر من الهند بـ1.5 مرة.
ولاحظ الكاتب والمحامي السابق ماتيو سيمونيه، الذي أصدر أخيراً قصة عن هذا الموضوع، أن لا قانون دولياً في شأن السُحب. ورأى أن "الغيوم من نوع الملكية المشتركة، لذلك ثمة حاجة إلى قواعد مشتركة تتيح تَشارُكها".
وشدد الكاتب الذي يدعو إلى يوم عالمي للغيوم على أهمية "عدم استناد هذه القواعد المشتركة إلى الموقع الجغرافي (..)، فالسحب تتنقل في كل مكان، وبالطريقة نفسها، ويجب عدم تحديدها بناء على القدرات التقنية وثروات هذا البلد أو ذاك".